معجم السيميائيـات متابعـات نقديــة ترجمــــات

دراســــات

مؤلفــات بطاقة تعريــف الصفحة الرئيسيـة
للاتصـــال  مواقـــع  خزانات الموقـع  صحف ومجـلات رسائل وأطروحـات وحدة تحليل الخطاب مجلـة عــلامات

 

    فوزي بوخريص

في الحاجة إلى السيميائيات

                         قراءة في كتاب: "السيميائيات: مفاهيمها وتطبيقاتها"(*)

 

 

 

1- في الحاجة إلى السيميائيات:

 

عن منشورات الزمن( سلسلة شرفات ) صدر للباحث سعيد بنكراد، المتخصص في مجال السيميائيات، كتاب جديد بعنوان: " السيميائيات: مفاهيمها وتطبيقاتها". إن أهمية هذا الكتاب نابعة من حاجة القارئ العربي اليوم(المتخصص و غير المتخصص ) إلى التعرف على المعرفة السيميائية في تاريخيتها، وتلقي أهم الإسهامات العلمية في هذا المجال، و بلغة الضاد، وذلك بفضل المجهود الاستثنائي الذي بدله الباحث في الترجمة، لا سيما وان أغلب ما أنتج في هذا الحقل العلمي هو باللغات الأجنبية.  ويزاوج الكتاب في مشروعه هذا، بين العرض النظري لأهم مفاهيم ومبادئ علم اللسانيات كما ظهرت مع مؤسسيها( فردناند دو سوسير و تشارلز بورس) وكما تطورت عبر التاريخ، والدراسة التطبيقية التي تراهن على استثمار النظرية في فهم الوقائع والانتاجات الرمزية الإنسانية.

.وإذا كانت اغلب الدراسات النقدية تحيد في الكثير من الأحيان، عن استراتيجيتها الأساسية المتمثلة في إنتاج معرفة حول الموضوع المدروس، وتتحول إلى تطبيقات صورية، والى نوع من تحصيل الحاصل، كما لو أن هاجسها هو إثبات صحة النظرية التي تنطلق منها وليس استثمار هذه الأخيرة في فهم الموضوع المدروس، مما يحولها إلى نوع  من "العبث التقنوقراطي"ص12. فان كتاب الأستاذ سعيد بنكراد، ينطلق من هاجس بيداغوجي، حيث يراهن على استدراج القارئ غير المتخصص إلى شرك السيميائيات، وذلك بإعطائه أمثلة ملموسة.للتخفيف من عنف اللغة النظرية التجريدية، التي تقتضيها خصوصية الموضوع. وذلك  من خلال المراوحة بين المفاهيم النظرية الغارقة في التجريد و الأمثلة الواقعية المنغمسة في المشخص والمحسوس في نوع من الجدل الصاعد والنازل، كما هو الحال في كل المشاريع الفكرية الرصينة.

 

 

2- السيميائيات وسؤال الهوية

 

إن ما يحدد استقلال علم من العلوم، من الناحية الابستمولوجية،  هو توفره على موضوع محدد ومنهج ملائم.وهكذا تتحدد السيميائيات باعتبارها علما يبحث في المعنى، وفي السيرورة التي تنتج وفقها الدلالات،وفي أنماط وجودها(ص8). فالسيميائيات في معناها الأكثر بداهة ليست شيئا آخر سوى تساؤلات حول المعنى.

و  بذلك يمكن القول أن السيميائيات تصادر على أن"النصوص، كل النصوص كيفما كانت مواد تعبيرها، يجب النظر إليها باعتبارها إجراء دلاليا"وخزانا من الاحتمالات الدلالية وليس تجميعا اعتباطيا للعلامات.(ص7).ومعنى ذلك أن موضوع السيميائيات غير محدد في مجال بعينه، فهي تهتم بكل مجالات الفعل الإنساني،  إنها كما يقول بنكراد" دراسة للسلوك الإنساني باعتباره حالة ثقافية منتجة للمعاني."(ص164) وهذا يجعلها تحيل على حقول معرفية أخرى.لكن رغم ذلك"استطاعت السيميائيات آن تحقق استقلالها المعرفي من خلال خلق موضوع للدرس ، وبتحديد أساليب في التصور والتحليل(ص9)، ومن خلال تبني واستثمار ما يوفره النموذج اللساني من أدوات ومفاهيم وأساليب في التحليل والرؤية"(ص76)

ومن الناحية الإجرائية ، تظل انسب طريقة لتناول تاريخ السيميائيات في نظر بنكراد هي : بالمراوحة بين لحظة التأسيس والتصورات التي استندت عليها والمآل الذي آلت إليه من خلال تحديد موضوعاتها المتنوعة، لا سيما أمام  تشعب المسارات التي عرفتها السيميائيات بعد بورس-سوسير.

فكما يرى كاسيرر فان أهم ما يميز الكائن البشري هو أنه "كائن رامز"، لأنه بفضل الرمز يحصن الإنسان نفسه من الضياع والتيه وسط غزارة وغنى الواقع الموضوعي ف"ليست الدلالة وطرق إنتاجها وسبل تداولها سوى حصيلة حركة "ترميزية" قادت الإنسان إلى التخلص من عبء الأشياء والتجارب والزمان والفضاء"ص64.ويتجاوز العالم الرمزي الذي أبدعه الإنسان مجال اللغة ليشمل وقائع رمزية أخرى(الأسطورة- الأدب- الصورة...). لكن من الناحية الابستمولوجية، يمكن القول أن المبدأ العام الذي يحكم تناول الوقائع غير اللسانية هو "دراسة هذه الوقائع كما لو أنها وقائع لسانية" .

 

3- زمن التأسيس:

 

 إن حضور السيميولوجيا في لسانيات سوسير هو حضور بالقوة، حضور سيأخذ صيغته الفعلية فيما بعد، بعد تأسيس علم اللسانيات وبفضل هذا التأسيس نفسه(ص43).فرغم أن سوسير لم يتعرض في مشروعه الفكري للسيميولوجيا" إلا بشكل عرضي وبصيغة مستقبلية "، إلا انه بفضل حسه الثاقب، أدرك أن اللسان أو النموذج اللساني باعتباره أرقى ما أنتجته التجربة التواصلية عند الإنسان، يشكل مرجعا لدراسة باقي الأنساق التواصلية الأخرى. وهو بذلك يعد بحق الأب المؤسس لهذا العلم إلى جانب بورس.حتى أن ما قام به سوسير على مستوى حقل اللسانيات والسيميولوجيا، سيتردد صداه في حقول علمية أخرى، في الانثروبولوجيا مع ستراوس وفي التحليل النفسي مع جاك لاكان....

وحتى بعد سوسير لم تستطع السيميولوجيا الانفلات من أسر وتأثير اللسانيات، إذ يظل اللسان متمتعا بأهمية استراتيجية بالنسبة للإنسان، لإدراك العالم المادي الذي هو جزء منه، وللتفاعل مع العوالم الرمزية والافتراضية التي أبدعها، والتي يشكل اللسان جزء لا يتجزأ منها. 

أما فيما يخص سيميائيات بورس، فقد ابرز الباحث خصوصيتها ذات المنحى الفلسفي، حيث لا تنفصل السيميائيات عند بورس عن المنطق والفينومينولوجيا...ولا تتجسد هذه الخصوصية على مستوى الرؤية والتصور فقط، بل هي تتبلور بشكل جلي على مستوى الجهاز المفاهيمي الذي أبدعه بورس، خاصة   مفهومه للعلامة، في ارتباطه بمفاهيم الماثول، الموضوع، و المؤول...

وما يميز قراءة الأستاذ بنكراد لتاريخ السيميائيات هو أنها تتسلح بوعي نقدي، وتضع مسافة عقلية بينها وبين موضوعها، تؤهلها للتحرر من أسر وتأثير ما تدرسه.وفي هذا الإطار يرى  بنكراد أن بعض ما جاء به بورس لم يعد ينسجم والتطورات التي شهدها علم السيميائيات اليوم، إذ أضحت  تصنيفات بورس المتعددة للعلامات(الأصلية والفرعية)، على سبيل المثال متجاوزة وبلا قيمة علمية(ص72)، بينما يظل تصور بورس الدينامي للتأويل (ورؤيته الخاصة للسيميائيات كنظرية تأويلية)، أهم ما جاءت به نظرية بورس السيميائية (ص72)، إذ ما زال  يكتسي أهمية خاصة داخل حقل السيميائيات، وما زال  مؤثرا في حقول معرفية أخرى..

4- السيميائيات: من الوجود بالقوة إلى الوجود بالفعل

 

يستهل الباحث دراساته التطبيقية بتناول سيميولوجيا الأنساق البصرية، من خلال نموذج الصورة. ويستهدف بذلك عرض إواليات إدراك الصورة، والعلامة الأيقونية بشكل عام.

وكما هو معلوم، فان البحث عن هوية قاد السيميائيات إلى تبني أدوات ومفاهيم وأساليب التحليل والرؤية التي يوفرها النموذج اللساني.ويتأسس هذا الاختيار على افتراض أن الوقائع غير اللسانية شبيهة من حيث الجوهر التواصلي ومن حيث البعد التدليلي بالوقائع اللسانية (ص 76)،أي أن القوانين التي تتحكم في اشتغال الأنساق الأخرى مبنية وفق قوانين اللسان.وكما أكد دو سوسير ف "موضوع السيميولوجيا يتكون من مجموع الأنساق ذات الطبيعة الاعتباطية".ولو أن الوقائع غير اللسانية ليست دائما بالبساطة التي يتميز بها اللسان (ص77).

وبالنسبة للوقائع البصرية ، فهي في تنوعها وغناها تشكل "لغة مسننة "، أودعها الاستعمال الإنساني قيما للدلالة والتواصل والتمثيل.فالدلالات التي يمكن الكشف عنها داخل هذه الوقائع/العلامات هي دلالات وليدة تسنين ثقافي وليست جواهر مضمونية موحى بها.(ص79). والتسنين الذي يحكم العلامات الأيقونية هو نفس التسنين الذي يحكم التجربة الإنسانية ككل ص80.

إن قراءة الواقعة البصرية (الصورة في حالتنا) وفهمها يستدعيان سننا ثقافيا سابقا يتم عبره التأويل والتدليل ص82  وبشكل عام "فان كل شيء يمكن أن يشتغل كعلامة شريطة استخلاص دلالة تعود إلى ثقافة المتلقي وتعود إلى السياق الذي استعملت فيه هذه العلامة أو تلك" ص87.

إن اللغة البصرية هي لغة بالغة التركيب والتنوع وتستند من أجل بناء نصوصها إلى مكونين: ما يعود إلى العلامة الأيقونية(إنتاج بصري لموجودات طبيعية: وجوه ، أجسام...) وما يعود إلى العلامة التشكيلية( أشكال و خطوط وألوان...)( ص88)وبالتالي فالمضمون الدلالي للصورة لن يكون بدوره إلا تركيبيا(ص89)

ويرى الباحث أن "تأويل الصورة مثل كل تأويل، يقوم على استعادة المعاني الأولية للعناصر المكونة للصورة، وضبط العلاقات التي تنسج بينها ضمن نص الصورة "ص93

لكنه يرى بالمقابل بأن كل تأويل ممكن للصورة يجب أن يستند إلى معرفة خاصة بالحضور الإنساني داخل الكون من خلال مجمل لغاته، وعلى رأسها لغة جسده"ص92.وذلك من خلال قراءة خاصة للجسد.وكما هو معلوم فان الجسد(كنموذج تطبيقي أيضا) يمثل نسقا تواصليا، فهو بمثابة لغة أو هو لغات لها قوانينها ومنطقها وأسرارها أيضا .وهذا يفرض على الباحث " الكشف عن الطريقة التي ينتج بها الجسد دلالاته".

ولن يتسنى ذلك، من الناحية الإجرائية، إلا بالتركيز على الاستعمالات الاستعارية للجسد، وتجاوز أبعاده النفعية المباشرة.لأن الجسد بقدر ما يوجد  داخل عالم الأشياء، كجزء لا يتجزأ منها، بقدر ما ينفصل عن الأشياء ليندرج ضمن حقل الثقافة، وذلك بفضل تشكله كدال، وبفعل قدرته على توليد الدلالات (ص125).

ويقدم الباحث نموذجا تطبيقيا آخر، يستثمر فيه الآليات التي تتيحها السيميائيات لتحليل الصورة، من خلال قراءة سيميولوجية لعمل فني، هو عبارة عن ألبوم فوتوغرافي للمخرج السينمائي المعروف داود أولاد السيد.وتعامل الباحث في مرحلة أولى مع العمل كوحدة منسجمة أو كنص قائم الذات، يحيل ككل نص على عالم دلالي معين في الزمان والمكان.وعبر الاشتغال على صورة واحدة في مرحلة ثانية، يثبت ذات الفرضية أي "  أن كل صورة إنما تقوم بخلق وضعية تحيل على موقف نمطي يمكن تعميمه على كل الوضعيات الممكنة"ص117.ويبين الباحث بأن الصور المكونة للألبوم تروم، عبر تحققها، ومن خلال إحالاتها الرمزية "تجاوز المعطيات المحسوسة  وتعطيل قوتها التمييزية، لاستشراف المجرد والغريب والمدهش"ص106

وبذلك فان عمل داوود وهو يراهن على تقديم "مواقف" و "حالات" خاصة بالمغاربة، كان لزاما عليه أن ينتقي و أن يقصي، أن يضم وان يحذف...، فتلك من مقتضيات بناء " كون دلالي منسجم"ص110.وينتهي الباحث في الأخير إلى حقيقة "أن العام لا يمكن أن يولد من نفسه، كما لا يمكن للقيمة المتحققة أن تخرج عن دائرة النسق المولد والمندمج . فالخاص أسبق في الوجود عن العام، وعبر العام وداخله تولد النسخ المتحققة."ص118.

 

5- إشكالية المعنى

على ضوء ما تقدم، على مستوى الأمثلة التطبيقية السابقة، يحاول الباحث الخوض في إشكالية المعنى، من خلال"ملامسة بعض القضايا الخاصة بطبيعة المعنى وشروط إنتاجه وبنائه، والسبل المؤدية إلى الكشف عنه وتحديد مستوياته" ص144.أو بتعبير آخر عبر الخوض في ما يمكن أن نصطلح عليه بالاقتصاد السياسي للمعنى، من خلال البحث في شروط و "قوانين" إنتاج وتداول واستهلاك أو تلقي المعنى.

فالمعنى بقدر ما يتحدد بالما- قبل، أي بمادة مضمونية سابقة في وجدودها على التحقق، بقدر ما يربتط بالما-بعد، أي بسيرورة معينة للتعرف والإدراك.وعبر هاتين العمليتين تتشكل سيرورة التدليل، التي تفضي إلى بناء النص...ويكتسي الحديث عن المعنى طابعا إشكاليا بالنظر إلى الخاصية المركبة لظاهرة المعنى وأنماط تحققها.لكن رغم ذلك، وربما بسبب ذلك، يشكل المعنى باستمرار موضوعا للتفكير والتأمل،  مادامت الوقائع والممارسات الإنسانية لا تتوقف عن إنتاج وإعادة إنتاج الدلالات.

ويتم التمييز بين نوعين من التدليل: تدليل مرتبط بأنساق غير لسانية (أشياء الكون وأحداثه وطقوسه) وآخر مرتبط باللسان.لكن تبقى مسألة الكشف عن المعنى حكرا على اللسان فقط،"فاللسان هو النسق المؤول والأكثر قدرة على الكشف عن مجمل التسنينات التي تبلورها الممارسة الإنسانية باستمرار" (ص146) .

وبشكل عام فالواقعة تدل لأنها قابلة للفصل والعزل وقابلة تبعا لذلك للقراءة بوصفها وحدة معنوية تامة.كما أن الواقعة لا تكون كذلك إلا في حدود إحالتها على معنى(معاني) يجعل منها كيانا قابلا للإدراك والمعاينة ضمن سياقات متنوعة، ولو أن هناك علاقة جدلية بين حدود المعنى و حدود الواقعة ص148

و غالبا ما يتم التمييز في الواقعة بين مظهرين: مرئي/ظاهري ، و مستتر/ضمني .ص149 و تنطلق المسيرات التأويلية في بنائها لكونها الدلالي من الأساس المرئي للواقعة، لتتجاوز ذلك إلى إعادة بناء قصدية النص.ص150.بيد أن قراءة النص ليست مسألة اعتباطية، بالنظر إلى "إن كل واقعة تشتمل، بشكل ضمني أو صريح، على سلسلة من الإرغامات التي تحدد، بهذا الشكل أو ذلك، قراءاتها الممكنة." وبالتالي " فان ما ينظم الواقعة في كليتها هو نفسه ما يحكم التدليل، أي يسهم في بزوغ الدلالة وانتشارها".

والواقع أن البحث عن الدلالات لا يتم بالضرورة خارج أسوار الواقعة.لأن ما يوجد خارج الأسوار يحضر في الواقعة على شكل إحالات رمزية واستعارية وإيحائية. أو بتعبير آخر، ما يوجد في "الداخل" يوحي ويتضمن ما هو موجود في "الخارج"(ص151). وبذلك ف"إن المعنى لا  يصير كذلك  إلا في علاقته بالنسق المولد له، كسلسلة من الارغامات التي نقوم من خلالها بإنتاج وتداول واستهلاك الواقعة. ولكي "نجعل من المعنى كيانا قادرا على التدليل" علينا أن نسلم مبدئيا بوجود سقف مجرد للقيم الدلاليةص152

وذلك يرتبط بطبيعة الواقعة الدالة، التي تشتمل على سلسلة من الارغامات الداخلية المحددة لبنائها وللطرق التي عبرها تنتج معانيها، ومحددة في نفس الآن لكل المسيرات التأويلية الممكنة(ص155).

وبالتالي فكل اختيار على مستوى التأويل هو في الآن ذاته حرية في الانتقاء وإذعان لإرغام.والمنطق يقتضي الحديث عن تعدد القراءات والمعاني بدلا من "لا نهائية القراءات والدلالات" ص156.

بيد أن القول بتعدد المعنى يفضي في نظر الأستاذ بنكراد، إلى حقيقة أخرى تتعلق بالطبيعة الإيديولوجية للمعنى، حيث أن هناك ميكانيزمات تتحكم في عملية إنتاج المعني.وليست الايديولوجيا هنا سوى مجموع القواعد المسؤولة عن توليد المعنى."فكل كون نصي يقوم على نوع من" التقليص، والتقليص هو انتقاء، والانتقاء لا يمكن أن يكون سوى اختيار إيديولوجي، أي انحياز إلى تحقق على حساب تحققات أخرى ممكنة."(ص160)، وهو ما يجعل الواقعة عنصرا داخل جهاز ثقافي يحدد، استقبالا، كل ممكنات التدليل داخلها.

 

6- مفاهيم سيميائية

وقد أفرد الباحث الفصل الأخير من الكتاب لتحديد المفاهيم المركزية في حقل السيميائيات، والتي من دونها يتعذر على القارىء الاستئناس بقضايا وإشكالات هذا الحقل المعرفي، إذ أن ضبط الجهاز المفاهيمي الخاص بالسيميائيات شرط أساسي للدخول إلى ملكوتها. وإذا كان كل حقل علمي يتحدد بموضوع خاص به ومنهج يقارب به طبيعة هذا الموضوع، فان خصوصية أو هوية العلم تتجسد بشكل أعمق في الجهاز المفاهيمي الذي أنتجه.فالمفاهيم هي المجال الذي تتحقق فيه أصالة الإبداع الفكري.ألم يحدد دولوز الفلسفة باعتبارها "إبداعا للمفاهيم" وان الفيلسوف الحق هو ذلك الذي ينحث مفاهيم جديدة؟

لكن يمكن للمفاهيم أن ترحل من حقل علمي إلى آخر كما هو الحال في مجال العلوم الإنسانية التي تتميز بترحال المفاهيم من علم لآخر، مما ينجم عنه التعدد الدلالي للمفاهيم ، تبعا لتعدد استعمالاتها العلمية ، وهو ما يحتم في حالة المفاهيم السيميائية، إبراز خصوصيتها.فما يميز حقلا علميا كالسيميائيات هو استعماله الخاص للمفاهيم، هذا الاستعمال الذي يتجاوز ما توفره هذه المفاهيم المتداولة من امكانات دلالية، وذلك بإكساب تلك الامكانات قيما جديدة.  وفي هذا الإطار يكون من اللازم فصل المقال فيما بين مفاهيم السيميائيات ومفاهيم الحقول الأخرى من الاتصال،وهو ما قام به الأستاذ سعيد بنكراد.ويأمل الباحث من وراء ذلك إلى"تقديم مجموعة من التوجيهات العامة التي تساعد القارئ على فهم الكون المعرفي الذي تحيل عليه السيميائيات وكذا طريقتها في التعاطي مع الأنشطة السلوكية الصادرة عن الإنسان." ص 165.  

 

هامش:

-         سعيد بنكراد "السيميائيات: مفاهيمها وتطبيقاتها" منشورات الزمن( سلسلة شرفات )-الدار البيضاء 2003 (كل الاقتباسات مأخوذة من الكتاب)

 

 

 
 
 
 
معجم السيميائيـات متابعـات نقديــة ترجمــــات

دراســــات

مؤلفــات بطاقة تعريــف الصفحة الرئيسيـة
للاتصـــال  مواقـــع  خزانات الموقـع  صحف ومجـلات رسائل وأطروحـات وحدة تحليل الخطاب مجلـة عــلامات

موقع سعيد بنگراد - تاريخ الإنشاء: نونبر 2003