معجم السيميائيـات متابعـات نقديــة ترجمــــات

دراســــات

 مؤلفــات بطاقة تعــريف الصفحة الرئيسيـة
للاتصـــال  مواقـــع   خزانات الموقـع صحف ومجـلات رسائل وأطروحـات وحدة تحليل الخطاب مجلـة عــلاما

 

عبد الفتاح الحجمري

 

                                              لأي شيء يصلح الأدب ؟

 

 

                    

                                            

 

    يجد المرء نفسه ، في كل مرة ، يحاول فيها تعريف و " تبرير " فعل القراءة أمام سؤال أبدي : ما هو الأدب ؟ ومع تطوّر العصور والمجتمعات والحركات الأدبية بدأ يبرز في الأفق سؤال آخر لا يقلّ أهمية : ما جدوى الأدب في العالم المعاصر ؟ . ولذلك ، ظل سؤال القراءة في تفاعل مستمر بين ما هو ذاتي وما هو كلي وإن اختلفت مجالات وأزمنة التلقي الأدبي ، لأن فعل القراءة يغدو - في هذه الحالة - نوعا من التفكير في " حقيقة " الأدب وأشكال ابتكاره للعوالم والمعارف واللغات .

    حقيقة الأدب هي أيضا جزء من تدريسه ودراسته ، وهذا أمر مهمّ يتيح بيان أسئلة أخرى مركزية : ما القراءة ؟ وهل يمكن تدريس الأدب ؟ ولماذا ندرس الأدب ؟ …

    تستدعي هذه الأسئلة ، وسواها ، بحث علاقة ( ات ) فعل القراءة بالتصوّرات النظرية التي تجعل من نصّ أدبي نصا أدبيا حسب معايير الجنس الأدبي ومواضعات الثقافة والمجتمع وفضاءات التداول وأزمنة التلقي .

    " لأي شيء يصلح الأدب ؟ " A quoi sert la littérature ? عبارة ندين بها لمترجم كتاب Great Books " الكتب العظيمة " لصاحبه دافيد دينبي * . ويعلن سؤال المترجم ، في الجوهر ، وعيا عميقا وخصبا بممارسة فعل القراءة الأدبية لنصوص متفرّدة من الحضارة الغربية : أدبية وإبداعية وفلسفية ونقدية وفكرية وجمالية . لهذه الدراسة قيمتان أساسيتان :  

    1 . إنها دراسة تهتمّ بالتفكير في السؤال الأدبي من موقع السؤال الفكري العام لإنتاج المعرفة في الحضارة الغربية .

    2 . إنها دراسة تستعين في فهمها للنصوص " بلحظة القراءة " وبالراهن الذي يضبط خلفياتها ومبرّراتها .

    معنى ذلك ، أن النص الأدبي يستمدّ قيمته من طبيعة الفضاء الحضاري الذي يساعد على إنتاجه . ومن الصعب أن يقابل تصوّر الأدب بمفهوم واحد يسهل ضبطه بقصد أو بتواطئ ، لأن الأمر متعلّق بوصف تجربة ونقل رؤية للعالم تغدوان إحدى إمكانات المعرفة الإنسانية . ولأجل ذلك ، تكمن " حقيقة " النص الأدبي في " الممكن " الذي يعلنه خطابه وفي الأثر الذي تخلّفه قراءته .

    هذا اعتبار أساسي ومركزي أوقع المؤلف والمترجم ( كل واحد بحسب استدلالاته ) في حبائل إغراءات البحث الأدبي وجدوى تدريسه ودراسته ، مما يقرّب هذا الكتاب من إطار نظرية أدبية منفتحة على سياقات متنوعة من التداول والتلقي للمفاهيم والنصوص. من هنا ، فإن إحدى إسهامات هذه الدراسة ترتبط ببحث موضوع الأدب بتلازم مع المقاصد التي تجعل منه " مادة " قابلة للتدريس . ينجم عن هذا أن العلاقة بين ماهية الأدب ووظيفته وجدواه تتمّ من خلال النصوص والكتابات التي يمنحها المجتمع قيمة فكرية مستقاة من الواقع والمتخيل والإيتيك والإستتيك ، أي مستقاة من وعي يستوعب مفارقات الحياة عبر لغة متجددة وذوق أدبي رفيع ومرهف .

    حين عاد دافيد دينبي في خريف عام 1991 للمرة الأولى ، وبعد ثلاثين سنة ، إلى جامعة كولومبيا وجد نفسه برفقة شباب يقرأ بجانبهم نفس الكتب التي قرأها من قبل . قرؤوا جميعا هوميروس وأفلاطون ، سوفوكليس وسانت أوغسطن، كانت وهيجل ، ماركس وفيرجينيا وولف ، نفس الكتب ونفس الدروس التي تلقاها للمرة الأولى عام 1961 .

    بدراسته لبعض الأعمال الكلاسيكية للآداب الأوروبية ، وفهم الخلفيات الثقافية والمعرفية العامة للحضارة المعاصرة من خلال أعمال فلسفية وأخرى متعلقة بالنظرية الاجتماعية والتاريخية ، يعرض دافيد دينبي في هذا المؤلف لجدوى دراسة " الكتب العظيمة " التي تميز " الحضارة الغربية " وتظهر قيمة التعبير الأدبي والفني والثقافي العام من منظور خصوصية الكتابة ورهانات القراءة .

    في ارتباط بما سلف ، لا يعرض دافيد دنبي في هذه الدراسة لانطباعاته حول تلك الكتب العظيمة ولا يحرر دروسا بشأن ملخصات كتب حظيت بمكانة خاصة في تاريخ الأدب والفكر الأوروبي ، ولكنه يقترح ( ضمنيا ) البحث عن مبررات الحاجة إلى الأدب من غير التزام بإنتاج مفاهيم نظرية أو إجرائية مستخلصة من النصوص الأدبية ذاتها .

    ما الذي يجعل من الضروري إيلاء الحاجة إلى الأدب هذا الاهتمام المنفتح على خطاب ثقافي وفلسفي وفكري ؟

    هذا سؤال يثير ، في نظري ، وجهة نظر جديرة بالتأمل لأنه يقرن هذه الحاجة إلى الأدب بسؤال وظيفة الأدب وخيارات القراءة الأدبية . وبقدر ما يكون الأدب موضوعا للقراءة ، فإنه يكشف ، في الجوهر ، عن مفهوم للأدب وللقراءة يخرجه من دائرة المعطى الإشكالي المشدود إلى منطق علاقتهما بالواقع والتلقي ، ويلقي بهما في دائرة أخرى أكثر اتساعا تسندها قيم الفكر والمجتمع والتاريخ والإيديولوجيا والتقاليد الأدبية السائدة في الحضارة الغربية .

    إن بحثا كهذا يثبت جملة من الإمكانات التي يمكن اقتراحها على محك الطرح النقدي أسوقها فيما يلي من فقرات :

    1 . عدم اقتران الحاجة إلى الأدب بمجرّد الرغبة في التحصيل ، ما دامت فكرة القراءة ذاتها هي توسيع لأفق يعني أن إعادة قراءة النصوص الأدبية يعادل اكتساب نمط من التفكير تغنيه المرجعية الثقافية والاجتماعية .

    2 . تستطيع كتب الأدب أن تدوم وتخترق الأزمنة والأمكنة ، وهذا دليل آخر يمكن الاستعانة به في فهم قيم المجتمع والثقافة وإدراكها بحسب ما يوافقها من حقائق الراهن.

    3 . تفتح " لذة القراءة " الطريق نحو الفهم . وفي هذا السياق يكون الانتقال من كتاب إلى آخر ، ومن مقطع موسيقي إلى آخر ،  سبيلا لوسم تلك اللذة بما يدعوه دينبي بروح الإبداع . وهذا توافق يحققه فعل القراءة كمعادل موضوعي لفهم النص الأدبي انطلاقا من النص ذاته بصرف النظر عن التعيينات الأنطولوجية التي يمكن إيجادها بين الأدب والحياة .

    لأجل هذه الغاية ، فإن دراسة دافيد دينبي تعرّف - من منظور ذاتي - كتبا أدبية وفلسفية وثقافية عامة وتتناولها بالتحليل اعتبارا لقيمتها الفكرية والتاريخية وتأكيدا لمكانة القراءة في المجتمع المعاصر أمام هيمنة وسائل الإعلام والتواصل . وعلى هذا الأساس، يبيّن دينبي أن مفهوم الأدب ليس " متعاليا " ولا " كليا " ولا يكتسب قيمته إلا من اعتبار قراءته حوارا قادرا على تقديم " تفسيرات " ممكنة لأسرار الحياة .

    تفسير الأسرار يعني : أن كتابة الأدب تتمّ ، على نحو مفترض مسبقا ، بقصدية توافق صلات الأدب بالمجتمع ، كما أن قراءته لا تكون فقط من أجل المتعة ، بل من أجل أن نتعلّم كذلك كيف نحيى .

    لقد أضحى الاهتمام بقراءة الأدب ، في العديد من الدراسات المعاصرة ، أحد المصادر الأساسية التي تحرز للأدب تقديره الخاص حين يساعد على بيان جدواه والقصد من تأليفه . كما أن الاهتمام بدراسته وتدريسه يمكننا من فهم وظائفه الفنية والمعرفية بصرف النظر عن الزمن والمكان الذي كتب فيه . لقد حاولت النظرية الأدبية على اختلاف مرجعيتها أن تبين الكيفية ( ات ) التي تثبت - أولا وقبل كل شيء- أن الأدب موضوع قابل للدراسة ليس باعتباره نصوصا معزولة ، بل بوصفه تصوّرات معرفية ذات صلة بالواقع والحياة . وهذه إحدى الخلاصات المبدئية التي تجليها دراسة دينبي ، ورغم طابعها التعميمي فإن فكرتها الأساس تعني أن الإبداع الأدبي ينبثق من رؤى لا تكتسب وظيفتها الاجتماعية والثقافية إلا من ضرورة " تفعيلها"  في علاقتها بالحياة اليومية بعيدا عن المواقف المثالية أو الميتافيزيقية . وبذلك ، تكمن قيمة دراسة دافيد دينبي في كونها تعلّمنا كيف نجعل من قراءة الأدب نشاطا يوميا مثل الأكل والنوم أو الذهاب إلى المسرح والسينما والكلام مع الأصدقاء .

    إن الصعوبات التي يواجهها المرء وهو يحاول الإجابة عن سؤال من قبيل : لأي شيء يصلح الأدب ؟ تتعلق في جزء كبير منها بمقاربة جدوى الأدب والحاجة إلى ضرورته . من هذه الناحية ، يؤكد دافيد دينبي أن قيمة الأدب لا تكمن في محاولة بيان كيفية انتصار المثال على الواقع ، بل تكمن في العلاقة التي يقيمها الأدب مع تعدد الواقع في الزمن والمكان بهدف بلورة " موقف نقدي " على صعيد الثقافة والتنظيم الاجتماعي .

    ليست هناك حقائق ثابتة أو مؤكدة يعلن عنها الخطاب الأدبي . معنى ذلك ، أن قراءة الأدب يمكنها أن تنبني ، من المنطلق إلى المحصّلة ، على رؤية للعالم يعاد تمثلها وصياغتها كلما تنوّعت مصادر الفكر والثقافة التي تسود خلال هذه الفترة من التاريخ أو تلك . ولذلك ، فإن الحديث عن حقائق الأدب يفترض فيه أن يكون محكوما بفعل الكتابة والقراءة على حدّ سواء ، أي أن يكون محكوما من جهة بتصوّر للكتابة ، ومن جهة ثانية بإنجاز للقراءة يمكّن ذلك التصوّر من إقامة علاقات فكرية مع العديد من السياقات الثقافية التي تفرزها أبعاد حضارية قائمة أو مفترضة .

    هذه خلاصة إضافية استنتجتها من قراءتي لبعض فصول دراسة دافيد دينبي ، وحين أقرن من خلالها سؤال الكتابة الأدبية بسؤال قراءتها فلأن تحليلات دينبي تتخلى عن الاسترشاد بالوصفات الجاهزة في قراءة الأدب ، وتوجّه الاهتمام نحو قراءة ثقافية لا تتخلى عن روح العصر في إنجاز الفهم أو التأويل وتنتفي فيها الحدود بين الزمن الماضي والمستقبل ، أي أن جدوى الأدب والحاجة إليه لا يحدّها حيز اجتماعي وتاريخي جاهز أو معهود ، بل إنهما دليل حياة ووجود وحقيقة كينونة : فكيف يمكن أن نجعل من قراءتنا للأدب وسيلة من وسائل تجديد علاقتنا بوجودنا وتاريخنا وبتقاليدنا الثقافية الموروثة والحاضرة ؟

    مجرّد سؤال فقط …

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   ·   DAVID DENBY : A quoi sert la littérature ? Robert Laffont , Paris , 1999 .  

   Titre original : GREAT BOOKS , 1996 .       

 

 

 

                         

 

 

 

 
 
 

 

 
 

ضيوف الموقـع

 

عبد الفتاح الحجمري

 

دراســات

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

معجم السيميائيـات متابعـات نقديــة ترجمــــات

دراســــات

 مؤلفــات بطاقة تعــريف الصفحة الرئيسيـة
للاتصـــال  مواقـــع   خزانات الموقـع صحف ومجـلات رسائل وأطروحـات وحدة تحليل الخطاب مجلـة عــلامات

موقع سعيد بنگراد - تاريخ الإنشاء: نونبر 2003