معجم السيميائيـات متابعـات نقديــة ترجمــــات

دراســــات

 مؤلفــات بطاقة تعــريف الصفحة الرئيسيـة
للاتصـــال  مواقـــع   خزانات الموقـع صحف ومجـلات رسائل وأطروحـات وحدة تحليل الخطاب مجلـة عــلاما

 

عبد الفتاح الحجمري

  لن يبقى لنا إلا اللعب ... ملاذا

 

                

                 

    1 . عتبة من أجل أحمد المديني 

   

    ها أنت ذا تدعوني للعب عبر إهداء عمومي أعتبره عربون صداقة أعتز بها ، وعلاقة ود صافية أضحت نادرة في زمننا هذا . واعتباري غير مبني على الظن ، لأن كل من تعرف إليك وجالسك وانتسب إلى أفقك ممن جايلك ورافقك ، رسم لك روحا مرحة نابضة دوما بحب الحياة ، ومزاجا جوالا وطليقا بين الثقافات واللغات والفضاءات غير مكبل بما قد تمليه تقلبات إيديولوجية وسياسية . أعرف أنه لا يمكننا أن نتحدث عن الصداقة والصديق كيفما اتفق ، يحتاج الأمر إلى بذرة بهية من الوفاء تشد الآصرة ، وحين تينع تأتي أكلها ثمرا شهيا ورطبا طيبا ؛ مثلما يحتاج الأمر – كذلك – إلى نسج سبائك لا من ذهب أو فضة ، بل من ألفة ورفقة سلوانهما غير قابل ، يوما ، لمقايضة أو مساومة .

    وها أنت ترى ، دعوتني للعب وأهديتني نصوصا تصدر للمرة الأولى inedit وأضحيت طليقا ، فيما أنا مكبل ببلاغة نثر قصصي أخاذ ، ومشدود إلى هول قصف عاصمة الرشيد وبيت حكمة المامون وتكسر أقداح أبي نواس النقيسة .

    دعوتني للعب فيما أنت ستعود ، غير متعجل ، إلى أحلامك ، هي محرابك الأثمن في انتظار " فتن " أخرى منك قادمة : فيها متسع من الحزن والفرح والمرارة والغبن والعجب ، ومفاتن باريس وبركة برشيد ... فتن تروي ما تبقى من التجربة والكتابة .

    2 . لعب الكاتب شيء ... ولعب القارئ شيء آخر

    شكل اللعب بالنسبة للعديد من الفلاسفة وعلماء النفس والاجتماع مادة خصبة لبحث وتجريب علاقة تصور ما بالرؤية التي يبنيها عن الواقع والوجود . من هنا تباين المنظورات التي تبحث في استعمالات اللعب ؛ فاللعب لا يمكنه أن يكون بدون قواعد ، لأنها هي التي تنقله من دائرة التجريب وتقربه من منطق التعليل . ورغم ذلك ، لا يمكن لقواعد اللعب ، مهما بدت موسومة بالاعتباط حينا والتوافق أحيانا أخرى ، أن تتحول إلى " وصفة جاهزة " تكون بديلا عن أي تناول إبداعي لا يسلم بالجدة والطرافة والفرادة . وحين يتعلق الأمر بالكتابة ألأدبية ، فإن اللعب هنا يدرك في لحظة توجيه يتقاطع فيها وضع الكاتب والقارئ ، كلاهما يود أن يلعب بالكلمات وهو يحتكم إلى قواعد يستوحيها من المجتمع والتاريخ والايديولوجيا والرأي الذاتي ؛ أحدهما يفترض أن الكتابة مغامرة ، والآخر يعتبر القراءة مغامرة أيضا . لعب الكاتب شيء ، ولعب القارئ شيء آخر ، هما معا لاعبان قد يلتقيان في الزمان والمكان ، وقد يتباعدان وليس لذلك أية أهمية إلا ما تحقق لكل منهما من متعة صياغة الكلام ، وأخرى خاصة بابتكار بلاغة لتأويله .

 

    في كتابه القيم La lecture comme jeu  يخصص Michel picard الفصل الأول لبحث موضوع اللعب ووظيفته في النصوص التي نعتبرها أدبا والمعبرة عن قيم اجتماعية وسياسية وثقافية ، تضبط بنيتها الفنية والجمالية ، وتشرط سؤال قراءتها بما يناسبه من اعتبارات تداولية وتواصلية عامة . وبيكار بهذا الصنيع يعتبر من الضروري إنجاز وضع إبستمولوجي محدد لدراسة القراءة، معتبرا اللعب أحد ركائز هذا الوضع . وإذا عدنا به إلى بعض الملاحظات العابرة يتبين لنا – مثلا – أن قراءة الطفل تندمج ضمن استعماله للزمن بوصفه لعبا مثل بقية ألعابه ( ألاعيبه ) الأخرى .

    وللعب علوم وعلماء : فرويد في التحليل النفسي ، فروبنيوس في الأنثروبولوجيا ، هويزينكا مؤرخ القرن الوسيط ، بنفنست في اللسانيات ، كايوا في السوسيولوجيا ، دريدا في الفلسفة ... ويكون لدينا ، في المحصلة ، إجراءات لبناء نموذج للقراءة يعتبر اللعب فعلا حرا ونشاطا اختياريا مصحوبا بإحساس للمرح ، وبوظيفة رمزية تجعل لكل نص طريقة لعبه الخاصة ينتجها فعل للقراءة بوصفها لعبا مكتوبا على " السجية " و " محترزا " من صرامة المفاهيم والمناهج .

    3 . هيا نلعب

    مناسبة هذا الحديث ، إصدار قصصي لأحمد المديني اختار له عنوانا موحيا : هيا نلعب ، بعد أن غادرنا صيف فارغ لم أحتفظ منه في البالب إلا بحصار وقصف مقدسات في النجف ، وجريمة وقائعها كما في حلم شهدتها بلدة تارودانت العتيدة . بعد هذا ... نتلقى من أحمد المديني دعوة لنلهو قليلا رفقة شخصيات قصصية تبدو ، أحيانا ، شاردة أو أسعفها الحظ ، وأخرى منطوية على ذاتها ومشدودة إلى أوهام ومتاهات ، وثالثة تزهو بسعادة وتحسب أن الأمر حدثا خارقا، ورابعة ‎لم تصدق بعد أن الاستعباد يؤدي إلى الاستبداد وهي لا تجد منهما فكاكا .

بهذا المعنى ، أراد أحمد المديني لنصوصه القصصية أن تكون نسيجا حكائيا تتقاسمه موضوعات يجمع بينها وجه شبه :

    من تجربة الكتابة وتخيل نتف من سير شخوص تغدو شخصيات تحظى بطيب الذكر ، وهي لم تكن تبتغي إلا حسن الثواب ، إلى صدى أيام هاربة هادئة ، غافية هامدة . الكتابة تفكر هنا في ذاتها ، والشخصية تبحث عن مضاعف لها في الزمن والمكان والكلام أيضا . كل شيء في هذه النصوص القصصية قائم على الانشطار: من أدق الأحداث إلى أعقد الانفعالات ، وقد أحصيتها فوجدتها لا تخرج عن : الشوق والهوى واللوعة والحسرة ... وأضيف إليها واحدة جامعة مانعة : شجون الوطن ، وهي شجون بادية على وجوه شخصيات قصصية لا تحكي ما عاشته وأحسته ، بل تحكي ما كانت تود أن تعيشه وتحسه . ولذلك ، تمنحنا قراءة هذه النصوص القصصية الإحساس بأن أحمد المديني يبذر وراء الواقع واقعا آخر، ويبذر وراء التخييل تخييلا آخر ، وهذا يعني أن سؤال الكتابة يكشف لنا أن ما يقع تحت سلطة المألوف يشبه اللامتوقع ؛ الكتابة هنا حياة ، والحياة كتابة : من الحروف والكلمات ، إلى الجمل البطيئة والسريعة ، المباشرة والاستعارية ، تتصادى الأصوات والملامح ، الأفراح والأحزان ، الأزمنة والأمكنة ، الغياب والحضور ، الأسئلة والأجوبة ؛ كل شيء في هذه القصص مضاعف حتى المشاعر والأحاسيس لا تستقر على حال . تتعرف على هذه الشخصية أو تلك ، وهي تقودك إلى معرفة الآخرين ، وتعقد لك معهم مواعيد وعلاقات ، وأنت لا تحتاج إلى وقت طويل لتألفها عبر " حدوس " سامي محمد / أديب عراقي مات في الحصار ، وعبر " حكي من دخان " خطه ذات يوم هذا المحجوب الصفريوي النادر ... وعبر هذه " النظرة " التي تختصر الكون كله في " لحظة موعودة " تصعد من قاع سحيق وقلب لا يتجعد ولا ييأس ؛ وهاكم البيان من " اسم الغائب ":

    "

    أظن ، أيها السادة ، أن أحمد المديني يود بكتابته لهذه النصوص القصصية أن يذكرنا بهذه الحكمة : لقد أمسى الواقع أكثر غرابة من الخيال ، نصوصه تنطق بها بالحدس والحس في آن ، وهي بذلك نصوص تحكي صاحبها فبين كل لوحة أو صورة : أمنية ، ووقت فائت ، ومزاج حائر أو غاضب أو فوار بالبهجة . وهناك أيضا وأساسا الكتابة :

    " هي الآمرة الناهية المارقة الماردة المتمردة الشاخصة المتحجبة الشاردة السردانية اللحمية الرخوية الغضروفية السديمية الهلامية الطيفية الشجرية العاتية الجبارة الآتية الهاربة المقتحمة ( ص 11 ) " .

    بهذا ، تفكر قصص المجموعة في معنى الكتابة وجدواها بعيدا عما يقال في مهرجانات الكلام ، أو وفق نمط الهذيان المنتشر على مدى البصر في أيامنا هذه .

 

    4 . ... وختم من أجل عبد الفتاح الحجمري

 

    الشخصية القصصية وليس كاتب هذا الحديث ؛ وأنا مستعد للتفاهم مع أحمد المديني حول مسألة محددة . بالمناسبة فعبد الفتاح الحجمري اسم قصصي أو مفترض تخييليا لا اسما حقيقيا ، أي أنه شخصية لا شخص ، وإن كان يشترك مع كاتب هذا الحديث في أنه يدرس السرد  في  الكلية ،  وناقد  متخصص في السرد ( ص 126 ) . لا أنكر ، أنهما رباطيان أصيلان بشهادة رباطي آخر اسمه بربيش وآخر    اسمه  الزكي ،   ورابع اسمه كيليطو ،   وخامس  أو سابع اسمه جبرو ( ص 127 ) .           

 
 
 

 

 
 

ضيوف الموقـع

 

عبد الفتاح الحجمري

 

دراســات

 

 

 

 

 

 

 

 

 

معجم السيميائيـات متابعـات نقديــة ترجمــــات

دراســــات

 مؤلفــات بطاقة تعــريف الصفحة الرئيسيـة
للاتصـــال  مواقـــع   خزانات الموقـع صحف ومجـلات رسائل وأطروحـات وحدة تحليل الخطاب مجلـة عــلامات

موقع سعيد بنگراد - تاريخ الإنشاء: نونبر 2003