معجم السيميائيـات متابعـات نقديــة ترجمــــات

دراســــات

مؤلفــات بطاقة تعــريف الصفحة الرئيسيـة
للاتصـــال   مواقـــع  خزانات الموقـع صحف ومجـلات رسائل وأطروحـات وحدة تحليل الخطاب مجلـة عــلامات

عبد العلي اليزمي

مونتيني

والحديث عن الذات

 

ميشيل دو مونتيني (Michel de Montaigne -1533/1592) مفكر فرنسي عاش في مرحلة عرفت خلالها فرنسا حروبا أهلية دينية شاملة بين الكاثوليك و البروتستانت. وكان التعصب الأعمى والتشدد الديني، من هذا الطرف وذاك، يطبع الحياة العامة في فرنسا بسمة التطرف. وسيختار مونتيني،رغم اعتناقه للمذهب الكاثوليكي، الوقوف موقف الحياد من الصراع الدائر بين مختلف الاطراف؛و فضل مونتيني تفادي "الزحام" لتجنب "عدوى" محيطه المريض، وتكريس جل وقته للكتابة والتأمل. وكانت المحاولات هي ثمرة هذه التجربة التي دامت حوالي اثنين وعشرين سنة.

إن خطر العدوى وسط الزحام كبير؛ فإما أن نقلد الأشرار وإما أن نكرههم. ومن الخطر أن نقلدهم لأنهم يشكلون الكثرة، و من الخطر أن نمقتهم لأنهم مختلفون عنا.

تشكل المحاولات، على حد تعبيرهوغو فرديريش >حدثا في تاريخ اللغة< الفرنسية، إذ إن >مونتيني هو أول من أصدر كتابا فكريا هاما وأصيلا باللغة< الفرنسية عوض اللاتينية التي كانت لغة الفكر الفلسفي والأخلاقي في فرنسا آنذاك (1). و المحاولات من جهة ثانية هي المؤلف الأول الذي أرسى قواعد فن أدبي جديد هو المحاولة. وعدا هذا وذاك تكمن أهمية المحاولات في كونها جعلت من الحديث عن الذات >مادتها وموضوعها< المحوريين؛ وكان شعارها هو >إعرف نفسك بنفسك<. كانت هذا المقولة اليونانية هي نقطة الانطلاق بالنسبة لمونتيني، إذ إن فهم الآخر باعتباره كائنا مختلفا يمرعبر معرفة الذات. إن معرفة الذات تؤدي إلى اكتشاف نواقصها وتلمس عيوبها والوقوف عند مكامن ضعفها وقوتها.وإذا كان من السهل بالنسبة لشخص ما الحكم بقساوة على الآخرين وإلغاء آرائهم وأفكارهم دون تفكير وتمحيص، فإنه سيكتشف عبر تجربته الخاصة في دراسة ذاته مثل أي إنسان آخر، أنه أشبه بتلك الورقة التي تتقاذفها الرياح تبعا لأهوائها، بل سيكتشف"أننا ملئى ريحا " وأن "الريح أحكم منا" فهي تدرك محدوديتها وهو ما ينقص الإنسان في كثير من الأحيان. وهذا لا يعني أن مونتيني قد سلك طريقا يهدف إلى تحقير الإنسان وإذلاله؛ فقراءة المحاولات تبرز بشكل بين أن المسألة الأساسية التي كانت تشغل مونتيني هي كيف يستطيع الإنسان أن يتواصل مع الآخر باختلافه. ومعرفة الذات هي الخطوة الأولى في عملية التواصل هاته؛ فمتى استطاع الفرد أن يخلق تواصلا مع ذاته تعلم كيف يتواصل مع الآخرين.

ها هنا أيها القارئ كتاب حسن النية. إنه ينبهك في مدخله إلى أنني وضعته لأسباب عائلية وشخصية. ولم أعر فيه اهتماما سواء لمصلحتك أولمجدي. إن قواي عاجزة عن مثل هذا المراد. إنني وهبته للراحة الخاصة لأهلي وأصدقائي، إنهم عندما يفتقدونني (وهو ما سيقع قريبا) سيجدون فيه جوانب من أحوالي وأهوائي. وهكذا سيستطيعون بهذه الطريقة تطعيم معرفتهم بي بشكل كامل وحيوي. ولو تعلق الأمر بإثارة عطف الجمهورلكنت تجملت وقدمت نفسي بطريقة مدروسة. أريد أن ينظر هنا إلى أسلوبي البسيط، الطبيعي والعادي، البعيد عن التكلف والصنعة: فأنا أرسم ذاتي. إن نقائصي وطبعي الساذج سيبرزان بشكل حي، في حدود ما تسمح لي به الحشمة. ولو أنني كنت بين تلك الأمم التي يقال إنها لازالت تعيش تحت ظل الحرية اللطيفة للقوانين الأولى للطبيعة، لكنت بالتأكيد رسمت ذاتي كاملة وعارية. وهكذا، أيها القارئ، فذاتي هي مادة كتابتي، وليس من المعقول أن تضيع وقت راحتك في موضوع سخيف وبدون جدوى من هذا القبيل.

إن اقتفاء أثرالمشية الهائمة للذهن، وسبر أعماقه الغامضة وثناياه الباطنية، وانتقاء وتدوين العديد من تقلباته الخفيفة، عملية شاقة على عكس ما قد يبدولنا . وهذا عمل جديد وعجيب يبعدنا عن انشغالات عامة القوم وحتى عن الانشغالات التي نسعى اليها سعيا. ها قد مرت سنوات عديدة وأنا لا أشغل فكري الا بذاتي، ولا أراقب ولا أدرس سوى نفسي؛ وإن درست شيئا آخر فلكي أبسطه على ذاتي أو بالأحرى في داخلي.

إن أي شخص ينصت لذاته سيكتشف فيها طبعه الأصلي الذي يطغى على تكوينه، والذي يقاوم التنشئة وعاصفة الأهواء المناقضة له.

لو كنا ننشغل أحيانا بالتمعن في أنفسنا، ونستغل الوقت الذي نقضيه في مراقبة الآخرين وفي التعرف على الأشياء البعيدة عنا لاستكشاف أنفسنا، لأدركنا بسهولة أن بنيتنا مكونة من أجزاء ضعيفة ومهترئة.

إنني أدون حركاتي، هذه هي ذاتي، وهذا هو جوهري.أعتبرأنه من الضروري أن نحترس في الحكم عن ذواتنا، وأن نشهد بصدق عن ذواتنا سواء تعلق الأمر بذكر ما يعلي من قدرنا، أوما يحط منه. ولو أنه بدا لي أني طيب وحكيم في مناسبة ما فسأصيح بذلك أمام الملأ. فمن باب البلادة وليس من التواضع في شيء ألا نوفي ذواتنا حقها. وأن ننقص من قيمتنا الفعلية هو بالنسبة لأرسطو علامة الجبن والضعف. فلا فضيلة تقوم على الغش ولم تكن الحقيقة في يوم ما موضوعا للخطأ.

إنني استعملت موهبتي وحذاقتي لإبراز قيمتي الذاتية. وإن اجتهاداتي علمتني كيف أعمل وليس كيف أكتب. لقد كرست كل جهودي لتكوين حياتي، هذه هي مهنتي وهذا هو عملي. فصنعة الكتب هي آخر شيء يمكن أن ينسب إلي.

يهمنا أن يتداول الناس الحديث عنا أكثر مما تهمنا الطريقة التي يتحدثون بها، ويكفينا أن يجري إسمنا على الألسن مهما كانت طبيعة ما يقولونه. ويظهر أن الرغبة في أن نعرف تعني بشكل من الأشكال أن نجعل حياتنا و ديمومتنا في حفظ الآخرين. أما بالنسبة لي فأعتبر أنني لا أوجد إلا حيث أنا، أما وجودي الذي يستمد كينونته من معرفة أصدقائي، فأنا عندما أتمعن النظر فيه أجد أنني لا أستمد منه أية فائدة وأية لذة، اللهم إذا نظرت إليه نظرة المغرور بنفسه.

إن الإقدام على الكتابة عن الذات كان بمثابة مغامرة غير محمودة العواقب في مجتمع طغى عليه التقليد و اشتدت فيه حمى الفكر المتعصب. ويكفي هنا أن نشير إلى مقولة باسكال الشهيرة : >الأنا مكروه<، التي وردت في سياق حديثه عن ... مونتيني!. ولندع هذا الأخير يحدثنا:

إن أصعب وأنفع وصف هو وصف الذات. فقبل أن يعرض المرء نفسه أمام الجمهور، يجب عليه أن يتزين ويعد نفسه. وأنا أتجمل باستمرار لأنني أصف ذاتي باستمرار. إن العادة جعلت من الحديث عن الذات عيبا، وهي تمنعه بعناد كرها في التبجح الذي يبدو دائما وكأنه لصيق بالشهادات الشخصية.

إن المؤلفين يقدمون أنفسهم للجمهور بميزة خاصة وغريبة عنهم؛ وأنا أول من قدم نفسه باعتباره ميشيل دو مونتيني وليس باعتباره نحويا أوشاعرا أو مشرعا. إذا كان الناس يشتكون من أنني أتحدث كثيرا عن نفسي فأنا أشتكي من كونهم لا يفكرون في أنفسهم قط.

لنعد الآن قليلا إلى الوراء ولنتساءل عن الظروف التي جعلت مونتيني يفكر في الكتابة وكيف خطرت بباله فكرة الحديث عن الذات؟. كانت سنة 1563حاسمة في مجرى حياة هذا الكاتب؛ ففي هذه السنة فقد مونيني صديقه الحميم لابويسيه. وكان لهذا الحدث الأثر البالغ في حياة مونتيني الذي أصبح يعاني من وحدة خانقة: >مذ فقدته وأنا أعيش كنصف إنسان<. ويهمنا هنا أن نشير إلى أن المحاولات قد كرست صفحات طويلة ورائعة للحديث عن الصداقة وتمجيدها. والصداقة بالنسبة لمونتيني صداقات، وأروعها وأرقاها هي تلك التي عاشها مع لابوسيه ؛ فهي تشكل حالة وجدانية متميزة يصير فيها الصديقان جسدين بذات واحدة ووحيدة.

في الصداقة التي أتحدث عنها تتمازج النفوس ببعضها البعض وتذوب في بعضها البعض ذوبانا شاملا، بحيث ينمحي الرابط الذي ألف بينها. ولو أني اضطررت للجواب عن ما هو سبب حبي له (لابويسيه)، لما وجدت ردا يشفي غليلي غيرهذا القول:" لأنه كان هو ولأنني كنت أنا".

إن الاهتمام بهذا النوع من الصداقة يجد تفسيره في الظروف التي عاشها مونتيني. فمحيطه الاجتماعي والفكري كان، كما قلنا أعلاه، موسوما بالتعصب والتطرف، وهذا معناه حضور الإقصاء وغياب التواصل. فالتعصب لفكرة ما يجسد الرغبة في إقصاء ما هو مختلف دون تفكير وتمحيص. إنه دعوة إلى الانغلاق ولفظ الاختلاف. وإن مسحا سريعا للمحاولات سيظهر لنا الحساسية الخاصة التي كانت لدى مونتيني تجاه كل ما هو متطرف ومتعصب، وسنجد أن كلمات مثل "تنوع"، "اختلاف"، "تمايز"،"تباين" تحتل موقعا متميزا في هذا الكتاب الذي يمكن اعتباره بمثابة دعوة لا تكل للقبول بالاختلاف والتمايز.

أن أغضب لأن آرائي تختلف عن آراء الآخرين؛ وأن أعادي جماعة من الناس لأن تصوراتهم مغايرة لتصوراتي ولأنهم من معسكر غير معسكري مسألة غير واردة بالنسبة لي. فعلى العكس من ذلك أجد أن الطبيعة بشكل عام اتبعت طريقة التنوع، وعلى مستوى العقول أكثر منه على مستوى الأجساد، فالعقول من مادة لينة وقابلة لأن تأخذ أشكالا أكثر تمايزا، وأرى أنه من النادرأن نجد توافقا في أهوائنا وأهدافنا. ولم يوجد قط في الدنيا رأيان متماثلان ولا حتى شعرتان أوبذرتان، إن التنوع هو ميزتهم المطلقة.

إن الآخرين يربون الإنسان أما أنا فأحكي عنه وأقدم نموذجا ناقصا منه، لو كان لي أن أعيد تشكيله من جديد لجعلته مختلفا عما هو عليه الآن. لكن ذلك لم يعد ممكنا. إن قسمات صورتي لا تكذب رغم أنها تتغير وتتنوع باستمرار. إن الدنيا ليست سوى أرجوحة دائمة. فكل الأشياء بها تتحرك باستمرار: فالأرض وصخور القوقاز وأهرامات مصر تتحرك بحركتها الخاصة وبحركة الجمهور. إن الثبات نفسه ليس سوى حركة متباطئة. إنني عاجز عن تثبيت موضوعي. إنه يمشي مترنحا وهو يميل كما لو كان سكرانا. وأنا آخذه كما هو في اللحظة التي أنشغل فيها به. إنني لا أصور الكائن. إنني أصور فترة الانتقال: ليس الانتقال من مرحلة إلى مرحلة من العمر، أوكما تقول العامة من سبع سنوات إلى سبع أخرى بل من يوم إلى يوم، ومن دقيقة إلى أخرى.

إذا كنت أتحدث عن ذاتي بطريقة تختلف من مناسبة إلى أخرى فذلك يعود إلى تغير نظرتي لنفسي. كل التناقضات الموجودة لها ظروفها وملابساتها. خجول ووقح، عفيف ومتبرج، مهذاروسكوت، ذكي وأبله حقود وحليم، كذاب وصادق، عالم وجاهل، كريم وبخيل ومعطاء، كل هاته الحالات أجد شيئا منها في ذاتي كلما تغيرت وجهة نظري إلى نفسي؛ وإن أيا درس نفسه بدقة كبيرة سيجد في ذاته، بل حتى في بصيرته، هذا الكم الهائل والمتناقض من الصفات. ليس لدي شيء تام، بسيط و متماسك لا تشوبه فوضى وليس في اختلاط أقوله عن نفسي. وبكلمة واحدة، أميز، هذا هو العنصر الأكثر شمولية في منطقي.

إن الأعمال التي أقوم بها بطواعية وعن طيب خاطر تصبح مستحيلة بالنسبة لي متى أرغمت نفسي على إنجازها. وعندما يتعلق الأمر بالجسد، فإن تلك الأعضاء التي لها استقلالية خاصة ووضع معين لا تستجيب أحيانا لإرادتي عندما أفرض عليها خدمة ضرورية في ظرف معين. إن الإرغام والقسر يجعلانها تتقاعس وتنكمش من الخوف أو الغضب.

إن للعقل أشكالا متعددة ولا ندري أيها نختار، وكذلك الحال مع التجربة. إن النتيجة التي نريد استخلاصها من تشابه الأحداث غير مؤكدة، خصوصا وأن الأحداث تكون دائما متباينة: عند النظر إلى الأشياء نجد أن ميزتها الكونية هي الاختلاف و التنوع.

إن التباين يلج إلى أعمالنا نفسها، ولا صنعة يمكن أن تصل إلى التشابه.

إن التشابه لا يخلق الشيء نفسه، في حين أن الاختلاف يخلق شيئا آخر. إن الطبيعة أخذت على نفسها ألا تخلق شيئا جديدا إلا إذا كان متميزا.

ويمكن اعتبار وفاة لابويسيه بمثابة الحجر الأساس في عملية التفكير في الكتابة. وسيختار مونتيني سنة 1570 للاختلاء بنفسه في قلعته ليكرس ما تبقى من حياته للكتابة. ولنستمع هنا إليه وهو يحدثنا عن كيف برزت فكرة الكتابة لديه:

إن الروح التي ليس لها موضع تضيع، وكما يقال لا مكان لمن هو في كل مكان (...).

عندما اختليت مؤخرا بنفسي في داري ،عاقدا العزم، ما استطعت إلى ذلك سبيلا، على ألا أهتم سوى بقضاء ما تبقى من عمري في راحة وخلوة، بدا لي أن أحسن خدمة أقدمها لذهني هي أن أدعه في عطلة تامة، يناجي نفسه ويتمعن في ذاته ويتفحصها: وهذا ما كنت أعتقد أنه قادر عليه ما دام قد صار مع مرورالوقت أكثر اتزانا ونضجا. لكنني وجدته على العكس من ذلك قد صار مثل الفرس الجامحة ينشغل بنفسه مئات المرات أكثرمما كان ينشغل بأمور الآخرين، ويولد الخرافات والوحوش الغريبة ويراكمها بعضا على بعض، دون نظام وبدون سبب، ولكي أتمكن من تأمل تفاهتها وغرابتها بتأن بدأت في تدوينها على أمل أن أجعل ذهني يخجل من ذاته مستقبلا.

إن الحزن، وهو شعور معاد لطبعي، الناتج عن ألم الوحدة التي انجرفت إليها منذ بضع سنين، هو الذي دفعني في البداية للتفكير في الكتابة. وبما أنه لم يكن لدي موضوع أتحدث فيه فإنني جعلت من ذاتي موضوع ومادة حديثي.

وتجب الإشارة هنا إلى أن تصور مونتيني للوحدة لا يتضمن فكرة الانزواء والانعزال؛ فالوحدة حالة وجدانية تهدف أولا وقبل كل شيء إلى محاورة الذات و الإنصات إليها من أجل استكشاف دواخلها.

إن الوحدة التي أحب، والتي أدعو الآخرين إليها، تعني بالأساس أن أجر مشاعري وأفكاري نحوي وأن أقلص رغباتي وهمومي عوض تقليص خطواتي؛ فأنا أتهرب من محاباة الآخرين وأمقت بشدة التكلفة والاستعباد، وأتجنب زحمة الأشغال أكثر مما أتجنب زحمة الناس.

وكما أشرنا أعلاه صدرت الطبعة الأولى من المحاولات سنة 1580 وستليها سنة 1588 طبعة أخرى ضمنها مونتيني أكثر من ست مائة إضافة زيادة على كتاب ثالث. وسيشرع مونتيني من جديد في حشو طبعة 1588 بإضافات وصلت إلى ما يربو على الألف . و قد توفي قبل أن يتمكن من إصدار طبعة أخرى من المحاولات ؛ وهو ما سيقوم به بعض أصدقائه سنة 1595. ويعلل مونتيني عمله هذا بكون الحديث عن الذات سيرورة لا منتهية لا تتوقف إلا بالموت.

إنني أضيف ولا أنقح. أولا لأنني أعتبر أن من رهن عمله للجمهور فقد حرية التصرف فيه(...) وثانيا لأنني أخشى أن أكون الخاسر في حالة التغيير. ففهمي لا يسير دائما الى الأحسن وإنما يتراجع أحيانا الى الوراء. ومهما كان الحال فإنني لا أنقح تصوراتي السابقة بتصورات جديدة ، وربما غيرت كلمة أو أخرى و هدفي من ذلك هو التنويع وليس الحذف.

من لا يرى أنني اخترت طريقا يمكنني أن أسير فيه دون كلل ودون عناء، مادام في الدنيا حبر وورق.

المحاولات هي في نهاية المطاف رحلة في أعماق الكائن البشري. وإذا كان مونتيني قد أخضع ذاته لهذه التجربة المتفردة والرائدة بالنسبة لعصره، فقد اكتسب عبر مرانه في دراسة نفسه معرفة متقدمة للطبيعة البشرية بإيجابياتها وسلبياتها، بما يعلي قدر الإنسان وما يحط منه. وإذا كانت تخيم على المحاولات بين الفينة والأخرى، مسحة كآبة وتشاوم فإنها لم تكن تدوم طويلا لأن مونتيني كان قد اختار لنفسه أن يقف إلى جانب ديموقريط ويسخر من الوضع الإنساني:

من المؤكد أن الانسان موضوع في غاية التفاهة والتنوع والتقلب.

الهوامش

1)Friedrich (Hugo) Montaigne,Ed. Gallimard, Coll. Tel, Paris, 1984

* المقتطفات التي قمنا بترجمتها مؤخوذة من:

Montaigne (Michel de) -OEuvres complètes, Ed. Gallimard, La Pléiade, 1985

 

 

 
 
 
معجم السيميائيـات متابعـات نقديــة ترجمــــات

دراســــات

مؤلفــات بطاقة تعــريف الصفحة الرئيسيـة
للاتصـــال   مواقـــع  خزانات الموقـع صحف ومجـلات رسائل وأطروحـات وحدة تحليل الخطاب مجلـة عــلامات

موقع سعيد بنگراد - تاريخ الإنشاء: نونبر 2003