معجم السيميائيـات متابعـات نقديــة ترجمــــات

دراســــات

 مؤلفــات بطاقـة تعريـف الصفحة الرئيسيـة
للاتصـــال  مواقـــع  خزانات الموقـع  صحف ومجـلات رسائل وأطروحـات وحدة تحليل الخطاب مجلـة عــلامات

سعيد بنگــراد

قصة الخلق بين المتصل الزمني والتمثيل السردي

 دراسة في الجنس المقدس

 

 

سأحاول فيما يأتي دراسة التجربة الزمنية في علاقتها بصيغ التمثيل السردي كما تتجسد في " قصة الخلق" التي يشير إليها النص القرآني في مناسبات عدة ( وهي القصة نفسها التي يرويها الكتاب المقدس وتتحدث عنها الكثير من الأساطير). وليس المقصود هنا ضبط ماهية الزمن كما تحيل عليها الأبحاث الخاصة بتحديد البداية المادية للكون وارتباطه بكل التصورات التي ناقشت مادة الخلق وطبيعتَها وكيفية انبثاق الشيء عن الشيء أو اللاشيء. فتلك قضايا - رغم أهميتها في سياقات أخرى- لا تشكل، في سياق بحثنا، عنصرا ملائما قد يفيد في التحليل الذي نقترحه لقصة الخلق. وسنتناول في هذه القراءة نقطتين : تتعلق الأولى بما يعود إلى المتصل الزمني الذي يشير إلى كم غير معدود، وتتعلق الثانية بالتحول من الوجه المجرد إلى الأجزاء باعتبارها فواصل تخبر عن المضامين الممكنة التي يختزنها المتصل.

1- الخلق بين المتصل والحاضر الزمني

بما أن منطلقنا هو نصوص لغوية محدودة لا تقديرات فلسفية افتراضية، فإن التجربة التي نقترح دراستها تتلخص إجمالا، في رصد الصيغ التي يقاس من خلالها المضمون الزمني باعتباره مادة تغذي الفعل وتجعل منه كيانا مدركا من خلال قيم معبر عنها في سلوك مفترض أو مسقط أو قابل للإسقاط.

فقبل قرار الخلق لم يكن العالم سوى حاضر كلي غير موجه، أي حالة مطلقة في الحجم والوجود والامتداد. لذلك نرى فيه حاضرا في ذاته لا في علاقته بشيء آخر، وهو حاضر لحظي لا يسقط مستقبلا ولا يستحضر ماضيا، ذلك أن الحاضر الذي لا يتحدد من خلال حالة تذكر ولا من خلال حالة توقع، هو حاضر لازمني، " فالآن الحاضر هو الآن الخالي من كل حركة، (...) فالسرمدية هي الحضور الدائم، بمعنى الثبات وانعدام الحركة والتغيير ( ...). وإذا كان الزمان متكونا من آنات متوالية، فالوجود الحقيقي فيه حاضر باستمرار ما دام موجودا في الآن". (1) وهو ما يمكن التعبير عنه من خلال صيغة تنفي الوجود الزمني ذاته، ذلك أن الأمر يتعلق بحالة غير مرئية من خلال حدود زمنية مدركة في أفعال بينها مدى محسوس يتضمن سيرورة تشير إلى تتابع خاص بالحالات أو القيم أو السلوك، إنها لحظة أبدية لا تخضع للتغيير أو التحول، إنها تشكل فقط المادة التي تشتق منها كل الصور المؤثثة للكونين الإنساني والطبيعي.

ونحن نفترض، من خلال إحالات النص المباشرة وغير المباشرة، أن هذه الحالة تصور الكون السائد قبل قرار الخلق. فكل الإحالات اللغوية، المباشرة وغير المباشرة، تشير إلى منبع أصلي يوجد خارج الزمن بمفهومه الأرضي، أي باعتباره أفعالا تتوالى من خلال حالات متعاقبة تعد وعاء تصب داخله كل قيم الإنسان وحالاته الانفعالية. فلا يمكن أن نتحدث، ضمن وضع تلك طبيعته، عن "الحلم "و"الحنين" و"الندم"، ولا تمكن الإشارة إلى "الرغبة" أو"الأمل" أو "التحسر"، فتلك قيم ذات مضامين زمنية، ولأنها كذلك، فإن تصورها ضمن هذا الحاضر الأبدي أمر مناف لطبيعة الكون المخصوص الذي تتحرك داخله كائنات تدرك خارج منطق الزمن.

فكيف يتصور النص القرآني انبثاق أشكال الحياة الأولى على الأرض عن هذا" الآن" الكلي والعديم الشكل، لتصبح زمنا له حجم وامتداد فيما سيأتي وصدى فيما مضى ؟ إن الجواب عن هذا التساؤل يمر عبر تحديد مضمون المتصل ذاته، والمتصل هو الحالة السابقة على العنصر المخصوص. إنه " ما يحضر في الذهن من خلال كليته لا من خلال أجزائه" ( لالاند)، لذلك فهو مادة بكماء عمياء لا تدل ولا تحيل - في غياب علامات هي البوابة لإنتاج المعنى وتداوله- على أي شيء سوى ذاتها. فإنتاج العلامات، أي المعاني، يشترط تحديد ماهية هذا الكيان من خلال أجزائه ووحداته وأشكاله. فلا شيء واضح قبل ظهور المنفصل المجسد في الأشكال والوحدات، ولا شيء مدرك خارج التقطيع المفهومي الذي يقوم به اللسان.

ومن هذه الزاوية، فإن الزمن مضمون يستوجب إدراكه تحديد ماهيتين مختلفتين في الطبيعة والتجلي والاشتغال :

- ما يتعلق بالعملية الخاصة بتحويل المتصل المادي ( ما يشار إليه أحيانا بالعماء ) إلى شكل يروي حالات الكون المتعددة : الأرض والسماء والكواكب، والنهار والليل. وهذا التحويل يعد الشرط الضروري الذي يجعل من العالم كيانا منتجا لمعانيه من خلال أشكاله المتعددة لا من خلال مادة تكونه ( تعاقب الليل والنهار مثلا باعتباره حالة تحيل على مضمون زمني من خلال فعل التعاقب ذاته).

- وما يتعلق بتحويل المطلق القيمي ( الوجود الأصلي الأحادي ) إلى محاور دلالية أو بنيات تدرك من خلال علاقات تربط بين الحدود المشكلة للكون القيمي. فخارج هذه العلاقات لا يمكن تصور كون دلالي يغطي مجمل ما يمكن أن يصدر عن الإنسان. فالوجود الوحيد الممكن للقيم هو تقابل هذه القيم فيما بينها. فالإباحة مثلا كأصل مطلق ليست كذلك إلا في ارتباطها بالتحريم. وفي هذه الحالة، فإن الإباحة دون وجود التحريم لا يمكن أن تدل على شيء اسمه الإباحة.

وبطبيعة الحال، فإن ما يحدد اتجاه بحثنا، في هذا السياق، هو الكيفية التي يُسرب بها الزمن، من خلال فعل الخلق ذاته، إلى كيانات تكشف عن أشكال وجوده باعتباره :

- تنبيها على حاضر مطلق.

- وإمكانا للتوقع.

- وتنويعا للقيم.

- ومدى بين الأفعال.

والأمر في جميع الحالات مرتبط بانبثاق الحياة عن حدود تقابلية تكشف عن الوجود الأرضي الممكن. فاللحظات الأولى في قرار الخلق الكوني تشير، من خلال كل السياقات التي تمثل لها الآيات المشار إليها في الملحق، إلى مقام بالغ الخصوصية : في عالم آخر غير عالمنا وقبل أن يكون هناك تمييز بين الأشياء والحالات، يعلن محفل متعال هو الله عن بداية أولى للزمن الإنساني من خلال القرار الخاص بخلق كائن جديد سيكون هو الوجه الأمثل للكائن الإنساني. فآدم سيكون هو الذات المؤهلة للقيام بمهمة الخلافة في الأرض ضمن الشروط التي يتطلبها الزمن باعتباره وعاء يشتمل على العلاقات الضرورية التي تجعل من الحياة على هذا الكوكب أمرا ممكنا.

استنادا إلى قرار الخلق هذا، ستتبلور كل صيغ الحياة المقبلة، أي الصيغ التي تخبر عن الأحداث، وترسم حدود الوجود المقبل، كما ستتبلور كل مضامين الأفعال التي سيستوعبها الفضاء المقبل وهو ما تشير إليه الآية القرآنية : " إني جاعل في الأرض خليفة". وسيكون بالإمكان، استنادا إلى هذا القرار أيضا، إعادة صياغة الحالة السابقة على الانتشار السردي. سيكون من المستحيل العودة مرة أخرى إلى الحالة الأصل، ضمن نفس الشروط، فالحاضر المطلق يتحول إلى صيغة زمنية موجهة نحو غاية كما تشير إلى ذلك الآية " لنبلوكم أيكم أحسن عملا". وهو ما يعني التمييز بين ما ينتمي إلى الشر وبين ما سينتمي إلى الخير، والحاصل وجود فضاء للخير وآخر للشر المعبر عنهما بالجنة والنار، بعدما كانت السماء فضاء لخير مطلق.

وهكذا سنكون أمام أولى الاستقطابات الثنائية المنذرة بمجيء الزمن النسبي المتمفصل في الحالات. فبعدما كانت السماء فضاء كليا ( وهو فضاء مفترض لا يمكن تحديد اتجاهه ولا موقعه) ستتحول إلى كيانين منفصلين يشير كل منهما إلى قيم وكائنات، بل إلى ملائكة أيضا تختلف مهامها باختلاف حيزها المكاني.

إن هذه العودة ذاتها هي ما يبرر وجوب الخلق، فمن موقع لازمني، حيث يشار إلى الوجود من خلال حدود مطلقة كـ"الخلود" و"البقاء"، يسقط المحفل المتعالي، الذي تنتهي إليه كل المتناقضات، حالة زمنية تتشخص ضمنها القيم المطلقة وتتعدد مضامينها استنادا إلى وضعيات إنسانية نسبية. فالخروج من اللازمني حيث ينتفي التقابل بين الكائنات والأشياء، وحيث تمثل القيم من خلال صيغها المطلقة في الوجود والتداول، يقتضي إسقاط النسبي، أي إسقاط الزمني الذي يقاس من خلال الحركة والتغيير والعدد والتحول في الحالات والأشياء.

ويمكن النظر إلى الحالة الجديدة الموصوفة بالمؤقتة " ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين "، باعتبارها اختراقا موجها لمتصل لا يمكن، في منطق معرفتنا " الأرضية "، كما أشرنا إلى ذلك سابقا، أن يدل من تلقاء ذاته ولا من خلال كليته. إنه قادر على التدليل فقط من خلال الشروخ التي يمكن أن تحدثها التحققات المخصوصة في الكتلة العديمة الشكل. وهذا التحقق ذاتهُ لا يمكنه، في جميع الحالات، أن يمتلك كامل أشكاله المضمونية إلا داخل وعاء زمني يعد الوسيلة الوحيدة التي تمكننا من تبين الشيء من نقيضه.

وعلى هذا الأساس، فإن إسقاط حالة جديدة يفترض صياغة حدود جديدة تتجاوز المعطى الدلالي السابق لتُدرج الفعل ضمن حدود لا يمكن أن توجد إلا من خلال تقابلها مع بعضها البعض. فالحالة التي يشير إليها النص القرآني - صراحة أو ضمنا- هي حالة تتسم بالمطلق في الوجود وفي القيم وفي الأحادية الجنسية :

- فمن جهة تحيل هذه الحالة، كما رأينا ذلك أعلاه، على حاضر مطلق، فالخلود ليس سوى حالة تلغي الزمن بكل تجلياته. ولا علاقة لهذا الحاضر بالحاضر الزمني الذي نصوغ داخله قيمنا، فحاضرنا الأرضي ليس كذلك إلا ضمن صيغة تنظيمية تقابل بينه وبين ما مضى، وتربط بينه وبين ما سيأتي. فصفته تلك رهينة إذن بقدرته على أن يتحول إلى نقطة انطلاق ستكون بدايتها هي قصة الخلق ذاتها. وهي ما يشكل السقف الزمني الذي يستدعي كيانات تفعل وتتحرك وتحلم وتتصارع : " أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء"، وهي حالة لا نجد لها، كما هو واضح من خلال النص القرآني، مثيلا في الكون السابق على الخلق.

- ومن جهة ثانية، يتميز هذا الحاضر المطلق بأسبقيته على أي تمفصل يطال الفعل والقيم. والحال أنه، استنادا إلى قوانين الفكر الإنساني الأرضي، لا يمكن الحديث عن معنى سابق على التمفصل. فبما أن التمثيل يشير، بعبارات صريحة، إلى أصل أول لا يتمتع بأي تحديد زمني، فإن التقابلات الممكنة المحددة لكل مضمون دلالي ستنتفي، وحينها ستحضر كل القيم على شكل مواد قيمية مطلقة في الوجود وفي التداول ( يشير بعض المفسرين إلى أن آدم خدع لأنه لم يكن في ذهنه شيىء اسمه الخيانة أوالكذب أوالتحايل ). فالموجود في هذا الحاضر هو صيغة مطلقة لإيجاب مطلق ذلك أن الحد المعزول المنظور إليه في ذاته لا متناه، فهو مضمون إيجابي في ذاته في استقلال عن تقابله مع حد سلبي يمنحه مضمونه الآخر.

- ويتميز هذا الحاضر في مرحلة ثالثة بانعدام أي تصنيف جنسي. فالملائكة كيانات موجودة خارج التصنيف الجنسي المتعارف عليه : ذكر في مقابل أنثى. فلا يشير النص إلى أنوثة أو ذكورة الملائكة عدا الضمائر، والضمائر قد تفيدنا في تحديد المضمون النحوي، ولكنها لا يمكن أن تكون منطلقا لتحديد الإحالات الثقافية الخاصة بالمذكر والمؤنث. وهذا التمييز له أهمية خاصة في حالتنا هاته.

استنادا إلى خصائص الحالة السابقة على الخلق، واستنادا إلى قرارالخلق ذاته يمكن إسقاط حالات التشخيص المحتملة التي يمكن استنباطها من العناصر الموصوفة داخل الحالة البدئية : ما يعود إلى الملائكة وما يؤثث عالم آدم وزوجه وإبليس والجنة والشجرة والإباحة والتحريم وباقي العناصر التي تشير إلى حدث إنساني قابل للوصف والتحديد. فهذه العناصر قابلة للقراءة من زاوية نظر تتجاوز حدود التجليات الدلالية المباشرة لتبحث في ذاكرة كل عنصر في ذاته وفي ارتباطه بالعناصر الأخرى. إنها البوابة التي نطل من خلالها على عالم التمثيل السردي المتضمن في فعل الخلق.

وعلى هذا الأساس، فإن الحالة الجديدة ( أي القصة ) يُنظر إليها باعتبارها انفجارا لمادة مضمونية في وحدات صغرى تتخذ طابعا مشخصا، أي معادلا جديدا يتحقق من خلال ما يحيل على الفعل الإنساني المدرج ضمن زمنية تحدد له حجما وامتدادا وبداية ونهاية. إن الأمر يتعلق بخلق النقيض لكي يُفسح المجال للذات المتعالية أن تتأمل نفسها في تفردها المطلق من خلال تجسد قوتها في وقائع من طبيعة جديدة، هي ما يحيل عليه الكون الإنساني باعتباره تجل لقدرات إلهية سابقة.

وعلى الرغم من ذلك، فإن ما سيتم إحداثه ليس شيئا مخالفا في الطبيعة لما هو موجود قبلُ، على الأقل من خلال ما تحيل عليه الحدود اللغوية. فلا وجود لأي شيء على الأرض يخالف ما يرويه النص عن أهل السماء. فكل الأوصاف الخاصة بالأشياء والكائنات ( وكذلك المقولات المعتمدة في الأحكام الإدراكية كالكثرة والوحدة والعدد والجملة والإمكان والضرورة ... ) هي أوصاف نعقلها وندركها، ونحن قادرون على تصور حدودها ومضامينها وسياقاتها أيضا، فهي شبيهة بالعناصر المشكلة لأي مقام إبلاغي إنساني متعارف عليه من خلال الضمائر ومن خلال التصنيف الاجتماعي والجنسي، ومن خلال النموذج الخاص بالتوزيع الزمني بين حاضر أبدي وبين ماض لا وجود له وبين مستقبل سيتم إحداثه لغاية لا يعلمها إلا الذي يقوم بعملية الخلق أي الذات الإلهية : " قال إني أعلم ما لا تعلمون". وهذا المقام هو بهذه الصفة لأنه موجود خارج حدود الزمن.

إن قصة الخلق تحيل إذن، من زاوية المنطق السردي، ومن زواية تشكل الكون أيضا، على مضمون زمني، الغاية من وجوده هي الخروج من حالات المطلق حيث " الأول المطلق" و" الخير المطلق" و" الجمال المطلق" و" الحقيقة المطلقة الأولى"، إلى ما يشكل الوجه المشخص لحالات القيم هاته. وهذا لا يمكن أن يحدث إلا إذا أخذنا في الحسبان الحد السلبي، المنفي في الحالة الأولى، الذي يعد المسؤول عن بناء القصة وعن تحديد احتمالات تطورها. فالانطلاق من الحالة الأصل وإسقاط تحولاتها الممكنة، هو ما يشكل في الجوهر منطق البناء السردي. فالمادة القيمية لا تخضع للتداول إلا في حالة وضعها كمقولة معنمية تامة يتحدد مضمونها من خلال العلاقات التي تجمع بين حدودها المرئية والضمنية ( الخير / الشر وإحالات كل حد على أشكال تحققه ). وفي غياب مفهوم العلاقة وإمكانات التحول من حد إلى حد لن يكون ممكنا، بالمطلق، تصور إنتاج دلالة أو تداول معنى أو قول أي شيء عن أي شيء آخر.

وهذا ما تعبر عنه الأسطورة أحسن تعبير، فهي تربط قصة الخلق بفكرة التزاوج الذي يعد في المنطق المجرد والتداول المحسوس خروجا من الحد المعزول للدخول إلى عالم الثنائيات المنتجة للمعنى. " فالزمان يكون أحيانا مصدرا لموجودات، وهو أحيانا مدبرها وحاكمها وهو أحيانا أخرى مولود مشخص عن تزاوج السماء والأرض أو ما شابه ". (2) وصورة التوالد الثنائي هاته هي التي نعثر عليها في وصف هزيود ( Hesiode) لميلاد الكون الزمني. فالأصل في الوجود عنده مادة عمياء موجودة خارج التمفصل وخارج الأشكال، فلقد كان هناك " عماء، ثم كانت بعدئذ الأرض ( جي أو جايا) وثمة أصل ثالث هو أيروس (Eros) وهو الحب أو قوة التوليد، وولد لهذين الأثير( Ether) والنهار. وولدت الأرض الجبال والسماء، وولد من اقتران الأرض والسماء أوقيانوس ( Oceanus) أي المحيط. ونشأ عن تزاوج السماء والأرض الجبابرة (Titans). ولم يكن أورانوس - إله السماء- يحبهم فقذف بهم إلى الظلمة، ولكن الأرض ساءها هذا، فعرضت عليهم أن يقتلوا أباهم. وقام أحدهم، وهو كرونوس، بهذه المهمة حيث أنزلوا أورانوس عن عرشه - السماء- ورفعوا عليه كرونوس. وتزوج هذا الأخير بأخته ريا، ولكن أبويه تنبآ بأن أحد أبنائه سيقتله، فابتلعهم كرونوس جميعا ما عدا زيوس الذي ولدته ريا سرا في كريت، فلما شب خلع كرونوس وأرغمه على أن يخرج أولاده من بطنه، وأعاد الجبابرة إلى باطن الأرض ". (3)

وبغض النظر عن التأويلات التي يمكن أن تعطى لهذه الأسطورة ( الأرض-السماء انشطار فضائي، التزاوج إحالة على المضمون الزمني، الجبابرة إحالة على الشر والخير ) فإن أحد هذه التأويلات على الأقل يشير إلى ضرورة تحديد بؤرة للبداية استنادا إليها يتحدد كل شيء، ويصبح الاستقطاب الثنائي اللاحق معقولا وقابلا للتفسير. وهذا أمر بالغ الأهمية، فكما أشرنا إلى ذلك فإن الحد المعزول في ذاته لامتناه، ولا يمكن أن ينتهي عند حد بعينه. ومن هنا تأتي ضرورة إدخال الثاني لإغلاق السلسلة وفرض القانون، وبدون القانون لن يكون الزوج سوى حالة لحظية لا يمكن أن تصدق إلا على ذاتها. لذلك سارعت كل النصوص التي تناولت بداية الخلق وانبثاق الزمن عن قوة ما خالقة للكون من العدم، أو منبثقة عن مبدإ منظم لعماء بلا شكل، إلى إدخال كيانات تشير ضمنا أو صراحة إلى العنصر الزمني الذي يتجلى في الزوج والثنائية والصراع والتوالد.

بل أكثر من ذلك، فهناك تصورات أخرى ترى في قصة الخلق كلها ( خلق آدم وحواء) استحضارا رمزيا لزمن ضائع لا يمكن أن يستعاد أبدا، فلذلك نحاول أن نحياه باعتباره حلما سيأتي لا باعتباره انتكاسة ماضية ولت دون عودة. وهذا الزمن لا نذكر منه أي شيء سوى أنه كان مرتعا لكل ما تشتهي النفس وما لا تشتهي. وعلى أساس هذا التصور لن يكون آدم وحواء والعالم الذي عاشا فيه سوى إسقاط يستعيد الإنسان من خلاله وضعه داخل الرحم. فلقد عاش الإنسان فترة داخل الرحم كان أثناءها يتمتع بكل أسباب الراحة والهدوء، بعيدا عن المشاكل والهموم وكانت حاجياته متوفرة دون أن يطلبها. وفجأة ألقي به خارج الرحم، فلقد ولد لكي يعيش داخل عالم آخر يضطر فيه إلى الصراع من أجل لقمة العيش وتوفير شروط حياة كريمة. ولإن كانت هذه الصورة ليست واعية وعقلانية، فإنها تسربت إلى اللاشعور على شكل صور نمطية أسقطها الإنسان على مجموعة من وقائع حياته ومنها خلقه لصورة آدم وحواء ونسج من خلالها حكاية خروجهما من الجنة. ولقد أكد أوتورانك، وهو صاحب هذه النظرية ومبدعها الأول أن > " صدمة الولادة " تعتبر أقسى تجربة يمر بها الإنسان في حياته، إلا أن عقله يتولى كبتها عن ذاكرته<. (4) ومع مرورالوقت تحايلت الذاكرة على العقل وتسربت هذه الصورة على شكل صور مبهمة تتخذ شكل حكاية كبرى لا تؤرخ لفرد وحده بل تتحدث عن البدايات الأولى للكائن الإنساني وقصة وجوده على الأرض.

إن هذه الصورة في تعددها وتنوعها وتباينها في تحديد الميكانيزمات الأولى للخلق تتفق في جوهر واحد : التحول من المتصل إلى التجسد في أشكال هي وحدها لها القدرة على قول شيء ما عن الوجود القابل للإدراك في حياة الطبيعة و القيم.

2- الزمنية : اللذة أم الخلود

تشكل المعطيات السابقة خطاطة مجردة ستشتق منها عناصر الزمن النسبي كحد جديد لتعريف الوجود الأرضي. وتحتوي هذه الخطاطة على مجمل العناصر الرمزية التي ستشكل نواة أساسية ندرك عبرها المضمون الزمني. ولن نقوم لاحقا سوى بتفجير عناصر هذه الخطاطة في مسارات مشخصة لكي نحصل على البدايات الأولى لوجود رمزي لحالة سيتم إسقاطها خارج الفضاء الأصلي للزمن المطلق أو اللازمن. وهذا أمر بالغ الأهمية، " فالزمنية لا يمكن صياغة حدودها من خلال خطاب فينومينولوجي مباشر، إنها تشترط توسط الخطاب غير المباشر الذي يوفره السرد ". (5) فالتعبير عن " المعيش الزمني" لا يتم من خلال إحصاء كمي للزمن، بل يمر عبر تشخيص القيم في أفعال تروي التحولات التي تشكل التعريف الوحيد الممكن للحياة. وليس غريبا أن يُنظر إلى " الحكاية باعتبارها حارسا للزمن" (6) فهي الضمانة الأساس على وجوده وعلى نمط تجلياته.

إن الأمر يتعلق بحالة نطلق عليها التزمين، والتزمين تصور للحياة من خلال وضعيات إنسانية فيها السابق واللاحق، وفيها الماضي والآتي، إنها حدود مألوفة من خلال فعل يرصد ما مضى ويتوقع ما سيأتي ويصف ما يقع. إنه المادة التي تجعل مما " يسرد قصة". وهذا ما يحيلنا على مفهوم السردية وقوانينها وخصائصها. فالسردية ليست شيئا آخر سوى > اختراق لمتصل في حياة فرد أو ثقافة، فهي الفعل الذي يسرب التحولات داخل الحالات< (7)، فمن صلب العلاقات الموجهة تنجلي العمليات التي تعلن عن ميلاد كون مشخص تتحرك داخله ذوات وتتصارع قوى ومصالح، إنها ما يشير إلى عمليات من نوع الإثبات أو النفي أوالعودة إلى الوجود المحايد الذي يصف العناصر ضمن علاقة تقابلية جامدة.

وعلى الرغم من ذلك، فإن العودة إلى أصل مولد لا يشكل سوى حالة افتراضية غير قابلة للمعاينة من خلال الحد المتحقق، إلا أنها فرضية ضرورية من أجل فهم العيني والمرئي والمجسد، فالخير والشر يفترضان - منطقيا- وجود حالة ليست لا بالشر ولا بالخير، إلا أنها حالة تفسر الحدود المتحققة فقط ولا يمكن أن تعاش كحالة فعلية.

والنصوص القرآنية التي نستند إليها في رسم حدود هذه الحكاية تحتوي على كل ما يثبت ذلك، فهي تشير إلى بناء قصصي محتمل يمكن أن نتصور حدوده المقبلة من خلال صيغة الخلق ذاتها. فالأمر يتعلق بصياغة قصة تتحدد من خلال غائيتها لا من خلال حدودها البدئية، مادامت البداية لا تستند إلى ما يسمى في السرد بالحالة الاستهلالية التي تحدد نقطة انطلاق " عرضية" ضمن متصل حياتي يشتمل على حدود قيمية ثنائية. لذلك فإن النص القرآني يسقط القصة خارج السماء لا داخلها : " قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون" ( البقرة ). فـ" الشيء السابق" على وجود القيم لا يمكن أن يروى، لأنه بداية فقط، إنه مادة سردية لكل الروايات الممكنة. انطلاقا من هذا يمكن القول إن الحدود البدئية تدرك من خلال قرار الخلق ذاته، فهو يشير إلى مواد مضمونية توجد خارج حدود الحالات التي تعد بؤرة تجسدها، في حين تتحدد الغائية في الفعل المشخص الذي يستولي على القيم ويخرجها من طابعها المطلق ويدرجها ضمن حالات النسبي الذي نميز داخله بين "الشبيه" و"المتطابق" و"النقيض" و"العكسي" الخ.

وعلى هذا الأساس، فإن قصة الخلق تدرج الذات ( آدم ومن معه ) داخل تاريخانية محددة من خلال سيرورة زمنية :

بداية ( هي أصل لكل البدايات)----- تحولات ----- نهاية كلية ( إشارة إلى انتهاء الزمن).

-الخلق - -الاستخلاف- -القيامة-( النهاية المطلقة)

إنها تقوم عبر هذه الخطاطة الثابتة بصياغة معنى لكون مخلوق يقود إلى تدمير كل غاية ما عدا الغاية الأولى. إنها قصة لا تمثل لذات مخصوصة بل تمثل للنموذج الأول الذي ينحدر منه كائن زمني، كائن "يحلم" و"يشتهي" داخل الزمن، وداخله "يندم" و"يتحسر" و"يسقط الرغبات"، و"يرتكب المعاصي" و"يستغفر" ربه و"يتوب"، ليعود، في نهاية المطاف، إلى أصله الأول.

ومن هذه الزاوية، فإن الغائية تتجسد في العودة إلى النبع الأول، أي إلى حالة التمثيل الأولى حيث تُستوعب الحالات الموصوفة، من خلال الزمن، في صيغ المطلق الأول. فقصة الخلق تروي أصولا أولى ( أصل الحياة ومبررها والغاية منها )، ولكنها تبشر في الوقت ذاته بمستقبل للخلاص تصر التعاليم الدينية المرافقة لعملية الخلق على تصنيفه ضمن ما سينتهي إليه المسار الكلي للوجود الأرضي عندما " ينتهي الزمن ويندثر"، وهو ما تمثله الحالة الموصوفة قبل خلق الكون والإنسان. فالقصة التي نعاين ستدور أحداثها داخل " زمن منته"، أي داخل كم زمني معدود، إنه زمن نعرف نهايته ونعرف مآله ونعرف الحالة التي سينتهي إليها.

وعلى هذا الأساس يجب النظر إلى التمثيل السردي، باعتباره تشخيصا زمنيا لسلسلة من القيم في أفعال تمكننا من رصد تحولاتها الممكنة المتضمنة في قرار الخلق ذاته. فالخلق، من زاوية النظر هذه، هو تحديد لنواة زمنية تحيل على وجود مخصوص ( وجود آدم وزوجه ) وتشتمل على كل الدلالات المشخصة الممكنة. فحسب الفعل الإلهي الأول لا يرتبط الخلق بعالم آخر غير ما توفره الجنة باعتبارها امتدادا خارج الزمن وخارج القيم كما نفهمها نحن. إلا أن هذه القصة ستسقط دلالات أخرى هي ما يشير إليه الوضع الجديد الناتج عن " العصيان" ( وعصى آدم ربه فغوى) طه (121). والعصيان مبدأ سردي بالغ الأهمية كما سنرى لاحقا. فانطلاقا من قيمة العصيان سيتم إسقاط غطاء قيمي ستتحرك ضمنه شخصيات الكون الجديد ( الأرض)، وهو غطاء قيمي لا يشكل بديلا للحالة الأصل ولكنه يشير إلى إمكانية تصور وجود مفصول عن هذه الحالة السابقة على دخول آدم إلى مسرح الفعل وسابقة على خلق الأرض، وسابقة على تمفصل القيم.

وتقدم لنا الحالة البدئية مجموعة كبيرة من العناصر التي ستنسج منها قصة الخليقة كلها. فكل ما سيحدث سيستوحي صورته من أصل أول هو الأصل الذي تطنب الآيات القرآنية في وصفه : عالم فيه الأشجار والوديان وفيه النار والماء والهواء، بكل ما لهذه العناصر من إحالات موغلة في الرمزية كما سنرى ذلك. والطريقة التي يوصف بها الوضع البدئي ذاتها تشير إلى إمكانية - أو وجوب - إسقاط عالم آخر غير عالم الملائكة.

في البدء يخلق الله آدم، مفصولا ومتميزا عن الملائكة وكونهم، إنه عنصر داخل كون سماوي بالغ التوحد والانسجام، ولكنه لا يشبه أحدا. فهو مختلف عنهم :

- من حيث مادة الخلق : ( خلق من طين وخلق الملائكة من نور)،

- ومن حيث المعرفة : "وعلم آدم الأسماء كلها" ( عجز الملائكة عن معرفة أسماء الأشياء ).

- ومختلف عنهم من حيث القيمة الوجودية : " اسجدوا لآدم"، " قعوا له ساجدين".

- ويتميز هذا المخلوق الجديد أيضا بامتلاكه لاسم دال على هوية، وهو غير ما يحيل عليه لفظ الملائكة. فلفظ " ملاك" ليس اسما تمييزيا للفرد المفرد بل هو صفة لمخلوقات تتشابه في كل شيء، والصفات لا تكون كذلك إلا في علاقة بعضها ببعض، وهذا ما تؤكده الآية القرآنية الواردة في سورة يوسف : " فلما رأينه أكبرن وقطعن أيديهن وقلن حاشى لله ما هذا بشرا إنْ هذا إلا ملك كريم " ( سورة يوسف 31).

فهذا التميز يشتمل على كل العناصر التي تؤهله للخروج من عالم الملائكة الخالد الأبدي، لكي يدخل عالم الفناء الأرضي. فهو عالم بالأشياء وأسمائها، والأشياء متغيرة كما الأسماء، وهو ليس فردا معزولا، بل زوج قابل للتلاقح والتوالد، والتوالد لا يمكن أن يكون دون الإحالة على التفاوت في الأعمار أي على موت جيل وبزوغ جيل جديد. واستنادا إلى هذه الخاصية فهو "يرغب "و"يشتهي" و"يتذوق" و"يتلذذ،" وهي كلها عناصر ليست من خصائص العالم اللازمني. إنها صيغ تشير في ذاتها، بعيدا عن أي تأويل مسبق، إلى مضامين لا يمكن أن يدركها العقل إلا "متحيزة في الفضاء ومتعاقبة في الزمان". فهي تحتوي على " كميات زمنية " تُحسب بالتتابع : الاندفاع وفتور الرغبة وتلاشي اللذة. وهي من جهة ثانية تشكل قيودا غير مرئية تتحكم في السلوك وتنتظم وفق قواعد بعينها، فلحظة الفتور ليست هي حالة الاندفاع، ولحظة الانتشاء مختلفة عن حالة الارتخاء الذي تلي إشباع حاجات المتعة.

وعلى هذا الأساس يمكن قراءة عناصر المشهد السابق من زاوية نظر أخرى غير ما تشير إليه الدلالات المباشرة. وهو ما يعني، بعبارة أخرى، البحث عن تناظرات دلالية جديدة من خلال إعادة تأويل القصدية التلفظية الأولى والبحث عن علاقات بين العناصر المكونة للنص، وهي علاقات غير مرئية من خلال التجلي اللغوي المباشر. وإذا كان الأمر كذلك، علينا إذن أن نتخلص من القصدية المباشرة للنص ليكون بإمكاننا إدراج كل عنصر من العناصر السابقة ضمن سجل رمزي هو وحده الضامن لإمكانية استشراف دلالات جديدة.

وما يميز الرمزية في هذا السياق هو أنها تشكل "سياقات وصفية" ضمنية لأفعال ممكنة. وبعبارة أخرى، إن هذه الأفعال المحتملة هي في مجملها من طبيعة رمزية بحيث إننا نستطيع أن نؤول جزئية سلوكية معينة بوصفها إشارة إلى هذه القيمة أو تلك استنادا إلى مضامينها الرمزية لا إلى ما تقوله اللغة بشكل مباشر، فحتى قبل أن يتم تأويل هذه الإشارات، فإن الكيانات التي تعد مصدرا لهذه الإشارات تعد مؤولات داخلية ( بمفهوم ش س بورس لكلمة مؤول) لفعل سام أو حكمة إلهية، أي أن وجودها الأصلي وجود رمزي لا إحالة تقريرية على شيء فعلي.

وبما أننا لا نستطيع، استنادا إلى قدرة الفكر البشري المحدودة، إدراك هذه الحكمة الإلهية، فسنكتفي، مستعينين بمعرفتنا الإنسانية الأرضية، بإدراج هذه العناصر ضمن سجل دلالي جديد ليس هو بالضرورة ما تقوله الكلمات بشكل مباشر. وسيتضح من خلال التحليل أن الزمن معطى في هذه الأشياء لا خارجها. ولهذا فإن الاكتفاء برصد تحولات الزمن من خلال صيغ الأفعال الدالة على المستقبل لايفيدنا كثيرا في فهم طبيعة هذا الزمن ومحتواه.

ومن هذه الزاوية نلاحظ، داخل هذه الوضعية، وجود سلسلة من التقابلات الثنائية الحادة الدالة على الانزياح عن العالم اللازمني الوحداني الخاص بالذات الإلهية وملكوتها. وهي تقابلات تنتظم وفقها الأشياء والكائنات والحالات ولا يمكن أن تفهم خارجها. فالله هنا هو الأصل والواحد والأول الذي لا يشبهه أحد. وإذا كان الأمر كذلك، فإن الكائنات الأخرى لها عالمها الخاص ولا يمكنها أن تتمتع بنفس الصفة. فبإمكان الأول أن يستمر في الوجود إلى ما لانهاية وأن يمتد في كل الاتجاهات. فالأول في ذاته حر لا يعرف القيود، فلا تخوم تحد من امتداده في الزمان وفي المكان. إلا أن إسقاط الثاني يحول الاحتمال المطلق إلى تحقق ويلقي بالمخلوق الملموس إلى التداول داخل الزمن باعتباره نسخة من آلاف النسخ الأخرى. لهذا فإن معرفة الله مشروطة بخلق المجسد، أي صب الوجه الكلي الحضور للذات الإلهية داخل وجود مادي محسوس يخبر عنه. وبدون ذلك، ستظل الذات الإلهية تتمتع بوجود احتمالي باعتبارها محفلا يتملى ذاته خارج حدود التشخيص، وهو أمر ممكن في الاحتمال فقط ( فحسب منطوق الآيات القرآنية كان من الممكن أن يبقى آدم في السماء خارج أي تحديد زمني )، وفي هذه الحالة لن يكون هناك وجود إنساني على الأرض.

وبناء عليه، فإن الثنائيات لا يمكن أن تستمر دون ثالث يوحد السلسلة ويدخل القانون الذي سيحكم هذه العلاقة استقبالا. فالاكتفاء بواحد يضاف إلى ثان أمر غير ممكن، فما يغلق السلسلة هو ذاته ما يشكل عنصر الضرورة ( بورس )، والضرورة في هذا المجال هي ما يترتب عن فعل التلاقح بين حدي الزوج. فاستنادا إلى هذا التلاقح ستكتب قصة الإنسان كلها بدءا من فعل الغواية ذاته، مرورا بالصراع الدموي بين قابيل وهابيل وانتهاء بكل الحروب التي عرفتها البشرية. لذلك كان فعل الخلق القاضي بإسقاط كون جديد محكوما بضرورة العودة إلى الأصل، أي إلى الوحدة ليحكم على الحالات المنجزة ويحدد مضامينها.

وهذا ما هو مثبت في النص القرآني حيث الإشارة صريحة إلى دور إبليس في إغراء آدم وحواء على الاقتراب من الشجرة والتلذذ بفاكهتها خرقا لمحظور إلهي صريح : " ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين" (البقرة 35). وإذا كانت النصوص الدينية الأخرى وكذا الأسايطر المرتبطة بقصة خلق الكون تؤكد هذا التحريم كما هو وارد مثلا في الكتاب المقدس : " وأوصى الرب الإله آدم قائلا : " من جميع شجر الجنة تأكل أكلا، وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها، لأنك يوم تأكل منها موتا تموت " ( الأصحاح الثاني 17)، فإن الربط بين الخروج من الواحد والولوج إلى عالم الثنائيات يشتمل على إشارة صريحة إلى فعل الزمن حيث التقدم في الزمن لا يمكن أن يتم خارج فعل التناقض الناتج عن خرق لنظام ما. لذا تم الربط أحيانا بين معرفة الخير والشر وبين الموت، والموت تأكيد لوجود الزمن وتنبيه على وجوده، كما هو الشأن في الكتاب المقدس، وبين الخلود واللذة كما يتم التعبير عن ذلك بشكل ضمني في النص القرآني.

وإذا كان النص القرآني صريحا في تحديده لطبيعة الوسيط الذي قاد آدم وحواء إلى عصيان الأمر الإلهي : " فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه" ( البقرة 36)، " فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوءاتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين" (الأعراف 20)، فإن هذا الوسيط يتخذ أشكالا متعددة منها أن الذاكرة الشعبية تنسب هذا الفعل إلى حواء، وهو موقف يعبر عن ميز عنصري جنساني مقيت يحمل المرأة الخطيئة القديمة ليبرر الاضطهاد الحالي، وهو التصور الذي يغذي الفكرة القائلة بخلق حواء من ضلع من ضلوع آدم، وهي فكرة يشير إليها الكتاب المقدس صراحة وتتداولها الأحكام الاجتماعية باعتبارها حقيقة مطلقة. فبالإضافة إلى تأكيد الحادثة على الوجود اللاحق والعرضي للمرأة، وهو تأكيد لهامشيتها وسلبيتها، فإنها " تعد ضربا من جنسانية مضمرة ولاحقة، شكلت تاريخيا الإطار المرجعي لاضطهاد المرأة إلى جانب غيرها من الأطر الإيديولوجية ". ( 8)

وهناك من ينسب هذا الفعل إلى الأفعى، وهو أمر قد يكون مستوحى من الأساطير القديمة التي ربطت الأفعى بالمعرفة والحكمة، فعشتار، وهي أول الأشكال التعبدية التي عرفها الإنسان، تأخذ هيئة أفعى ربة للعلم والحكمة والمعرفة. وهكذا تكون عشتار ضمن هذا السياق، " قد فتحت، في هيئة الأفعى، عين آدم وحواء على المعرفة، فأعطتهما ثمار شجرة المعرفة القائمة في وسط الجنة ".(9)

وقد تكون الإحالة على الأفعى مستوحاة من الكتاب المقدس نفسه، وستعرف لاحقا طريقها إلى اللغة العربية وثقافتها حيث تشير بعض الأصحاحات إلى وجود الأفعى كثالث ضمن العلاقة الثنائية آدم وحواء : > وكانت الحية أحيل حيوانات البرية التي عملها الرب الإله (...) فقالت المرأة للحية من ثمر الجنة نأكل أما ثمر الشجرة التي في وسط الجنة فقال الله لا تأكلا منه ولا تمساه لألا تموتا، فقالت الحية للمرأة لن تموتا، بل الله عالم أنه يوم تأكلا منه تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر". ( الأصحاح الثالث)وفي جميع الحالات، فإن إحالات الأفعى الرمزية أكبر من أن نحيل عليها جميعها في هذا السياق. ورغم أن الاستعمال الاستعاري المتداول يجعل من الأفعى رديفا للموت والحيلة والخدعة والغواية والإغراء، فإن إحالاتها أعمق من ذلك بكثير. فلقد ارتبطت الأفعى أيضا بالمعرفة وحالات التطبيب واكتشاف أعشاب التداوي واستعمالها في علاج الأمراض، يشهد على ذلك الرمز الطبي الذي يوضع على واجهات الصيدليات وفي الوصفات الطبية. لقد كانت الأفعى هي الداء وهي الدواء، هي القاتل والمبرئ، فجسدها يحتوي على ما يشفي وما يقتل. (10) ولهذا يكون " الربط الرمزي بين الماء والجحر والأفعى والشجرة في طقوس الخصوبة له دلالة كبيرة ". (11) فالأفعى ذكر وأنثى. هي أنثى لأنها رمز للغواية والإغراء، وهي ذكر لأنها تحيل بشكلها على القضيب الذكري.

وسواء كانت الأفعى في سياقنا هذا إحالة رمزية على الزمن ذاته ( يصور الزمن أحيانا على شكل ثعبان له ثلاثة رؤوس) أو إحالة على إبليس، أو إحالة صريحة على الإغراء الأنثوي، فإنها، في جميع الحالات، تشير إلى التصور الذي تقدمه الذاكرة الشعبية عن طبيعة العلاقة الرابطة بين آدم وزوجه، أي بين الإنسان والمرأة.

وتعد، من زاوية ثانية، أول العناصر الدرامية التي ستعمل لاحقا على تعقيد الخطاطة السردية البسيطة التي يحتويها كل تقابل ثنائي : من النفي إلى الإثبات أو من الإثبات إلى النفي، وهي عمليات تشكل، داخل المنطق السردي، التباشير الأولى للفعل السردي المشخص الذي يشكل المراحل النهائية داخل مسار توليدي يأخذ نقطة انطلاقه من الثنائية السابقة بالذات. فالتقابل القار لا ينتج فعلا، إنه يكتفي بوصف القيم ضمن نسق لا يستقيم وجوده إلا من خلال حالات التحريك. والتحريك، بما هو فعل محول، يقتضي صب العلاقات داخل عمليات تتم داخل الزمان، فداخل الزمن فقط يتحدد مضمون هذه العلاقات.

وكما هو الحال مع كل الخطاطات السردية الكبرى التي تمثل للحكي في صوره الكونية، فإن الانفصال عن الوضع البدئي لا يتم إلا عبر الإخلال بنظام قيمي ما. فإنتاج قصة ما مرتبط بالانزياح عن الوضع "العادي" لكي يكون هناك شيء " جدير بأن يروى"، فالتتابع العادي لوقائع تتم داخل نفس النظام لا يمكن أن يؤدي إلى تفجير البداية وإدراج عناصرها داخل المنفصل الدال. وفي حالتنا تشكل " حادثة الشجرة "عنصرا هاما يشير إلى مجموعة من الدلالات الرمزية التي تفسر البناء القصصي في مجمله. فبالإمكان تناول هذه الشجرة من زوايا متعددة تقودنا جميعها إلى تحديد الطبيعة المقبلة للوضع الزمني الإنساني على الأرض. وسنحاول فيما سيأتي أن نشير إلى بعض هذه الدلالات وموقعها من الحكمة الخاصة بالخلق.

وستكون البداية من قرار المنع ذاته : لماذا منع آدم وزوجه من الاقتراب من الشجرة ؟ ولماذا لا تقول كل الآيات القرآنية في كل سياقات النص القرآني أي شيء عن هذه الشجرة وعن طبيعتها وثمارها ؟

1- بداية يمكن القول إن التحريم هنا، بعيدا عن التصور السردي، هو فعل طاعة. فالكون القيمي الذي تصاغ داخله حدود الحادثة يفترض هذه الطاعة ويتطلبها. فمن حق الخالق على المخلوق الطاعة والامتثال لأوامره. إلا أنه يشير، من نفس المنظور، إلى خضوع آدم لأول اختبار داخل ملكوت لا يعرف سوى الطاعة. وكما أشرنا سابقا، فإن خرق المحظور يشكل أيضا اللحظة التي سيدرك فيها آدم وجود شيء كالكذب والتحريم والإباحة.

2- إن المحظور جزء من البناء الاجتماعي، فتوزيع المضامين وتنظيمها يخضعان في بنيتهما الأصلية لتقابل دائم بين المباح والمحرم، ولأن النسق لا يستطيع أن يستوعب كل المظاهر الحياتية من خلال حدود بنائه الأصلي، فإنه يسقط حالات أخرى يحافظ من خلالها على قوته وتماسكه، وذلك عبر استيعاب كل المظاهر التي لا تخضع للتصنيف الثنائي الأصلي : حلال - حرام، ومن هنا جاءت فكرة المندوب والمكروه والمستحب الخ.

وعلى هذا الأساس لا يمكن تصور بناء كيان اجتماعي استنادا إلى ثنائية ثابتة تجمع بين حدين متقابلين : مباح - محرم. فما يصنع البناء الاجتماعي هوالتفاعل بين الحدين ضمن نظام اجتماعي يستمد تماسكه من إسقاط حالات لاتصنف بالضرورة في خانة التحريم أو الإباحة. وربما لهذا السبب " ارتبط المحظور بالوعي، وتم التعامل معه، في أحيان كثيرة باعتباره ضبطا ذاتيا، أي ما يطلق عليه في التحليل النفسي بالرقابة. فالمحظور ينمو ويتطور مع هذا الوعي، ليصبح طاعة لنظام خارجي استنادا إلى مبررات مستوحاة من الانتماء العفوي لقانون ما. فالرقابة لا تفرضها الإكراهات الاجتماعية ولا العادة ولا الخوف، إنها موجودة لأنها تحولت إلى قانون أخلاقي مثواه الوعي الفردي ".(12)

ويمكن أن يفسر تحريم الاقتراب من الشجرة، في جزء كبير منه، استنادا إلى هذه الفرضية. واستنادا إلىها أيضا يمكن الكشف عن الدلالات الخاصة بالتحريم. فالنص لا يقول أي شيء عن الضرر المحتمل الذي قد يسببه الاقتراب من الشجرة، ولا يقول أي شيء عن طبيعة هذه الشجرة التي لا يبدو أنها تختلف في شيء عن باقي الأشجار الأخرى، ومع ذلك فإن النهي كان قاطعا والجزاء قويا أقل آثاره درجة كان هو ميلاد الكون الأرضي.

3- ويمكن تدعيم هذه الفرضية بالتساؤل عن المضمون الوجودي لأية قيمة. فالإباحة وحدها، في استقلال عن إحالات ضمنية أو صريحة على ما ليس هي أمر لا يمكن تصوره، فالحد في ذاته لامتناه. وعليه، فإن الإباحة، بوصفها حدا معزولا، لا يمكن أن تحيل على شيء اسمه الإباحة، فهي دالة على مضمون مطلق ولا تقاس إلا بذاتها. لذلك يجب أن تتقابل مع شيء من طبيعة مغايرة لكي تمتلك مضمونا مميزا. ويتعلق الأمر في هذه الحالة بمقولة مضادة كالتحريم مثلا. فالتحريم هو المضمون السلبي للإباحة، وبه تتحدد في التصور والممارسة، أي لحظة تجسدها في حالات موصوفة في الفضاء وفي الزمان.

3- الشجرة وخرق المحظور

استنادا إلى هذه العناصر مجتمعة ستصبح الشجرة، بؤرة التحريم وشكله الأول، هي المنبع الأساس لكل المضامين الرمزية التي تفسر الانتقال من الخلود اللازمني إلى حالات الفناء الزمنية، وذلك من خلال موقعها التوسطي بين حالة الإباحة المطلقة وحالات التحريم المخصوص. إنها تشكل، من خلال موقعها داخل فضاء يوصف بالجنة ويحيل على النعيم والرغد، حالة فريدة يحيطها النص القرآني بحالة من الغموض الدلالي والهشاشة الوجودية.

وبناء عليه، فإن فهم دلالاتها في هذا السياق المخصوص يستدعي البحث في دلالاتها خارجه. فالشيء، شأنه في ذلك شأن الكلمة، يشتمل، في الآن نفسه، على نواة دلالية دائمة، هي أصله الثابت، ويشتمل على سياقات محتملة مرتبطة بالتحققات الخطابية المخصوصة، أي بالسياقات التي يوجد فيها هذا الشيء. وفي هذه الحالة، فإن النواة الأصلية لا تتقابل مع ممكنات التدليل اللاحقة، ولايمكن أن يؤدي حضور الثانية إلى قتل الأولى. إن النواة الدائمة، على العكس من ذلك، توفر الروابط الضرورية القائمة بين معنى ثابت، وبين حالات متحققة تتميز بتحولها الدائم .

فالشجرة كيان دال في سياقات بالغة التنوع، ولها موقع خاص في كل الثقافات، كما تشير إلى ذلك الحكايات الشعبية والأساطير والأمثال والطقوس الاجتماعية. فقد نُظر إليها دائما باعتبارها خزانا لرموز بالغة الغنى. ويكفي أن نشير في هذا المجال إلى أن ميرسيا إلياد يبوؤها مكانة خاصة في أغلب كتاباته، فهو يرى أن الشجرة كانت وماتزال بؤرة للعديد من الدلالات التي تحيل جميعها على " الشكل الحي للحياة".(13) فأولى دلالات الشجرة وأكثرها تداولا في الاستعمال العام هي دلالتها على الحياة والخصوبة. فهي من خلال شكل وجودها وتنوع ألوان أوراقها تشير إلى الانبعاث الدائم : تخضر الأوراق ثم تصفر وتسقط لتبرعم من جديد معلنة عن ميلاد فصل جديد. إنها من هذه الزاوية، تشكل الرمز الحي للتعاقب الزمني، أو هي الوعاء الذي نقيس من خلاله الكم الزمني المنقرض والكم الزمني الآتي.

وهي أيضا، من زاوية تكوينها الطبيعي، بؤرة للتلاقح الثلاثي للكون : بين ما ينتمي إلى الجوف وما ينتمي إلى السطح وما يحلق عاليا في الفضاء. " فهي جوفية من خلال جذورها، وسطحية من خلال جذعها، وسماوية من خلال أغصانها. فالزواحف الدودية تتغذى من جذورها، وتزقزق العصافير فوق أغصانها. وإلى هذا التلاقح استندت بعض التقاليد الاعتقادية من أجل الفصل بين عالمين من عوالم الآلهة : آلهة جهنم الموجودة في الجوف المظلم في قلب الأرض، وبين آلهة الجنة الموجودة في أعالي السماء". (14) وربما تكون طقوس الدفن، وما يترتب عنه من تحلل للجثة والتهام الدود لها هي ما يبرر هذا الفصل، فالروح التقية وحدها تذهب إلى السماء، أما الروح الشريرة فمثواها باطن الأرض المظلم.

ولقد نُظر إلى الشجرة أيضا، وفي كثير من الأحيان، باعتبارها رمزا للروابط المتينة القائمة بين السماء والأرض. فجذورها تمتد عميقا في الأرض وأغصانها سامقة إلى أعلى تناطح السماء. وهذا ما قد توحي به الآية القرآنية التالية : " ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمةً طيبةً كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ". ( ابراهيم - 2) وإلى هذا وذاك، فإن الشجرة هي رمز للكون كله، فهي " تشتمل على العناصر الأربعة المكونة للطبيعة : الماء في نسغها، والتراب يغطي جذورها، والهواء يغذي أوراقها والنار التي قد تنبعث من حك غصنين بعضهما ببعض. وتلك هي التقنية الأولى التي استعملها الإنسان لإثارة النار، وهي التقنية التي ستتحول لاحقا إلى رمز جنسي يشير إلى الاحتكاك بين ذكر وأنثي. (15)

وليس بعيدا عن هذه الدلالات ما نعثر عليه في بعض المناطق في المغرب أو ربما في الوطن العربي كله. فعادة ما نعثر في أماكن نائية بجانب ضريح ولي صالح على شجرة وقد علقت عليها قطع من القماش النسائي. فهناك اعتقاد أن هناك بعض الأشجارالمباركة التي تشفي من العقم وتهب الإناث والذكور.

وعلى هذا الأساس، يمكن القول إن كل الدلالات التي أشرنا إليها ترتبط بنواة مضمونية واحدة تتعلق بكل ما يحيل على الخصوبة في مفهوميها الطبيعي والبيولوجي / الجنسي. ولقد ربط الكثيرون شجرة الحياة باللحظات الأولى لانبثاق الطبيعة الجنسية للكائن البشري. فكل ما في الشجرة يحيل على عطاء فوار يشير إلى التلاقح والتجدد، من حيث التركيبة الطبيعية : ( الأغصان والأوراق والجذور الممتدة في الأرض )، ومن حيث المنتوج، فهي فاكهة متنوعة، ومن حيث التكوين الهيكلي، فهي تحيل من خلال ذروتها على القضيب الذكري، وتحيل من خلال جذوعها على الحوض الأنثوي. وتحتوي هذه العناصر كلها على ما يحيل على الزمن باعتباره وحدات تقاس من خلال العدد أو الزوج أو الحركة أو التحول. فوجود الشجرة ذاته، في هذا السياق المخصوص، هو إحالة ضمنية (رمزية) على زمنية مرتقبة، أو على زمنية متضمنة في العنصر الطبيعي الذي تحيل عليه الشجرة.

ولا يمكن لمعطيات السياق المخصوص أن تؤول خارج هذه الدلالات. فكل سيرورة تأويلية يتم انتقاؤها تستمد أصولها من الترابط القائم بين الوحدات التي تشكل الموسوعة التأويلية بكل سياقاتها الممكنة. ولا يمكن لسياقنا أن يخرج عن هذه القاعدة. فالتركيبة الدلالية الجديدة للشجرة هي جزء من هذه الموسوعة ولا يمكن أن تفهم إلا داخلها.

فالقرار القاضي بمد آدم بكل ما يريد من المعرفة والخيرات ومنعه فقط من الاقتراب من الشجرة هو قرار يتضمن حكمة ما، أو هو كذلك في حدود ارتباطه بغاية ما، قد لا تسمح لنا معرفتنا الإنسانية إدراك كنهها. إلا أننا مع ذلك سنحاول، استنادا إلى معرفتنا الأرضية، البحث عن معادلات رمزية لهذا الترابط بين المنع واللذة والخروج من الجنة. فالثابت أن المتعة في صورها المتعددة غالبا ما تتحقق، في ثقافات كثيرة، خارج القوانين والمؤسسات، بل هي كذلك في حدود خرقها لمحظور أو تجاوزها لسياق سلوكي ما.

ولهذا السبب لا يمكن أن نفصل الشجرة عن التذوق والخطيئة واكتشاف الأعضاء الجنسية والخروج من الجنة والهبوط إلى الأرض من أجل تدشين البدايات الأولى لعالم زمني. فهذا السياق يدرجها ضمن وضع خاص، فهي الشيء الوحيد المذكور صراحة، وهي الشيء الوحيد المنهى عنه، إنها بذلك تعد تجسيدا لأولى حالات الخرق والخروج عن الطاعة. وهو فعل جديد سيعيد تنظيم الأشياء والحالات وفق نمط جديد من القيم وضمن وعاء زمني يستقبله فضاء جديد هو الأرض.

وبما أن الشجرة هي رمز لمحظور غامض، فإن فعل الاقتراب لا يقل غموضا وهو خرق سيغير طبيعة آدم وحواء، فسيكتشفان أعضاءهما التناسلية، أي جسديهما، وهو أمر بالغ الدلالة أيضا كما سنرى ذلك.

فالربط بين المنع من الاقتراب من الشجرة وبين اكتشاف الجسد يدرج الشجرة ضمن سجل دلالي رمزي يحيل على البداية الزمنية الأولى المرتبطة أصلا بالمتعة، والمتعة حالة من حالات الفناء، ف"الذوبان في الآخر" ، أو "الموت حبا فيه" ، أو "عشقه حد الموت "، أو الاسترخاء لحظة الانتشاء بالجسد في حالة من أكثر حالات عطائه خصوبة، كلها إشارات إلى كم زمني معدود من خلال فعل التلذذ ذاته.

وفي هذا الإطار يمكن تسجيل أن النص لا يعلن صراحة منع الأكل أو التذوق، ولا يصرح بطبيعة ما سيؤكل، إنه يكتفي فقط بالحديث عن منع مطلق " لا تقربا هذه الشجرة". وهو منع لا مبرر له في ذاته سوى إذا كان درءا لخطر ما أو منعا لوقوع شر ما، وهذا ما تفسره المعطيات السابقة، فالإباحة مرتبطة بالنعيم والرغد، والمنع مرتبط بالتذوق واللذة وانكشاف السوءتين. وفي الحالتين معا، فإن الشجرة تتحول إلى رمز صريح لكل ما يشير إلى الجنس والتلاقح والخروج من حالة اللاجنسي إلى الجنس معبرا عنه من خلال بروز السوءتين.

ولهذا فإننا نستبعد أن يكون الاقتراب تنقلا في الفضاء، ونستبعد أن يكون الأكل أكلا فعليا، إنه يحيل هنا على التمتع والانتشاء بالنفس والتلذذ بالجسد، واللذة لا تكون إلا إذا كانت اشتهاء للآخر. والشجرة في هذا السياق إحالة على لحظة انبثاق الحالة الجنسية : " فبدت لهما سوءاتهما"، أي اكتشاف الجسد ومفاتنه وشهواته. والشجرة كما رأينا في السياقات السابقة ملأى بالإحالات الجنسية. وهذا ما يشير إلىه النص أيضا حين يؤكد : " فلما ذاقا الشجرة "، ليتحول الأمر كله إلى صيغة رمزية تشير إلى عدم التفكير في اللذة، فالاقتراب من اللذة حيدان عن صيغ المطلق الحياتي الذي يصفه الكون اللازمني.

ورغم أن النص يستعمل في مكان آخر كلمة " أكلا" ( "فأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما" س طه آية 121)، فإن ما سنحتفظ به هنا هو التذوق وليس الأكل، ذلك أن التذوق أكل بالضرورة، في حين لا يتضمن الأكل متعة التذوق بالضرورة. هذا بالإضافة إلى أن سياق النص السابق يشير إلى عمومية الأكل، وقد ورد في السياق الذي يلي عملية خلق آدم عندما خاطبه الله : " وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين" ( البقرة ).

وعلى هذا الأساس، فإن التلذذ إحالة على متعة ممنوعة. ولأنها كذلك لا يمكن أن تكون مرتبطة بالبعد النفعي الذي لا يلبي سوى الحاجات الأولية داخل الوجود الإنساني، فحالات النشوة والتلذذ والمتعة هي خارج حدود المشترك والعام والمألوف، إنها استثارة لقوة أخرى تخرج الإنسان من طور وتقذف به داخل طور آخر. وهذا ما تؤكده النصوص المحيطة كلها، فهي تؤكد أن الأمر يتعلق بتذوق فاكهة، والفاكهة لا تؤكل.

وستكتمل الدورة الرمزية ببروز الأعضاء التناسلية. فالربط بين التذوق والجنس ربط رمزي أيضا. فما علاقة تجلي الأعضاء التناسلية بتناول فاكهة إن لم يكن الأمر خاصا بإحالة على لذة ما ؟ وإذا لم يكن الأمر كذلك، فماذا كان لباس آدم وحواء قبل أن يقربا الشجرة ؟ بطبيعة الحال لا يمكن أن نتوقع جوابا عن قضية هي أصلا صياغة رمزية المراد منها التعبير عن حالات إنسانية مخصوصة. وهذا ما تؤكده النصوص الشارحة. فقد سارعت إلى ملء البياض النصي وتصورت حالة يمكن أن يكون فيها اللباس نورا. فالطبري يرى : " أن لباس آدم وحواء كان نورا على فروجهما لايرى هذا عورة هذه، ولا هذه عورة هذا، فلما أصابا الخطيئة بدت لهما سوآتهما". (16). والنور هنا، وفي كل السياقات أيضا، يحيل على الطهارة والصفاء والأصل الأول، ولهذا لا يمكن أن ننظر إليه باعتباره لباسا فعليا. إن المتعة، على هذا الأساس، تعد نقيضا للخلود، فللخلود ثمن باهظ، فأن تدخل ضمن الخالدين معناه أن تتخلى عن المتعة وملكوتها، وهذا ما يشير إليه النص على لسان إبليس : " وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين " ( الأعراف آية 20)، " فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى" ( طه 160). ولأن إغراء اللذة أقوى، تخلى آدم عن حلم الخلود مكتفيا بلذة آنية تكفيه شر انتظار جزاء بلا لذة. فالممنوح والمشاع والمشترك والمتاح بدون قيد ولا تفاضل ولا منافسة لا يمكن أن يكون حاملا للذة.

والخلاصة أن الزمنية ابثقت عن اكتشاف المتعة وكانت هي وجه الأول، فالمتعة الجنسية هي خروج عن الثابت والمألوف والنفعي لولوج عالم الزمن الذي يعطي وحده للمتعة بعدها باعتبارها حالاتٍ انفعاليةً تتعاقب وتدرك في اختلافها داخل هذا التعاقب. لقد انتصر آدم وحواء للذة وانتقلا بذلك " من عالم يعيشان فيه شبحين بلا ظل، إلى عالم الطبيعة الحافل بأفراح الجسد وجيشان الروح التي لا تدرك ماهيتها إلا بولادتها في الجسد، تماما كعين كانت مفتوحة على الفراغ اللانهائي ثم وضع أمامها قوس قزح ". (17)

ويمكن أن ننظر إلى الواقعة من زاوية أخرى. فالمنع قد يكون صيغة من صيغ البناء الحكائي ذاته. وبعبارة أخرى، لا يُراد من المنع سوى رصد إمكانات الخرق في قصة تُروى أحداثها استنادا إلى فعل المنع ذاته. فالنص مبني كما تبنى الكثير من الأساطير والحكايات الشعبية ( أو يكون الأمر على العكس من ذلك، إن الحكايات هي التي استمدت هذه الثيمة السردية من النصوص الدينية التي تحيل على حالة التحريم الأولى وخرقها ). وكثير من الأساطير التي تروي قصة الخلق تشير إلى أن الكون ارتبط في نشأته الزمنية الأولى بارتكاب كائن ما خطيئة ما. وهي الثيمة التي سيعبر عنها الفكر السكولائي المسيحي بـ " الخطيئة الأصلية". فما كان للعالم الأرضي، أي الزمني، أن يوجد لولا ارتكاب خطيئة كان ثمنها وجودنا الأرضي.

وعلى هذا الأساس لا يمكن تصور عالم زمني ( عالم تروى أحداثه) خارج فعل الإساءة هذا. ولعل أشهر تلك الأساطير هي تلك التي يوردها هزيود في معرض حديثه عن تكون العالم الأرضي. فهو يرى أن " الرجال عاشوا في البداية في نعيم من دون عمل ولا نصيب، ولكن سرقة بروميثيوس للنار من السماء وخلق بندورا ( المرأة الأولى) جلبا الشقاء والمسؤولية للعالم". (18) وهذه الإساءة هي السبب في تحول العالم من النعيم الخالد اللازمني إلى التعاسة الزمنية.

وتلك هي الأسس الأولى لكل بناء حكائي. فالكثير من التصورات السردية ترى في خرق المتصل، ومحاولة تجاوز المعطى القيمي السائد منطلقا لكل تمثيل سردي، فهو السند الذي يجعل من رواية حدث أمرا مقبولا، ذلك أن " الحدث هو دائما خرق لمحظور ما " (19)، والحدث هو انزياح عن السيرالعادي والهادئ للأحداث، وإسقاط ما لا يستقيم داخل هذا السير.

ولقد عوضت الحكاية الشعبية فكرة الخطيئة الأصلية بفعل الإساءة، والإساءة هي وظيفة أساسية في البنية العامة للحكاية. فمصدر القصة لا يوجد في حالة بدئية محكومة بالانسجام، بل يجب البحث عنها، كما رأينا ذلك سابقا، في العنصر الذي يخل بـ " حالة النظام " ويسرب داخلها عنصر التوتر واللااستقرار. فالكثير من النصوص الحكائية تستند، من أجل تسريب الدفق الزمني، إلى إقامة محظور لا يتردد البطل أو الضحية في خرقه. وهو ما يطلق عليه بروب بالمحظور وخرقه، ويعين " المحظور " و" الخرق" بالتتابع الوظيفة الثانية والثالثة داخل النظام الوظيفي الذي يميز بنية الحكاية العجيبة.(20) فمنطلق الحكاية وظهورالبطل وخروجه من فضاء الاستهلال، بحثا عن "الأميرة " أو "ابنة عمه"، أو بحثا عن "دواء للملك "يعود إلى فعل الخرق هذا. " فإذا كان البطل يتطابق مع محيطه أو لا يمتلك القدرة على التخلص منه، فإن تطور الحكاية سيكون مستحيلا". (21) وحالة آدم واضحة في هذا المجال، فالتزامه بالأمر الإلهي معناه غياب تشكل القصة وانتشار أحداثها، وهو ما لم يحدث وما كان له أن يحدث، فلحظة تصورنا للمنع نسقط بالضمن حالة الخرق المرافقة لوجوده.

ومن هذه الزاوية، قد يكون المنع والخرق الذي يليه مرتبطين بوظيفة قصصية، تؤدي إلى انبثاق الحدث والإعلان عن بداية قصة، فلو لم يخرق آدم الحظر ويأكل من ثمار الشجرة، بإيعاز من إبليس، لما كانت هناك قصة الإنسان على الأرض.

وعلى هذا الأساس، يمكن القول إن قصة الخلق تُبنى على شاكلة نص تتحدد بنيته الكبرى استنادا إلى وجود مسار توليدي يقود من أشد المستويات تجريدية حيث تنتظم القيم في صيغ مطلقة المضمون والوجود، إلى أكثر المستويات محسوسية حيث نكف عن التفكير في الحياة من خلال حدود قيمية لكي نفكر فيها من خلال حدود زمنية حيث المقامات هي المسؤولة عن إنتاج الدلالة وتداولها، وهذا ما أشرنا إليه في الجزءالأول من هذا المقال، حين اعتبرنا تكسير المتصل شرطا لكل معنى، واعتبرنا المدى المحسوس بين الأفعال مقياسا لكل زمن.

ولذلك فإن هذه الخطاطة، لن تنتهي إلى إرساء دعائم وضع محايد يلغي كل المتناقضات التي تعد أساس نمو القصة وانتشارها، إن السلسلة القصصية دالة من خلال حديها : إنها دالة في المنطلق من حيث كونها تشير إلى إسقاط ثنائية : الخلود (م) الفناء ( السماء - الأرض) وإمكان الوقوف عند الحد الأول يجيزه منطق الكون السماوى اللازمني. وهي دالة في النهاية من حيث كونها تسقط ثنائية جديدة : الجنة (م) جهنم والنظر إليها باعتبارها تعبيرا عن تقابل قيمي يتجسد في ثنائيات المقبول والمرفوض : الخير /الشر/، الصدق / الكذب، الأمانة /الخيانة ...الخ ).

إن التقابل الثنائي الأصلي : أرض /سماء، فناء /خلود، يستوعب داخل ثنائية أعمق وأشمل، لأنها تمتلك القدرة على إدراج النقيض داخل اللازمن، وهو الأمر الذي لم يكن متصورا في الحالة الأولى. وعملية الاستيعاب هاته هي التي تعطي للحياة معنى وتجعلها مرتبطة يغاية تتجاوز خصوصيات الفرد الواحد لكي تشير إلى الخلاص الأبدي.

وهكذا فإن خلق آدم هو إحالة على كائن يريده الله أن يكون خليفة له، إلا أنه يرمز في ذات الوقت إلى الوجود الإنساني الزمني، ومن ثم فإن ربط الخطيئة، من حيث هي سلسلة من السلوكات المترابطة، بإبليس هو إحالة على رمزية ثانية مرتبطة بما يعبر عنه النص القرآني، في أماكن أخرى، بالنفس الأمارة بالسوء.

فكما رأينا في الفقرات السابقة، فإن الحد المعزول لا متناه، وليس بمقدوره، نتيجة لذلك، إنتاج دلالات، فقدرته على القيام بذلك رهينة بارتباطه بما ليس هو. ولهذا السبب فإن النظر إلى آدم باعتباره كائنا أصليا لخير أصلي أمر غير ممكن إلا في حدود خلق شيء آخر ليس خيرا، أي شر مطلق، وهو ما تمثله صورة إبليس. وهذا معناه أن الشر، داخل سجل رمزي مألوف لدينا، ليس مصدره شيئا آخر غير الذات الإنسانية نفسها، إنه البداية الحقيقية للحياة، إنه انشطارالذات إلى صورة ونقيضها كشرط ضروري لوجود توازن يعد الصورة الحقيقية التي تميزالكائن الأرضي. فكما انشطر آدم إلى ذكر وأنثى، فاشتقت منه حواء، أصبح حاضنا للسالب والموجب باعتبارهما القوة الدافعة لكل سلوك إنساني يتحدد بالضرورة من خلال المتناقضات.

وعلى هذا الأساس يمكن القول إن التطور داخل النص انعكاسي ومنكفئ على نفسه، لأنه يتم داخل زمن " منته"، فالزمن مؤقت ومحكوم بغائية، إنه كذلك لأنه يشير إلى القيم من خلال نسبيتها أي من خلال مضامينها السلبية، فهي موجودة في حدود تقابلها مع بعضها البعض في حين أن العالم الآخر أي العودة إلى نقطة البدء إن كانت ستغير من الوضع الأصلي، فإنها مع ذلك ستفصل بين عالمين، ما ينتمي إلى الجنة كخير مطلق وما ينتمي إلى النار كشر مطلق.

إن فكرة " النهائية " هي التي تفسر وجود بعض النصوص المحيطة ومنها أحاديث تنسب إلى الرسول (ص) ترى في خلق الكون كله ذريعة من أجل خلق دار الإسلام. فمن جهة لم يُخلق آدم إلا من أجل خلق الرسول محمد (ص). فقد نسب إلى عمر بن الخطاب أنه قال إن الرسول (ص) قال : " لما اقترف آدم الخطيئة، قال يا رب ... أسألك بحق محمد إلا غفرت لي " فقال الله : كيف عرفت محمدا ولم أخلقه بعد ؟ فقال يا رب لأنك لما خلقتني بيدك، ونفخت في من روحك، رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا : لا إله إلا الله، محمد رسول الله. فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك. فقال صدقت يا آدم إنه أحب الخلق إلي، وإذ سألتني بحقه فقد غفرت لك، ولولا محمد ما خلقتك". (22)

ومن جهة ثانية فإن الزمن، من نفس المنظور "سيتنهي ويضمحل" ، أي سيصل إلى أرقى أشكاله مع ظهور الإسلام باعتباره النقطة التي سينتهي عندها التاريخ بمفهومه القيمي. إنه الخلاصة المثلى لكل التبدلات القيمية التي عرفتها البشرية منذ خلق آدم إلى الآن. وفي هذا السياق يذكر أن أبا هريرة قال، قال الرسول : " خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، وفيه تقوم الساعة ". (23) فيوم الجمعة دال على الإسلام، والإسلام في البدء وفي النهاية هو الحاضن للقيم المثلى التي ستستقر عليها البشرية بعد سلسلة من التبدلات. إن الأمر شبيه بفكرة نهاية التاريخ. فالتاريخ لا ينتهي كزمن معدود بل ينتهي ككم قيمي يحكمه التقابل ليصبح حالة تحيل على انسجام كلي ولا يمكن أن تستوعب ما يوجد خارجها لأن الذي لا يستقيم داخل هذه الحالة مقصي لأنه حالة خارجة على إرادة مثلى هي إرادة الله.

هوامش

1- عبد الرحمن بدوي : الزمن الوجودي، دارالثقافة، بيروت، لبنان ،1973، ص 73 - 74

2- حسام الألوسي : الزمن في الفكر الديني والفلسفي القديم، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1980، ص 42

3- نفسه ص 43

4- ذكره عزت الأمير : صدمة العري، رؤية جديدة لعلاقة الإنسان بالكون ،ص 16. و أوتو رانك ( 1884 - 1939) محلل نفساني من تلاميذ فرويد. استخدم مفاهيم التلحيل النفسي لتفسير الأساطير، وله كتاب شهير اسمه : le traumatisme de la naissance ( صدمة الولادة )

5- Paul Ricoeur : Temps et récit , 3 le temps raconté , éd Seuil, n985, p 435

6- نفسه ص 435

7- A J Greimas , Du Sens II , ed Seuil, 1983, pp 46 - 47

8- تركي علي الربيعو : العنف والمقدس والجنس في الميتولوجيا الإسلامية ، المركز الثقافي العربي ،، بيروت - الدار البيضاء، 1994، ص 81

9- فراس السواح : لغز عشتار ، دارعلاءالدين، الطبعة السابعة 2000، ص 247

10- انظر لغز عشتار ، مرجع مذكور ص151 - 152 - 153 - 154 - 155

11- Jean Chevalier, Alain Gheerbrant : Dictionnaires des symboles , arbre

12- نفسه interdit

13- Mircea Eliade : Traité d'histoire des religions,pp 230- 231

14-Jean Chevalier, Alain Gheerbrant : Dictionnaires des symboles , arbre

15- انظر : فراس السواح. "لغز عشتار، الألوهة المؤنثة "، دارعلاء الدين، ط 7. 1985، ص 105 وما بعدها

16- محمد علي الصابوني : صفوة التفاسير، ص 408

17- "لغز عشتار، الألوهة المؤنثة " ص 247

18- ذكره حسام الألوسي : الزمن في الفكر الديني والفلسفي القديم، ص 44

19 - Iouri Lotman : La structure du texte artistique , éd Gallimard, p 330

20- Vladimir Propp : Morphologie du conte , éd Seuil, 1970, p 37

21- Iouri Lotman : La structure du texte artistique , éd Gallimard, p 335

22- اسماعيل بن كثير القرشي : قصص الانبياء، تحقيق عبد الحي الفرماوي، مؤسسة النور للنشر والتوزيع، ط 5، ص 39

23- نفسه، ص 37

النصوص القرآنية المعتمدة في التحليل

- وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة، قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك، قال إني أعلم ما لاتعلمون (30) وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين (31) قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم(32) قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم، فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون(33) وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين(34) وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين (35) فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين (36) فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم (37) قلنا اهبطوا منها جميعا فإما ياتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون(38) ( سورة البقرة)

- وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون (28) فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين (29)، فسجد الملائكة كلهم أجمعون(30) إلا إبليس أبى أن يكون من الساجدين(31) قال يا إبليس مالك ألا تكون مع الساجدين (32) قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون(33)، قال فاخرج منها فإنك رجيم (34) وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين (35) قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون(36) قال فإنك من المنظرين (37) إلى يوم الوقت المعلوم (38) قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين (39) إلا عبادك منهم المخلصين (40) قال هذا صراط على مستقيم (41) إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين(42)، وإن جهنم لموعدهم أجمعين(43) ( سورة الحجر)

- إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين (71) فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين، (72) فسجد الملائكة كلهم أجمعون (73) إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين (74) قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين (75) قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين (76) قال فاخرج منها فإنك رجيم(77) وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين (78) قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون(79) قال فإنك من المنظرين (80) إلى يوم الوقت المعلوم (81) قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين (82) إلا عبادك منهم المخلصين (83) قال فالحقَ والحقَ أقول (84) لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين(85) ( سورة ص )

- ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين (11)، قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين(12) قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين(13) قال فانظرني إلى يوم يبعثون (14)قال إنك من المنظرين (15) قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم (16) ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين (17) قال اخرج منها مذءوما مدحورا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين (18)، ويا آدم اسكن انت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين (19)، فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوءاتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين (20) وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين (21)، فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما وطفِقا يخصفان عليها من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين(22) قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين (23) قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين (24). سورة الأعراف)

- وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا (61) قال أرأيتك هذا الذي كرمت على لإن أخرتني إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا (62) قال إذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاءً موفورا(63) واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجْلبْ عليهم بخيلك ورَجْلِك وشاركهم في الأموال والأولاد وعِدْهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا(64) إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا (65) (الإسراء)

- وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى (116) فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك وزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى (117) إن لك ألا تجوع فيها ولاتعرى (118) وإنك لا تظمؤ فيها ولا تضحى (119) فوسوس إليه الشيطن قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى (120) فأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما وطفِقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه فغوى(121) ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى (122) قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى(123) ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى(124) قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا (125) قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى(126) وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى. (127) سورة طه )

 
 
 
معجم السيميائيـات متابعـات نقديــة ترجمــــات

دراســــات

 مؤلفــات بطاقـة تعريـف الصفحة الرئيسيـة
للاتصـــال  مواقـــع  خزانات الموقـع  صحف ومجـلات رسائل وأطروحـات وحدة تحليل الخطاب مجلـة عــلامات

موقع سعيد بنگراد - تاريخ الإنشاء: نونبر 2003