معجم السيميائيـات متابعـات نقديــة ترجمــــات

دراســــات

 مؤلفــات بطاقة تعــريف الصفحة الرئيسيـة
للاتصـــال  مواقـــع   خزانات الموقـع صحف ومجـلات رسائل وأطروحـات وحدة تحليل الخطاب مجلـة عــلاما

 

محمد أقضاض

قراءة في رواية "الحمار الذهبي" لأبوليوس

 

 

 

 

أ ـ تقديم:

 

"الحمار الذهبي" أو "التحول"، رواية كتبها الكاتب، الأمازيغيي الأصل، أبوليوس، الذي عاش في القرن الثاني الميلادي. ولد بـ"مادورا" في "نوميديا"- الجزائر حاليا -. حوالي سنة 125 بعد المسيح، في عائلة غنية. كان فيلسوفا وأديبا وخطيبا. تمكن من ثقافة عصره، اهتمت أسرته بتعليمه تعليما متميزا. فقبل أن يسافر إلى اليونان كان متمكنا من اللغتين اللاتينية واليونانية. وليتمم معرفته بثقافة عصره سافر إلى اليونان، حيث قضى سنوات في دراسة الفلسفة متتلمذا على الافلاطوني ﮔايوس Gaius. فقد انجذب إلى الافلاطونية في صورتها المعدلة بالبيطاغورية. وعمق معرفته بالشعر وعلم الفلك والموسيقى والجدل، رغم أن هذه المجالات العلمية لم تكن غريبة عنه[1] حتى قبل أن يسافر إلى اليونان.

 "والسنوات التي قضاها في اليونان لم ينشغل فيها فقط بالعلوم التي ذكرناها، بل تعاطى فيها لمعرفة الطقوس الدينية ذات الأصل الشرقي، التي كانت منتشرة آنذاك في العالم اليوناني ـ الروماني. وقد ترك اهتمامه بتلك الطقوس أثرا عميقا في روايته هذه "الحمار الذهبي"[2]. حين أتم تكوينه في اليونان سافر إلى روما حيث قضى فترة طويلة اشتغل فيها محاميا. ثم عاد إلى مسقط رأسه وسنه لم تتعد الثلاثين سنة. ثم سافر إلى القسطنطينية، التي كانت قبلة لتحصيل العلم في هذا الزمن، فاتهم بممارسة فنون السحر، وقد تزوج بأرملة جد غنية، بعد الزواج مات أحد أبنائها فاتهم أبوليوس بقتله من خلال استعمال فنون السحر. فتعرض للمحاكمة سنة 157،ورافع عن نفسه في المحكمة، بمرافعته المشهورة "أبولوجيا السحر Apologia, de Magia / Prose de Magia ". بعد المحاكمة رجع واستقر في قرطاجنة، حيث اعتكف على تعميق معرفته والدفاع عن آرائه[3].

ورغم أن بعض الباحثين يرون أن هذه الرواية، "الحمار الذهبي"، ليست من إبداع أبوليوس نفسه، بل هي في الأصل رواية بنفس العنوان Metamorfosis، رواية مطولة تنسب لكاتب يوناني "لوتيو دو باترا Lucio de Patra"، هو الشخصية الرئيسية في الرواية بل هو ساردها أيضا، وأكثر الأماكن في الرواية تعود إلى العالم الهليني، لذلك، يرون أن ما ينسب لأبوليوس ربما هو تلخيص للأصل اليوناني المذكور[4]. بل إن الترجمة الفرنسية للرواية تقول، في الصفحة الأولى من الكتاب الأول في النص، على لسان السارد: "هذه الرواية التي أبدأها الآن هي يونانية"[5]، بينما تنص الترجمة الإسبانية على قول السارد: "نبدأ، إذن، بحكاية ذات أسلوب يوناني"[6]، وواضح الفرق بين الصيغة التعبيرية في الترجمة الفرنسية، والصيغة التعبيرية في الترجمة الإسبانية، والترجمتان تنسبان الكلام لكاتب الرواية، أبوليوس. فالصيغة الفرنسية تنزع طابع الإبداع عن الكاتب، فهي مجرد "رواية يونانية" يعيد الكاتب كتابتها، بينما الصيغة الإسبانية تؤكد على أن الرواية من إبداع الكاتب ضمن أسلوب يوناني، كان معروفا.

رغم ذلك كله فإن أبوليوس في هذا النص يبين عن قدرته الخارقة في طريقة الحكي، وعن مجال معرفي شامل في كافة مستويات المعرفة، وعن طاقة جبارة في التخييل وتوليد الصور، وعن إمكانية خاصة في نقد المجتمع اليوناني ـ الروماني، من خلال عمل أدبي، هو الرواية، وعن خبرة متميزة بذلك المجتمع طبقات وفئات على امتداد الهرم الاجتماعي.

 

ب ـ البنية الحكائية:

 

تقوم هذه الرواية على طريقة خاصة في تركيب حكاياتها، فالنص هنا هو جذع شجرة حية تمتد فروعها فارعة بأغصان رقيقة بضة. يمثل الجذع قصة لوتيو Lucio من السطر الأول الذي يعلن فيه مقصدية كتابه: "أريد بهذه الكتابات أن أجمع لك، أيها القارئ، بعض الحكايات النثرية الميليتية[7]. وإذا عمدت إلى قراءة هذا الورق المكتوب بيراع رقيق، فإني أشنف أسماعك بسرد متنوع ممتع، وأنا متأكد من إعجابك بتعاقب أوضاع رجال يتغير شكلهم وشرطهم، ثم يسترجعون من جديد صورتهم الأولى، حسب ما يهمهم"[8]، إلى أن تحول إلى حمار، ثم استرجاعه شكله الإنساني في نهاية الرواية. ينسج كيان هذا الجذع بقصص تبدو استطرادية وأحيانا مستقلة عن بعضها. غير أنها في العمق متماسكة إذا نظرنا إلى طبيعة أسلوبها، وإلى تشابك تيماتها المتكاملة، وإلى مقصديتها الدلالية كعمق نقدي للمجتمع، وإلى الرغبة في تمتيع القارئ، بالحكي.

بعد عبارات حول منشئه وحول تعلمه، يبدأ السارد لوسيو Lucio حكي قصته، فيلتقي، وهو مسافر، بثلاثة رجال يتحدث أحدهم عن خوارق السحر، يطلب منه البطل أن يحكي كي يروي ظمأه من معرفة كل ما يجري، وكي ينشغل عن وعث السفر. فيلتقط الرجل خيط الحكي حول امرأة متقنة للسحر، بطاقة خارقة تتحكم بها حتى في الآلهة. والقصة طويلة تمتد على مسافة عشر صفحات. تتداخل في هذه الماكرو قصة أربع ميكرو قصص، قصة السارد الثاني، الذي قدمه السارد الرئيسي، وقصة السارد الثالث، الذي يسمح له الثاني بحكي ما عاشه، وقصة المرأة الناضجة الجميلة الساحرة، وقصة يحكيها السارد الثاني أيضا تقع، عبر مخيال واسع وبلا حدود، في برزخ بين الواقع والحلم/الكابوس... تنتهي هذه القصص ويعود السارد الأول إلى قصته، يستأنف سفر الحكاية في سفره[9].

وتبدأ نقلة أخرى، خلال الكتابين الثاني والثالث من الرواية، في مسار قصة البطل يتعرف فيها على شخصيات وطقوس مثيرة، نقرأ قصصا أخرى، قصة بيت الثري، وقصة أخت أم السارد من الرضاعة، امرأة متقدمة في السن ولكنها غنية وجميلة وعارفة بأسرار المدينة... وقصة الشيخ الذي يقرأ المستقبل، وقصة الشاب الذي حرس جثة زوج، خوفا من أن تقطع الساحرات المتحولات بعض أطراف وجهه، فقطعن أنف وأذني الحارس نفسه. وقصة زوجة الرجل الميت. وقصة خادمة ميلون الشابة الجميلة التي أحبت البطل وأحبها. وقصة زوجة الثري الساحرة. وقصة عيد الضحك...

 بنيت هذه القصة الأخيرة بخدع فنية غريبة عن السرد القديم، فقد أمضى البطل جزء من ليله عند المرأة الثرية، التي أشرنا إليها، ومع منتصف الليل اضطر للعودة إلى مستقره في منزل ميلون، وقبل أن يصل إلى باب المنزل شاهد ثلاثة شبان يحاولون اقتحام الباب، أراد أن ينهرهم فهاجموه واضطر إلى الدفاع عن نفسه بسيفه فقتلهم جميعا. في الصباح أتى رجال الشرطة وأخذوه إلى المحكمة ليقاضوه على جريمته النكراء، حيث قتل ثلاثة شبان وهم في أعز أيامهم.

 جرت المحاكمة في قاعة مسرح، حضر الشهود شهدوا ضد المتهم أثناء المحاكمة. اقتنع السارد/المتهم أن يكون مصيره الموت لا محالة فاستغرق في البكاء. وإمعانا في توتيره وإهانته، أمره القاضي أن يزيح الغطاء عن الجثث الثلاث، حاول الرفض، دون جدوى، وحين أزاح الغطاء عن الجثث اشتد اندهاشه، إذ لم يجد جثثا وإنما ثلاث قرب مثقوبة. بينما كان جميع من حضر المحاكمة يستغرق في الضحك دون انقطاع، ماعدا المتهم الذي كان ينتظر مصيره النهائي. عرف فيما بعد أن المحاكمة هي قصة مختلقة احتفاء بإلاه الضحك في عيد الضحك، ليصبح شخص البطل مشهورا ومحبوبا يرضى عليه هذا الإلاه...

 لم يكن البطل يعرف هذا التقليد في المدينة، التي حل فيها، لذلك صدق في البداية ما حدث. غير أن ما كان يجهله، هو وجميع سكان المدينة، هو سر تلك القرب. كانت زوجة ميلون ساحرة، كلما وقعت عيناها على شاب جميل عملت على استدراجه بفنون السحر. مرة رأت شابا يحلق شعر رأسه عند حلاق، بجوار بيتها، فأمرت خادمتها أن تأخذ خصلة من شعره المقصوص، غير أن الحلاق ضبط الخادمة ونزع منها الخصلة ونهرها. لم يكن من الممكن أن تعود إلى مستخدمتها بدون تلك الخصلة، فمرت برجل يعالج جلود المعز، وأخذت خصلات سقطت من تلك الجلود شبيهة بشعر الشاب، سلمتها للساحرة.

هددت الساحرة الشمس أن تغطيها بالظلام إن لم تسحب أشعتها بسرعة ليحل الليل. ومع حلول الظلام بدأت ممارسة طقوس السحر وأحرقت الخصلات، وما كان على جلود المعز إلا أن تحضر في شكل ثلاثة شبان أثناء منتصف الليل. حين عاد البطل إلى البيت ظن أنها لصوص أقوياء أرادوا سرقة بيت مضيفه وقتل من فيه، حين ذاك جرد سيفه فطعنهم واحدا واحدا، وفي الغد جر القاتل إلى المحكمة.

جزء من هذه القصة حكاه البطل، وجزء منها حكاه القاضي وبعض حاضري المحاكمة، وبعضها حكته خادمة ميلون. هي قصة واحدة ولكنها تحتاج لإدراكها إلى عمليات حفر: قصة القتل هي القشرة الأولى توجد تحت القشرة طبقات قصصية: هي قصة المحاكمة التي ظن المتهم أنها حقيقية، بينما القضاة يعرفون أنها مسرحية تجري أيضا في قاعة للمسرح. تحت هذه الطبقة الثانية توجد قصة الضحك التي يعرفها أهل المدينة، تحت هذه الطبقة الثالثة توجد الطبقة الأعمق هي التي لا يعرفها سوى زوجة ميلون وخادمتها... ورغم أن هذه القصة متماسكة، لها بداية وعقدة ونهايات إلا أن ساردها متعدد، الطبقة الأولى يسردها البطل نفسه، الطبقة الثانية يسردها رئيس الشرطة والقاضي، وأيضا، أفراد من المدينة بمن فيهم أخت أم البطل من الرضاعة، وقد لمحت له سابقا بأن يكون هو أحد أبطال عيد الضحك، قبل أن يمارس عملية القتل. القصة الثالثة تحكيها خادمة ميلون. هذه التقنية المركبة والمتراكبة، في قصة واحدة، هي إحدى التقنيات التي اشتغلت عليها هذه الرواية، ولولا الأجواء السحرية فيها لكانت من أنجح التقنيات الروائية المناسبة للرواية الحديثة والمعاصرة.

بين تلك القصص البانية وخلالها تندس قصص قصيرة متنوعة ومتناسلة، من مثل قصة اتهام زوجة الميت الذي حرسه المجدوع الأنف المقطوع الأذنين، وهي رغم قصرها تدل على انتشار الفساد في المدينة، وانتشار الحيل السحرية أيضا إلى جانب انتشار الجريمة. وقصص قصيرة جدا عبارة عن جملة أو جملتين بصيغ مختلفة استفهامية أو تقريرية أو تعجبية، من مثل "ألا تعرف أننا لا نقبل إلا الذهب والفضة في البيع؟"[10]، حين تقدم البطل يبحث عن صديقه الثري والبخيل ميلون Milon، فأجابته خادمته بهذه العبارة، تدل، وهي في صيغة استفهام استنكاري، على مكانة المعدنين الثمينين وعلى مستوى اكتنازهما وعلى مستوى الطبقات المتعاملة بهما. تبدو مثل هذه القصص زائدة، غير أنها تؤدي وظائفها الدلالية والتعبيرية، كعناصر للسخرية والاختزال والتفسير والزخرفة الفنية أحيانا.

بعد أن عرف البطل، قصة الساحرة زوجة ميلون، حين هيأت طقوسا لاجتذاب شاب جميل ووسيم، هذه المرة بتحولها لطائر البوم، تمكن البطل، عبر الخادمة، من ملاحظة ما تقوم به الساحرة حتى تحولت إلى ذلك الطائر فرفرفت ليلا في السماء. أثاره هذا العمل فأراد أن يجرب تحوله إلى نسر إلاهي، وطلب من حبيبته الخادمة أن تساعده على ذلك، رفضت، في البداية، لأنها لا تطيق فراقه، فألح عليها أن تعرفه على الترياق الذي يعيده إلى طبيعته البشرية بعد أن يجرب حظه مع السحر، وربما يصبح حقا نسرا إلاهيا، أجابته بأن يمضغ بعض الورود.

 أخرجت له من صندوق السحر، الذي تجمع فيه مستخدمتها أدواتها، علبة مادة التحويل، طلى جسده العاري بزيت، أخذه من تلك العلبة، فحاول أن يطير، دون جدوى. تحسس جسده فأحس بشعر كثيف ينبت على جلده الذي اخشوشن، تحول إلى حمار. هذه قصة تمتد إلى آخر الرواية حين عاد البطل إلى شرطه الإنساني، بمساعدة إلاهة النور إيزيس المصرية. تنبني هذه القصة بشبكة متداخلة من القصص، منها قصة دخول البطل/الجحش الإسطبل وما حدث له مع حصانه وعبده وحصان وحمار مضيفه. وقصة هجوم اللصوص على بيت مضيفه واستحواذهم على كل أمواله الضخمة، التي نقلوها على الدواب الثلاث ـ ضمنهم البطل/الحمار ـ، هذه القصة أيضا تنبني بقصص متداخلة، تحكي عن السفر مع اللصوص وعن مغامرات اللصوص، وعن محاولته هو للتخلص من حاله ومن اللصوص أيضا.

غير أن القصة الأكثر إثارة، ربما في الرواية كلها، هي اختطاف لصوص لفتاة رائعة الجمال يوم زفافها، في انتظار الفدية. واللصوص بكثرتهم يلتقون في غار حولوه إلى مسكن ومخزن في نفس الوقت. لم تتوقف الفتاة عن النواح والبكاء. في الكهف كانت عجوز شمطاء هي التي تهيئ للصوص حاجاتهم من الأكل والشرب والنظافة. بقيت العجوز تواسي الفتاة بلا جدوى. ولتهدئ روعها وتمتعها، قصت العجوز للفتاة قصة "بسيكي Psique وكوبيد و Cupido". هي قصة طويلة أيضا تتحرك على امتداد الكتاب الرابع والكتاب الخامس والكتاب السادس خلال خمسين صفحة، وهي في الحقيقة أطول قصة في بنية الرواية.

نسجت هذه القصة الطويلة بعدة قصص مطولة وقصيرة، أحيانا جد قصيرة، تندرج ضمن عدة مستويات تخييلية: قصص لشخوص بشرية أرضية، وقصص لشخوص إلاهية، وقصص لكائنات في العالم الآخر عالم ما بعد الموت. تشكل قصتي بسيكي و كوبيدو العمود الفقري لتلك المستويات. فبسيكي أصغر ثلاث فتيات بنات ملك وملكة، وهي أجمل امرأة على وجه الأرض إلى درجة أنها نافست الإلاهة بينوس في جمالها. أصبح الناس يزورونها ويتأملون جمالها، وينسون بينوس. ولم يجرؤ أحد على التقدم للزواج بها. وقد أثار جمالها غيرة الإلاهة بينوس فأقدمت على أن تعذبها أشد عذاب، لذلك أرسلت ابنها الإلاه كوبيدو الشاب الطائش، ليصيبها بأحد سهامه، سهم الحب، ويجعلها هائمة، في نفس الوقت لا تتزوج إلا شقيا بئيسا يعذبها. غير أن الشاب وقع في حبها وتزوجها في غياب أمه بينوس. تزوجها في قصر رباني دون أن تتعرف الزوجة على شخصه وهيأته، يعيش معها ولا يظهر لها.

 عاشا أياما مطلقة المتعة. إلى أن عرفت أختاها، عبر ريح مسخرة، قصرها، حسدتاها فدبرتا لها وسيلة للانفصال عن الزوج الإلاه، أقنعتاها بأن زوجها هو وحش على شكل أفعى، سيلتهمها يوما ما، لذلك عليها أن تقتله قبل أن يلتهمها، دفعتاها إلى رؤيته ليلا وهو نائم، وإلى ذبحه بسكين حاد... لذلك تهيأت، أشعلت فانوسا خلال الليل، وزوجها غارق في النوم، بدا لها شخصه في منتهى الجمال والشباب، فغرت فاها، تلمست أطرافه وشعره، وربما غار منه الفانوس أيضا فقطر قطرة زيت أصابت كتفه اليسرى، استيقظ الزوج، أنب زوجته على خرقها ميثاق زواجهما. طار بجناحيه في السماء، تشبثت بسيكي بقدميه إلا أنها سقطت أرضا. أصبح كوبيدو إلاها للحب، سكن الحب كيان الفتاة كما سكن كيان الشاب الإلاه.

 تاهت الفتاة بين سطوة الحب وسلطة الآلهة، خاصة بينوس أم إلاه الحب التي أصبحت تبحث عن بسيكي بكل طاقتها كإلاهة... وكان لابد أن ينتصر الحب رغم أنف بينوس، وبأمر من جوبيتير تزوج الشابان اللذان كانا ينتظران مولودة. وأصبحت الفتاة الأرضية، وابنتها، ضمن أسرة الآلهة.

تناسجت هذه القصة، المركبة من قصتين، قصة الفتاة الأرضية وقصة الشاب السماوي، بقصص جزئية بانية: بعضها أرضي من مثل قصص أب وأم وأختي بسيكي وزوجي الأختين. وقصص النمل الذي ساعد الفتاة في فصل الحبوب عن بعضها في الوقت المناسب قصد إنقاذها من عقاب بينوس. والقصب الذي وجهها لأخذ الصوف الذهبي دون أن تتعرض لفتك النعاج... وبعضها إلاهي، من مثل قصص بينوس وصديقاتها والإلاه الراعي وإلاه الريح... وقصص هامشية، قصة النعاج ذوات الصوف من ذهب، وقصة ماء الحياة والنسر الإلاهي الذي أنقذ الفتاة. وقصة جدار القلعة الذي وجهها في بحثها عن الجمال المطلق الذي عليها أن تأتي به من عالم تحت أرضي، عالم الأموات لتسلمه للإلاهة بينوس... هي مستويات تمثل ألوانا مختلفة نسجت خيوطها نسيج حكاية الحب بين فتاة أرضية وشاب سماوي، بألوان زاهية اشتغل عليها خيال مبدع جبار، يجعل المتلقي مشبعا بالمتعة منتظرا باستمرار المفاجآت الجميلة والمرعبة، أحيانا.

هذه القصة الرئيسية، قصة بسيكي وكوبيدو، في الرواية، هي قصة كذلك تبدو استطرادية، انبثقت من حكاية اللصوص ضمن حكاية البطل/الحمار. وحين يقبل القارئ على نسيان القصة الرئيسية تلك يعود السارد/البطل إلى[11] التقاط خيطها، وكأن القصة الاستطرادية قد أدت أدوارها في تشابك مستوياتها وعناصرها، أدوارا داخلية، من مثل تمتيع الفتاة المختطفة وجعلها تنسى مأساتها، وتوسيع فضاء الحكي لخلق أجواء عجائبية مثيرة بانية للقصة الرئيسية، وتنويع السارد، فالسارد هنا هو المرأة العجوز أساسا. وأدوارا خارجية، ضمنية، موجهة إلى المتلقي قصد إشباع رغبته في المتعة العجائبية، وتوجيه الخطاب للقارئ اللبيب حين يسخر البطل/ السارد من الآلهة في عجزها وفي غيرتها وطيشها، بحيث لا تختلف في الانتقام والغيرة والطيش عن بني البشر، وفي أن الجمال وقوة الصبر والتحمل ليس حكرا على الآلهة فقط، بل هي أيضا قيم من حظ أبناء الأرض. ثم أن الحب والخير ينتصران حتى على تلك الآلهة نفسها. وهي سخرية تقع في عمق نقد المنظومة الدينية الاعتقادية عند اليونان، كما عند الرومان، قبل المسيح. وأن ذلك التعدد القصصي الواسع جدا يتم سرده أيضا بأصوات سردية متعددة بعضها بلسان البشر، وبعضها بلسان الحيوان، وبعضها بلسان الجماد، وبعضها بلسان الآلهة.

تنبني هذه الرواية، حكائيا، بطرق مختلفة ومتكاملة، فهي تتخذ طريقة الحكاية الشعبية في تتالي وحداتها الحكائية القصيرة على شكل سلسلة مرتبطة الحلقات، وهي طريقة تمثل جذع وقامة القصة الرئيسية الطويلة هنا. وتتجاوز البنية الحكائية الشعبية، فتتفرع كل حلقة إلى حلقات متداخلة بعضها واسع وبعضها ضيق، ملونة بألوان قزحية، فيها ما يرتبط بالأرض والإنسان والحيوان، وفيها ما يرتبط بالماء والنبات، وفيها ما يرتبط بالألوهية والسماء، وفيها ما يتعلق بالعوالم التحت-أرضية، فيكون القارئ ليس أمام تتابع اكرونولوجي فقط بل وأيضا أمام دوائر متقاطعة ومتماوجة، أمام شجرة متداخلة الأغصان وارفة، تنمو عموديا كما تنمو أفقيا. "هي قصة مسترسلة، تتداخل إيقاعاتها دون أن تتناقض. فتتكون من القصص الساخرة والكاريكاتورية، والقصص الطريفة، وقصص الجرائم وقطاع الطرق، وقصص الحب العذري، وقصص الفسق... قصة تتفرع إلى حكايات متشابكة ولكنها تتعلق كلها بالجذع الأصلي..."[12].

 والملاحظ أنها رواية مغامرة في مداليلها ودلالاتها، "حقيقة هي رواية المغامرات، في تتبعها لإحدى الشخصيات، تراكم حولها عدد كبير من النوادر. نحن أمام رواية خطية، غير أن هذه الخطية تتجزأ إلى أجزاء، ربما منحلة، في جداول سردية. وذلك يجعل البنية السردية للنص معقدة"[13] متداخلة. لعل ذلك ما جعل بعض القصص القصيرة جدا، أو بعض الوحدات الحكائية الصغرى، تنبت في حكايات شعبية كثيرة مازالت حية إلى الآن، وجعلت بعضها تنتشر حتى في الكتابات الروائية والقصصية الحديثة أو تلهمها، وكأنها مشاتل يمكن أن تستنبت في أية تربة وفي أي مكان وأي زمان.

وإذا كان السرد هو المهيمن في هذا النص، فإن السارد قد نوع أيضا في الخطابات المكونة للبنية الحكائية. وقد اعتمد على طاقة خاصة من الوصف الدقيق، لنتأمل هذه الفقرة المتعلقة بدخول البطل إحدى منازل ثريات المدينة: "كانت هناك موائد فاخرة مصنوعة بخشب السند المطعم بالعاج اللامع، وسجاد أخاذة منسوجة بخيوط من ذهب، وكؤوس كبيرة زجاجية بمختلف الأشكال والألوان الفائقة الجودة، بعضها زجاجه غير مشوب، وبعضها مزركش بخيوط فضية، إلى جانبها توجد أواني ذهبية، أو من بلورية، وحتى من الأحجار الكريمة، منظمة ومرتبة بانتظام. والجواري متسربلات بثياب لامعة عجيبة، يقدمن الأطباق بأناقة وغنج، وغلمان بشعر مجعد يتحركون برشاقة نادرة يصبون الخمور المعتقة في كؤوس مجوهرة بالأحجار الكريمة. أشعلت الأنوار ودار الحديث بين المدعوين، يتخلله الضحك والسخرية"[14].

تعج هذه اللوحة، الواصفة لبيت أرستقراطي، بالحركة رغم أنها جمدت السرد، فالجواري يتنقلن من طاولة إلى أخرى، والغلمان بحركات رشيقة بين الحاضرين يصبون الخمور، الأحاديث والضحكات تملأ المكان. وفي نفس الوقت تدل هذه اللوحة على الغنى المفرط الذي تمتعت به قلة من أهل روما وأيضا أهل اليونان، لذلك انتشر الفقر وانتشرت اللصوصية في كل مكان. وتؤشر هذه اللوحة على القدرة الفائقة التي يتمتع بها السارد/الكاتب في وصف جزئيات المكان ودقة التنقل بين الأشياء والناس، في وصف دقيق وحركي وعجائبي أيضا دون أن يغرقها بالمسوح البلاغية، وعلى قدرة تطويعه للغة اللاتينية في مستواها الشعري والبلاغي المتميز.

 ويمكن أن نقف أيضا عند هذا الوصف لجمال الشاب الإلاه زوج بسيكي. تأملته زوجه حين أرادت اكتشافه أمام ضوء الفانوس، "رأت الشعر المذهب الكثيف المعطر بالعنبر، والجبهة البيضاء الصافية، شعرا مسرحا وبخصلات مجعدة متموجة حول العنق العاجي والخدين المتوردين، بعض تلك الخصلات يطل على الوجه وبعضها مسرح إلى الوراء. أمام ذلك الوجه الشديد الإضاءة ضعف ضوء الفانوس نفسه. في ظهر الإلاه المجنح يلمع جناحان نديان مثل الزهور المتفتحة، ورغم النوم، يتلاعب فيهما ريش ناعم لامع. أما باقي الجسد فكان أجمل بل ورائع. بحيث لا يمكن لبينوس أن تندم على أنها أنجبته..."[15].

 فتم التركيز على الجزئيات المتعالقة المبينة لروعة الوجه الألوهي، بدءا من الشعر الذي يمثل قيمة جمالية خاصة عند السارد، بلونه وطريقة تسريحته وعطره، ثم الجبهة البيضاء المحاطة بالشعر الذهبي اللون، فالخدان... وصف مثير جعل ضوء الفانوس فاترا أمام إشراقة الوجه السماوي... تتجلى في ذلك الوصف قدرة الكاتب على الوصف الجميل باللغة التي تطبعها مسحة فنية أجمل، وعلى طاقة التخييل الجامعة بين المتباعدات من الجمال الإلاهي والذوق الأرضي.

بين اللوحات الواصفة في هذه الرواية، والتداخل الحكائي الغني والمتنوع، وعدد الأصوات الساردة، إلى جانب الصوت المهيمن صوت البطل، تنتشر أنماط خطابية تساعد على بناء النص، من مثل خطاب المرافعة[16]، وبعض المشاهد المسرحية على شكل حوارات مطولة، بل وعرض مسرحي في قاعة للمسرح حيث جرى تمثيل محاكمة البطل... وخطابات شعرية، أحيانا متضمنة في القصص وأحيانا مستقلة[17]، بل وحتى الميتناصات المعبرة على دراية السارد بفن السرد ووظيفته، كما رأينا في المدخل... وهو ما يجعل الرواية متنوعة الخطابات السردية وغير السردية وأكثر تعقيدا، تؤكد أيضا على تمكن المؤلف من أساليب السرد والوصف وبلاغة الخطاب.

 

ج ـ بنية الشخصيات:

 

تبعا للبنية الحكائية المركبة للنص، توجد كائنات شخوصية فائقة التنوع، ضمن فضاءات تكاد تكون بلا ضفاف. فيها تتحرك شخوص سماوية، من مختلف الآلهة، بعضها إغريقي وبعضها روماني وبعضها مصري. آلهة كبيرة وأخرى صغيرة، بعضها ذكور وبعضها إناث، لها مهام مختلفة: من آلهة الجمال والحب إلى آلهة اللصوص والرعي وسوء الحظ. تتصف في أغلبها بصفات نفسية أرضية أيضا: فهي تأكل وتشرب وتحب وتكره مثل الإنسان. وهي حاقدة منتقمة غيورة وطائشة ورحيمة ومتعاطفة مع الإنسان، إلا أنها متضامنة فيما بينها. غير أن ظهورها، في الغالب، أيضا، يتعلق بالتعامل مع الكائنات الأرضية تعاملا سلبيا في مجمله.

 إلى جانب هذا الصنف من الكائنات السماوية، توجد كائنات تحت أرضية، خاصة في عالم الأموات، حيث تتحرك الهياكل العظمية مستنجدة. وكائنات حيوانية غريبة متعددة الرؤوس تحرس ذلك العالم.

أما في الأرض فتوجد كائنات جمادية وحيوانية تؤدي أدوارا إلاهية وإنسانية، من مثل نبات القصب وجدار القلعة، والنمل والنسر. كائنات ساعدت بسيكي، الفتاة المتيمة بحب الإلاه الشاب. أحيانا تتمتع هذه الكائنات بطاقة استكشافية إلاهية لا يمكن للإنسان أن يتمتع بها. إلى جانب هذه الكائنات يوجد مستوى من الإنسان يتحكم في العالم، بما فيه الكواكب والآلهة، بممارسة السحر وامتلاك طقوسه وترياقه، لهذه الشخصيات طاقة إضافية مثل إحياء الموتى واستنطاقها، ومثل التحول إلى كائنات مختلفة كالفئران والطيور. وهي شخصيات في أغلبها نساء. ثم كائنات بشرية عادية من جميع فئات وطبقات المجتمع، نتعرف عليها من خلال واقعها الاجتماعي وحالاتها النفسية وطبيعة أفكارها ووظائفها، داخل التعدد القصصي الذي يحكيه السارد، كما ضمن القصص التي تسردها شخوص ساردة أخرى... ولأن مستويات الشخصيات كثيرة والشخصيات في ذاتها أكثر لا تسعها هذه القراءة للوقوف عندها، أريد أن أتعرض فقط لشخصية البطل السارد، بتركيز.

 

ـ شخصية البطل السارد:

 

تتحرك شخصية البطل في الرواية تحت اسم علَم "لوسيو"، تنبثق ناضجة تامة التكوين الجسماني والثقافي، من خلال تتبعها عبر النص نخلص إلى أنها شخصية متمكنة من أنواع السرد الحكائي والوصفي، ومن أساليب الخطابات المتنوعة. شخصية لها هذا التكوين اللغوي والأدبي، وتتمتع بتكوين فكري وفلسفي مبثوث في أعطاف النص، وبدراسة عميقة للمنظومة العقائدية التي كانت تسود في عصرها، خاصة قبل المسيح، ولها علم واسع بطقوس السحر وأدواته وإمكانياته المتعارف عليها في المجتمع. لها معرفة متميزة بعمق المجتمع وقضاياه وفئاته وطبقاته ومستويات حياتها وتفكيرها. متمتعة بطاقة تخييلية خارقة، تجمع بين السماوات والأرض وما بينهما وما في أعماقهما من صور فانطازية مثيرة، تنتجها تلك الطاقة نفسها وينسج بينها علاقات متشابكة. لنتتبع مثلا هذا الحقد الذي تصبه إلاهة الحب والجمال على ابنها "الحب" بعد أن تزوج بفتاة أرضية:

"ماذا يمكن أن أفعل أنا الآن في هذه الورطة السخيفة التي أرغمتَني إليها؟ إلى من يمكن أن ألجأ؟ ماذا في وسعي أن أفعل في هذه السخافة؟ أأذهب لألتمس العون من عدوتي تمبلانثاTemplanza، التي كثيرا ما أهنتُها أساسا بسبب نصائحها تجاه هذا الشبِق؟. وأنا فوق ذلك أكره الحديث مع امرأة خشنة وغير مسؤولة، لابد من مواجهة عزاء الانتقام والاستهانة به، لأتقرب منها لا من غيرها، لأنها هي وحدها يمكن أن تصادر جعبة هذا النذل وتثلم نباله وتطفئ شظاياها بالوسائل المناسبة، وأكثر من ذلك هي التي ستصحح له طريقة وجوده. لا أكفر فعلتي إلا حين أحلق له شعره اللامع مثل الذهب، ذلك الشعر الذي أصلحته له عدة مرات بيدي هاتين، وحين أقطع له جناحيه الذين عطرتهما بالرحيق في رحمي نفسه."[18].

يبدو في هذه الفقرة الحقد الحاد الذي تصبه الإلاهة بينوس على الفــتاة الجميلة بسيكي التي أحبها ابنها، بعدما دفعته إلى أن يسدد لها سهام الحب لتبقى متعلقة بإنسان وضيع يعذبها مدى حياتها، لأنها تمتعت بجمال يطابق جمالها، فغارت. الحقد على ابنها الذي أنجبته فأرادت أن تجرده بكل ما يتعلق بالجمال والحب، الحقد على زميلتها تمبلانتا التي اعتبرتها عدوتها. هو حقد ناتج عن غضب أعمى، لم تراع فيه مكانتها كإلاهة ولا مكانة الفتاة الأرضية التي لا تتحكم في مصيرها ولا في شكلها الطبيعي، ولم تراع شباب ابنها وطيشه، فصبت عليه جام غضبها، الذي ستكتوي به أساسا بسيكي.

 يبدو أيضا أن السارد لا يريد أن يميز، في القيمتين السلبيتين، الحقد والغضب، بين الآلهة فيما بينهم وبينهم وبين بني البشر، ذلك قصد التأكيد على أن تلك الآلهة، التي يعتقد فيها الشعب، لا تختلف عن البشر. إن تلك الأسماء سواء أسماء الآلهة أو أسماء البشر في العمق هي أفكار يتم تشخيصها، هي أفكار تجمع بين العقل والحب وبين البحث وحب الاستطلاع واختفاء الحقيقة، بين قدرة الإنسان وطاقته ومحاولة الآلهة انتزاع تلك الطاقة منه...

  إلى جانب زرع مثل تلك الأفكار، يتحرك السارد في النص بنفس طريقة تحرك الرواية، يتحرك مسافرا نادرا ما يستقر، كما أن سرد الرواية هو سفر أيضا من بدايتها إلى نهايتها، وخلال تشعباتها ومنازلها المادية والمعنوية. والبطل في سفره ذاك يحدوه حب الاستطلاع ومعرفة المزيد في جميع الميادين، في الطريق، داخل البيوت وخارجها، في الأسواق، وفي الجبال والكهوف والحقول، وفي ذاكرات الناس وتخيلاتهم وتصوراتهم ونفسياتهم وأحلامهم وكوابيسهم، في طريقة سكنهم وطريقة لباسهم وأكلهم وحيلهم ولذاتهم العلنية والخفية، وفي طريقة تسريحة الشعر. وهو يتطلع دائما إلى معرفة الجزئيات في كل شيء. لنتأمله يصف جمال شعر المرأة:

"ليس هناك ما يلمع أكثر من البريق الرائع للشعر حين يتلألأ تحت أشعة الشمس في صمت هادئ، أو في شساعة صورة طيفه: لامع أحيانا مثل الذهب، متخذا أحيانا بُنّيته اللذيذة مثل العسل، أسود كالح السواد حينا آخر، ينافس الألوان القزحية لريش حمامة، يفوح عطرا، مدهون، طليق حر مسرح بأسنان مشط خفيف، ينتهي في حدود النطاق إلى الوراء، يعطي لعيني المحب صورة لا تقل عن أحسن صورة تنعكس في المرآة. وماذا يمكن أن أقول عن التي تجمعه في ضفيرة كثيفة فوق أعلى الرأس، أو حين تطلقه منسابا بروعة إلى حد الحزام؟ كثيرة هي جماليات أوضاع الشعر، بحيث إن امرأة يمكن أن تتزين بالذهب والجواهر، أو غير ذلك من وسائل الزينة، إذا لم تكن ماشطة لشعرها بشكل مناسب، لا يمكن أبدا أن تشعر بأنها أنيقة ورشيقة.

أما حبيبتي فوتيس Fotis، فقد منحت الطبيعة الخالصة، وليس التزيين الفعلي، شعرها جماله، كان لها شعر مجموع بشريط في أعلى مؤخرة الرأس، من حيث ينحدر، حين تطلقه، متموجا على الظهر"[19].

شعر لامع تحت أشعة الشمس في صمت هادئ، شعر يقع بين طبيعة صاحبته وأشعة الشمس والذي يتأمله في صمت، يتخذ بذلك صورة متكاملة تجمع بين أوضاعه والوجه. باللون الذهبي أو باللون العسلي أو بالأسود، طليق منساب على ظهر صاحبته إلى حد الخصر، أو في ضفيرة مجموعة ومعقودة فوق الرأس. شعر المرأة في كل حالاته جميل حين يكون، أما إذا فقد فمهما حاولت المرأة أن تتزين بغيره فإنها تبقى حاسة في العمق بفقدان الجمال والرشاقة. في الخلاصة تتحقق أنوثة المرأة أولا بشعرها. كما تحققت عند حبيبته فوتيس. إن القدرة، المتمكنة، على الوصف، هي التي جعلت شعر المرأة هنا قيمة جمالية أساسية.

فالبطل نصادفه رجلا تاما من الصفحة الأولى في الرواية، يقدم الكتاب للقارئ تقديما ميتاسرديا يشيد بأهمية السرد فيه وتنوعه. يسرد عن نفسه بضمير المفرد المتكلم وعن غيره بضمير الغائب. بعد الصفحتين الأولين من ذلك التقديم، تنطلق الرحلة المزدوجة: رحلة البطل، لوسيو، على حصانه الأبيض أو على قدميه أو قوائمه، ورحلة الرواية حوله وحول ما يصادفه، تكون الوقفات للاستراحة وجمع الأنفاس في أماكن وبيوت، أو تكون خلال السرد عبارة عن وقفات متكررة وممتعة لوصف أماكن وأشياء وكائنات وصفا مثيرا.

 والرحلة هنا لا تأخذ طريقها مستقيما بل تقطع طرقا متداخلة ومتشعبة عبر البر، سهولا وجبالا، والبحر بمخاطره... كذلك السرد يتجه من البداية إلى النهاية، من المنطلق نحو الهدف، إلا أنه يتفرع ويتفرع ويتداخل، مثل الرحلة ذاتها، إلى أن تكاد الخيوط تنفلت ثم يتم التقاط الخيط الرئيسي مرة أخرى. وكما أن الرحلة تصادف مخاطر وعجائب، كذلك السرد يصادف تلك المخاطر والغرائب إلى أن يشرف المتلقي على نسيان المسرود الأصل، فيأخذ السارد الرئيسي بيده نحو القصة المنطلق. يسافر لوسيو هنا أكثر مما سافر أوليس، بل يعمق سفرا آخر عجيبا هو السفر في داخله[20]. إلى حدود مشارف نهاية الكتاب الرابع من الرواية، قبل أن يتحول إلى حمار، تكون أكثر الظواهر التي يواجهها البطل السارد هي ظاهرة السحر. وهي الظاهرة التي تستبد به إلى أن يجرب حظه فيها راغبا في التحول إلى نسر يحتل الأجواء ويتحرك بتعليمات الإلاه جوبيتر، غير أن سخرية السحر، منه وربما من جوبيتر نفسه، حولته إلى حمار.

فبمساعدة حبيبته، الخادمة، فوتيس، شاهد زوجة مضيفه ميلون تمارس طقوس السحر ليلا تريد أن تتحول إلى طائر لتطير نحو عشيق جديد لها: "لقد أخذتنى هي نفسها (فوتيس)، نمشي على أصابع أقدامنا، دون أن نحدث أي صوت، إلى أن وصلنا باب سطح البيت، طلبت مني أن أنظر من خلال ثقوب الباب لأرى ما يحدث في فضاء السطح. تعرت بانفيلا Pànfila كلية، أخرجت من صندوق كبير مغلق بعض العلب مصنوعة من الخشب. فتحت إحداها أخذت منها زيتا طلت بها كل جلدها من أخمص قدميها إلى رأسها. بعد ذلك، وهي تتمتم بكلمات غير مفهومة، اتجهت نحو الفانوس، حركت برفق ذراعيها على شكل جناحين، بدأ ينبت فيهما ريش خفيف في البداية، ثم الريش الكثيف الكبير، ثم تعقف أنفها على شكل منقار نسر وطالت أظافرها. لقد تحولت بانفيلا إلى بومة، وبعد أن أطلقت صوتا حزينا، بدأت تنط لتجرب قدرتها على الطيران، ثم انطلقت تطير بجناحين مفتوحين."[21].

حين شاهد البطل بأم عينه ما حدث للمرأة الساحرة، هيمنت عليه فكرة سحر نفسه ليتحول إلى طائر/ نسر أيضا. ناشد حبيبته فوتيس أن تسمح له بذلك وتساعده ليتحول إلى كوبيدو آخر مجنح ويعتبرها هي بينوسه[22]. وبعد أن أقنعها وأشارت عليه أن يتناول بعض الورود حين يرغب في العودة إلى شرطه الإنساني. حينذاك: "مرتجفا دخلت ـ يقول البطل ـ إلى السطح وأخرجت علبة من الصندوق الكبير، آنذاك تكرمت فوتيس بعناق وقبلة، ثم تجردت من ثيابي بسرعة، أخذت كمية مهمة من الزيت طليت بها كل جلدي. بدأت أحرك ذراعي مثل طائر، ولكن لم يظهر على جسمي أي ريش، بل بدأ شعري يخشوشن، وجلدي يتخلى عن رقته ويتحول إلى جلد غليظ، وأصابع كل من اليدين والقدمين أصبحت عبارة عن أظلاف ضخمة. وخرج من عجيزتي ذنب طويل. وتضخم وطال وجهي بشكل مرعب، وكبرت أرنبتا أنفي، وتدلت شفتاي، واتسعت عيناي وأحاط بهما الشعر الخشن. فتأكدت أن جسمي لم يتحول إلى طائر، وإنما إلى حمار، حاولت تأنيب فوتيس عن خطئها، ولكن وجدت نفسي عاجزا عن الحركة المناسبة وعن إصدار صوت إنساني، فلم يبق لي مخرج آخر غير ترك شفتي السفلى متدلية كاحتجاج صامت، وأنا أنظر إلى فوتيس شزرا بعينين دامعتين. حين رأتني هي في هذا الوضع، صاحت في نفس اللحظة التي بدأت تلطم وجهها بيديها، منتحبة..."[23].

لقد تحول السارد جسديا إلى حمار واحتفظ بباقي القدرات العقلية والفكرية والنفسية الإنسانية. فركز على الوصف الدقيق لهذا التحول الذي لم يتبادر إلى ذهنه قبل ممارسة السحر على نفسه، كان يحلم في أن يصبح نسرا يتحرك بأوامر الإلاه جوبيتير، يطوي المسافات في السماء ويخترق السحب بجناحين لامعين... غير أن القدر أراده كأحد أثقل البهائم على الأرض، وليس في السماء، هو الحمار. لقد غامر البطل حين أقبل على سحر نفسه بإرادته، وهو لم يعرف طرق تلك الممارسة ولا ما يوجد في صندوق الساحرة صاحبة المنزل، ولم يسبق له أن مارس السحر كما كانت تفعل، كان همه هو تجريب هذا النوع الغريب من المعرفة، معرفة "التحول" من شرط إنساني إلى آخر أقرب إلى إلٰه.

أصبحت هذه العملية مألوفة في الرواية، وربما كان التفكير فيها مهيمنا داخل المجتمع التي تحيل إليه، بحيث أضحى من البديهي استعمال بعض الأشياء والأدوات، والتمتمة ببعض الكلمات فيتم "التحول". هكذا نجد في الكتاب الأول من الرواية، في إحدى القصص التي رواها أحد مرافقي البطل في الطريق، أن امرأتين ساحرتين تحولتا إلى طيف لا يرى واقتحمتا على سارد القصة وصديقه الهارب من إحدى المرأتين، ليلا انفتحت لهما باب الغرفة ثم انغلقت مرة أخرى، انتقمت إحداهما من الرجل وبالت الأخرى على وجه سارد القصة، ثم خرجتا بنفس الطريقة[24]. بل إن البطل السارد كان يظن أن كل ما صادفه في المدينة، التي حل بها، لم يكن في الحقيقة هو ما يظهر له، بل اعتقد: أن ريحا عنيفة هبت فحولت أشياء بأشياء، بحيث، كانت الأحجار التي يتعثر فيها هي أشخاص تحجرت، والطيور هي كائنات إنسانية اكتست بالريش، وتخيل أيضا أن الأشجار التي تحيط بصور المدينة هي صور إنسانية أنبتت أوراقا...[25].

 لقد انتشر هذا الاعتقاد، حسب ما يبدو، في المجتمع بشكل مثير. ولعل اعتماد تحول البطل إلى حمار كان أمرا مقصودا من السارد، فالانتقال من صورة النسر الخفيف الحر الجوّاب لأعنة السماء كواسطة بين الإلاه جوبيتير والعالم الأرضي، فيحمل التحول نزوعا ألوهيا، يقع المتحول فيه بين عالم السماء والعالم الأرضي... إلى حمار ثقيل يمشي على أربع مستعبد حمال للأثقال معرض لكل أنواع الإهانات والتعذيب، صبور متحمل رمز للبلادة والعناد. هو تحول ساخر، ساخر من الذات المتحولة ككائن إنساني راق ومثقف وخطيب، إلى ذات بهيمية بليدة وبكماء. وساخر من السحر نفسه، حيث لا يبقى الساحر متحكما في فنه وشروطه وطقوسه وأدواته، ف"ينقلب السحر على الساحر". وساخر أيضا من جوبيتير، الذي كان من الممكن أن يكسب رسولا آخر من مثل الذي أرسله لبسيكي كي يسرق لها ماء الحياة من بين أنياب الكلاب الضخمة المتعددة الرؤوس... من خلال مستويات هذه السخرية يمكن أن نتصور موقف أبوليوس من السحر والتحويل من شرط إنساني إلى شرط آخر...

 

ـ بطل بلا بطولة:

 

 تكسر هذه الرواية التقليد المعروف في السرد القديم، سواء كان في الأوديسا أو في الإلياذة، أو حتى في الأسطورة والحكي الشعبي الموروث عبر الأجيال منذ القدم، أقصد البطولة، فالبطل مهما عاش المآسي وتعرض للمخاطر لابد أن ينتهي في الأخير إلى الانتصار وتحقيق البطولة أو يضحي فيموت. أما في الحمار الذهبي، فنجد البطل يسرد ويتعرض لبعض المخاطر ولكنه لا يصبح بطلا، إلا في حالة واحدة هي فوزه بالمرأة الجميلة فوتيس خادمة ميلون، وهي أيضا مجرد خادمة جميلة.

 أما في باقي ممكنات البطولة فلا يحتل فيها البطل موقعا. فقد واجه ثلاثة شبان أرادوا سرقة مضيفه المذكور، فقتلهم واحدا واحدا، غير أن سخرية القدر جعلته يندهش حين عرف أنه فقط ثقب ثلاث قرب، فسبق أبوليوس الكاتب الاسباني سيربانتيس إلى ممارسة الدون كيشوطية قبل أن توجد رواية دون كيشوط بمئات السنين. ثم تعرض للمحاكمة ولم يدافع عن نفسه بشجاعة أو ينتظر بثبات كل نتائج المحاكمة ولو كانت الإعدام، بل اضطر، قبل أن يدرك أن تلك المحاكمة كانت مجرد مسرحية، إلى الإجهاش بالبكاء واستدرار عطف القضاة لعلهم يعفون عنه ويخلون سبيله.

بل إن القفزة الأكثر دلالة في هذا المجال ضمن النص، هي الرغبة في تحقيق بطولة متميزة عبر ممارسة السحر قصد التحول إلى بطل خارق، إلى نسر قوي يحلق في أعالي السماء يحاذي النجوم ويقترب أكثر من الآلهة، غير أنه تحول إلى حمار محتفظ بوعيه الإنساني وبعمقه الثقافي، ليعيش كل أنواع الاضطهاد والتعذيب والتهديد بالموت، فأكد هذا النوع من التحول انحطاط بطولة السارد...

"فعاش لوسيو كثيرا من المحن بتحوله إلى حمار لأنه أراد الدخول إلى أسرار السحر فتلقى العقاب"[26]. لم يستطع التخلص من هذا الشرط البهائمي المذل إلا حين اضطر، وهو في الشاطئ ليلا، إلى التضرع والتماس الرحمة والعطف من الإلاهة المصرية إيزيس Isis "إلاهة القمر"، "ملكة الآلهة وأمها". فقد قام بالاستحمام في البحر وأغطس رأسه في الماء سبع مرات قصد التطهير، "سبعة مرات هو الرقم الحقيقي كما أعلن بيتاغوراس Pitàgoras المقدس حين يتعلق الأمر بشؤون الدين"، ثم انطلق يصلي للإلاهة القديرة ويتضرع لها مستعطفا[27].

وبعد طقوس دينية، أمرت بها الإلاهة المصرية، استطاع البطل/الحمار أن يلتهم الورد من يد أحد الرهبان فعاد إلى الشرط الإنساني. هكذا "لم يفتقد بطل "الحمار الذهبي" لخصائص ومميزات البطولة المثالية فقط، بل مارس نقيضها: فإنجازاته لا تتعدى الهروب من المخاطر والمصائب في جبن..."[28]. يمكن اعتبار هذه اللابطولة في النص هي ثورة في تقنية الكتابة السردية الشعرية والنثرية في العصور القديمة، وهي عنوان عن انحطاط قيم البطولة وسقوط إمكانيات الإنسان، ولو كان في قمة الأريسطقراتية الاجتماعية، في أية مواجهة. وذلك تبعا لانحطاط المجتمع الروماني نفسه في تلك المرحلة.

 

د ـ رواية النقد الاجتماعي:

 

ولكن لماذا اختار البطل/السارد أن يتحول إلى حمار؟ ولماذا تحول إلى حمار وهو يحتفظ بكل طاقاته العقلية من التفكير إلى التذكر والحفظ؟ لم يتحول البطل إلى حمار بقدر ما لبس جلده وهيأته. هي تقنية روائية لها مقصديتها، أن يتحرك السرد على لسان هذا الحيوان ويتحكم في انتقاء وتقديم القصص البانية وسارديها ويعالق بينها، ويوسع من الوقفات الواصفة وإبراز خصائص ومميزات الكائنات المتحركة في النص... هذه الطريقة تعطي الرواية جمالية خاصة يتلقاها القارئ من خلالها باستغراب وبانشراح في نفس الآن.

لم يغير الحمار الذي أصبحه البطل من إيقاع الرواية، وإنما سار على نفس المنوال، فهو أيضا يسافر، ولو بغير إرادته، ويسكنه هاجس المعرفة والاتصال بالناس وغير الناس، من آلهة ومن حيوانات وجماد وفضاءاتها، وأيضا يسافر في دواخلها ودواخله يستبطن النفسيات والعواطف... وتسافر معه الحكاية والحكايات المتشعبة تتطور مع عامليها وشخوصها. لقد تمكن عبر هذا التحول من أن يدخل في أعماق المجتمع الروماني والمجتمع اليوناني، وأن يعرف خباياهما ويكشف عن أمراضهما، التي تجلت في الغنى المفرط وفي الفقر المفرط وفي انتشار الجريمة والفساد، وانتظام الناس في فرق للصوص، وفي سيادة البيروقراطية، وفي معاناة مستعمرات روما، خاصة نوميديا، أرض الكاتب...   

 

ـ السحر ظلام:

 

والحقيقة أن هذا التحول هو "مسخ"، مسخ تمارسه أداة ماسخة هي السحر. لذلك يبدو أن السارد يركز هنا على السخرية من السحر وفي نفس الوقت، وبشكل غير مباشر، يحاربه. في الرواية لا يتجلى للقارئ أي شيء إيجابي لصالح هذا الفرد أو ذاك، وإنما كل الممارسات السحرية هي سلبية، مثل اختطاف الرجال وقتلهم أو تشويههم وتلطيخهم. بل إن التحويل نفسه لا يتعدى التحويل إلى فئران وأشباح وطيور منحطة في رمزيتها ـ البوم ـ، أو إلى دواب منحطة أيضا في دلالتها ـ حمار ـ.

 والتحويل هو تحول إرادي، في الغالب، وليس مفروضا بأية قوة خارقة كما حدث مثلا في الإلياذة حين حول أحد الآلهة مجموعة من الناس إلى خنازير. والذي يمارس السحر هنا هي كائنات إنسانية خاصة، في الغالب، هي النساء، والنساء في المجتمعات القديمة والتقليدية كن أكثر تعرضا للاضطهاد، ولتواجه هذا الاضطهاد الجسماني والعاطفي والنفسي والفكري والقيمي، كانت تلجأ إلى ممارسة السحر والشعوذة، كسلاحين من أهم أسلحة الضعفاء. والمعروف أيضا أن الإنسان مارس السحر قديما قصد التحكم في الظواهر الطبيعية، حين عجز عن مواجهتها، ثم تطورت هذه الممارسة لتصبح أداة للتحكم في بني البشر أيضا. فيكون السحر ناتجا عن العجز والجهل معا منذ الأصل. ولم يعرف في الرواية التي نحن بصدد قراءتها، أن النساء اللائي يمارسن السحر لهن مستوى ثقافي معين... فالسحر مقرون هنا بالجهل وربما بالأمية. بل والأكثر من ذلك مقرون بالظلام.

لا يشير السارد إلى ممارسة السحر إلا وهي مرتبطة بالليل، فالساحرتان اللتان انتقمتا من الرجلين، في بداية الرواية، والنساء اللائي تحولن إلى فئران فجدعن أنف الشاب، الحارس للجثة، وقطعن أذنيه، فعلن ذلك ليلا. وتحول زوجة ميلون والبطل السارد أيضا تم ليلا. بل تأمر الساحرة مهددة الشمس لتسحب أشعتها وأضواءها من الوجود ليحل الظلام حيث تمارس طقوسها في اطمئنان: "بالأمس سمعتها بأذني هاتين تهدد الشمس بإغراقها في ظلام دائم لأنها لا تتحرك بالسرعة المطلوبة وتسحب أشعتها لتترك المكان لليل، لتبدأ هي (الساحرة) ممارسة أفعالها دون أن يراها أحد"[29].

 فالساحرات يملكن قدرة لا تشبهها إلا قدرة أكبر الآلهة في التحكم في الكواكب والظواهر الطبيعية، وحتى في الآلهة نفسها: "ستعرف حقيقة هذا المنزل: تعرف الإمكانيات العجيبة التي توظفها مشغلتي لتخضع الآلهة ولتجعل الكواكب تغير وظائفها، تعرف الوسائل التي تصبح فيها العناصر في خدمتها"[30]. إنها القدرة المطلقة المضادة قدرة الشياطين أو على الأقل قدرة آلهة الشر.

ثم ما هي الأدوات التي تتوسل بها الساحرات في ممارسة أعمالهن التحويلية؟، من المؤكد ليست هي الكتب، ولا وحي الآلهة، ولا حتى الاستغراق في التأمل، لننصت للخادمة فوتيس: "هكذا حين حل الليل، كانت مشغلتي بانفيلا، تكاد تخرج من جلدها غضبا، صعدت إلى سطح المنزل المفتوح أمام الرياح الأربع، حيث يمكن أن تمارس فنونها السحرية في اطمئنان. أول ما فعلت هناك هو تهييء مختبرها بأدوات مألوفة عندها: عطور من كل الأنواع صفائح نقشت فيها طلاسم لا يمكن أن تقرأ أو تفهم، بقايا سفن غارقة، أعضاء منتزعة من جثث بشرية حديثة الموت، لم تجف الدموع عليها بعد، من أنوف وأصابع، قطع من اللحم مسمرة في الجدار، دم القتلى، أجزاء جماجم قديمة منتزعة من بقايا جثث الوحوش المفترسة، وطبعا خصلات شعر الضحية المنتظرة... ثم السوائل: ترش الماء ثم حليب البقر، ثم العسل ثم العسل بالماء..."[31]. خليط غير منسجم يغلب على مكوناته مستوى الإجرام... من خلال هذه الوسائل، ومن خلال نتائج السحر والأزمنة المختارة لممارسة طقوسه، و طبيعة الأشخاص التي تمارسه، يبدو واضحا موقف السارد، وعبره موقف المؤلف، من السحر، وهو موقف الرفض الساخر من ممارسته وممارسيه ومن نتائجه.

 

ـ السحر والمعرفة:

 

يقال إن هذه الرواية انطلقت من رواية أخرى يونانية بنفس العنوان وبنفس اسم البطل، وقد لاحظ بعض المهتمين بأن هذه الأخيرة تحمل طابعا شعبيا وتجمع بين السحر والفلسفة في كيس واحد[32]. بينما لرواية أبوليوس رؤية أخرى للعالم كما للموضوع. فإذا كان السحر فيها بالصورة التي رأيناها عليه في الفقرة السابقة، فإن للمعرفة، ولربما للفلسفة أيضا، مكانة أخرى عند السارد كما عند المؤلف.

 تتجلى الأبعاد المعرفية في هذا النص من خلال البحث عن الحقيقة. والبحث عن الحقيقة لم يكن سهلا لأنه يعرض صاحبه لكل أنواع المخاطر والمجازفات، منها أن البطل، وهو مهووس بالمعرفة واكتشاف الحقيقة، كانت إحدى نتائج ذلك الهوس هو تحوله إلى حمار، غير أن هذا التحول هو أيضا وسيلة للوصول إلى الحقيقة، عبر معرفة الإنسان والمجتمع والآلهة، وعبر اعتبار أن الإنسان له هذه الطاقة لمعرفة الحقيقة، بل إن الإنسان نفسه هو إلٰه، أو هو صورة أرضية لإنسان إلاهي في السماء، الأفلاطونية، كما كان الشأن مع الفتاة بسيكي، التي لم تكن إلا صورة أرضية لبينوس، وقد أصبحت ضمن مجتمعات الآلهة، ولم تحقق ذلك إلا بإصرارها على اكتشاف الحقيقة، والحقيقة كانت بجوارها دائما هي حقيقة صورة الحب/الإلآه المجنح. كادت هذه المحاولة أن تودي بحياتها، ذلك هو ضريبة البحث عن الحقيقة. نفس الحالة نلمسها في فتح بسيكي لعلبة مليئة بأنوار الجمال الذي أخذته من العالم الآخر، لتسلمه لبينوس، فدفعها فضولها الكبير إلى فتح العلبة التي خرج منها ضوء كثيف سربلها وجمدها. هي علبة تنطوي على معرفة الحقيقة التي تعمي بشدة نورها، تجربة أفلاطون بالنار في الكهف.

والحقيقة أن الرواية زاخرة بالوسائط الأساسية لاكتساب المعرفة الفلسفية، يتطلب اكتسابها كثرة الأسفار والتقاء الناس من كافة المستويات كوسيلة لتعميقها. يتطلب اكتساب المعرفة كثرة السؤال والتساؤل، يتطلب أيضا الغوص في كل الجزئيات الاجتماعية والفكرية والنفسية والقيمية، حيت يصل مكتسب المعرفة الفلسفية إلى مستوى معرفي سام يصبح كل شيء أمامه واضحا مضاء، أو يضحى ذلك المستوى هو الإضاءة نفسها. وكلما درج الفيلسوف في البحث عن الحقيقة كلما اشتد عذابه... تلك الوسائط مهيمنة في هذه الرواية، وهي المقابلة لصور ووسائل ممارسة السحر، وكأن السارد يشير ضمنيا إلى البديل المعرفي لممارسة السحر. لقد تحول السارد إلى حمار عوض النسر لأنه توسل بالسحر...      

 تحول إلى هذه البهيمة، ربما ليخضع لشروط اجتماعية تنقله من موقع إلى آخر، ويؤشر على انحطاط المجتمع الروماني. فمن خلال تحول البطل السارد إلى حمار تمكن من أن يعيش مع كل فئات المجتمع، من الأسياد في قمة الهرم الاجتماعي إلى العبيد في الحضيض. من خلال ذلك يتمكن أكثر من معرفة أعلى مستويات الغنى وتكديس الأموال والعيش في مستويات "الآلهة"، وفي نفس الوقت يكشف الجوانب الإيجابية لذلك العيش وجوانبه السلبية، حيث ينتشر الاعتقاد في قوى السحر وفي إمكانية تسخيره لجلب العشاق، يكشف مستويات الفساد الأخلاقي لتكون أغلبية نساء هذا المستوى لهن عشاق، يتقاسمن هذه الخطيئة مع الفئات الاجتماعية الدنيا أيضا...

ويرفع الستار عن الأوضاع المزرية والقاهرة التي تتردى فيها أدنى الفئات الاجتماعية، حيث يصبح الإنسان أحيانا أقل مرتبة، في التعامل، من الحيوان. نضيف إلى ذلك ما تعج به الرواية من إشارات إلى اللصوصية، بعض تلك الإشارات وردت من أجل مزيد من الحذر والاحتياط، وبعض منها وقفت أمامها الرواية لتؤكد أن اللصوصية أصبحت منظمة تؤرق حياة وأمن الناس، يقوم بها شباب أقوياء لا مصدر للعيش لديهم إلا الانتظام في فرق واسعة من اللصوص، تعيش غالبا في الكهوف والمغارات... هذا الانحطاط الاجتماعي ينسحب أيضا على المنظومة العقائدية الروحية، فكثرة الآلهة وصراعاتها ومواجهتها للإنسان، هي منظومة منحطة، آلهة لا تمارس قوتها المطلقة بل لا تملك تلك القوة، فتصبح عاجزة نفس عجز الإنسان. هي منظومة بالية سواء في روما أو في اليونان، لذلك مال السارد نحو الآلهة الشرقية وبالذات آلهة مصر، التي مازالت تتمتع بحرمتها وقوتها...

 

هـ ـ تأثير "الحمار الذهبي" في السرد اللاحق:

 

 لقد تركت هذه الرواية أثرها واضحا في الأدب الأوربي وأساسا في الأدب الشعبي. ففي السرد الاسباني، ومنه السرد البيكاريسكي تركت رواية أبوليوس تأثيرا واضحا، خاصة في رواية " حياة لثاريو تورميس La vie du Lazarillo de Tormes " لم. أسينسيو M. Asensio. وتعرض باحثون إسبان لتأثير "الحمار الذهبي" في الأدب الاسباني، يقول بعضهم: "لقد ألهم الحمار الذهبي عددا كبيرا من الإنتاج الدرامي والروائي، ويمكن أن نضيف إلى ذلك الرواية السير- ذاتية، وعلى الخصوص جنسنا الأدبي البيكاريسكي لقرني 16 و17، وتقليدها الفرنسي في "جيل بلاس Gil Blas"، كل ذلك يدين بشيء لأبوليوس، إن لم يكن في مواده السردية، ففي الإطار الروائي العام"[33]، يضيف الباحثان - مينينديث      Menéndez  وبيلايو Pelayo - أن تأثير أبوليوس واضح أيضا حتى في رواية "دون كيشوط..." خاصة في الوحدة الحكائية التي تتعلق بمصارعة دون كيشوط لمخازن الخمر الضخمة، حيث يظهر بوضوح تأثير وحدة قتال لوسيو لقراب لصوصية[34].

من الواضح أن رواية أبوليوس كانت متداولة منذ بداية القرن 16 مترجمة إلى الإسبانية[35]. وهذا يؤكد إطلاع كتاب السرد الإسباني في هذا القرن كما في القرن الموالي، على نصها، خاصة وأن الأوضاع في اسبانيا آنذاك شابهت أوضاع روما، عصر أبوليوس والتي انتقدها في روايته. وكان من الضروري أن تنتشر بسرعة الكتابات السردية التي استلهمت "الحمار الذهبي"، أن تنتشر بين قراء العصر، بل إن ذلك الانتشار استطاع أن يبث بعض مواده في الحكايات الشعبية في العالم، ففي الحكي الشعبي الفرنسي نجد مثلا "الجميلة التي تسربلت بجلد حمارPeau d’âne"...

 ونجد في حكينا الأمازيغي "المرأة التي تحولت إلى بقرة" دون أن تفقد وعيها الإنساني، فقد حولتها ضرتها إلى بقرة حين رغبت في التهام كلإ نبت على قارعة الطريق، فضربتها ضرتها بحزامها وتحولت إلى بقرة فأكلت العشب... ونجد أيضا المرأة التي تسربلت بجلد جمل في حكاية "الفتيات الثلاث"، حيث اتهمتها ضرتاها بالتهام وليدها فعاقبها زوجها بارتداء جلد جمل... ونجد أيضا الغولة التي تحولت إلى فرس تريد الانفراد بشاب لتلتهمه، وحين انفلت تحولت إلى فتات جميلة فتزوجها، ثم تخلص منها بصعوبة. وهناك مارغيغذا/المرمدة التي حولتها زوجة أبيها، حين قرر الأمير الزواج بها، إلى حمامة بغرس إبرة في رأسها يوم زفافها وهي تمشط لها شعرها. وهناك الفتاة التي تحولت إلى أمة بعد أن شربت من عين خاص بالإيماء، في حكاية الإخوان السبعة وأختهم. وفي حكاية الأخ والأخت، تم تحول الأخ إلى تيس بعد أن شرب ماء نهر محول...

أما تنويعات الوحدات الحكائية الصغرى التي تشظت في الحكي الشعبي، بما فيه الأمازيغي فكثيرة. في حكاية مارغيغذا/المرمدة تنويعة حكائية تقول إن زوجة الأب خلطت حبوبا لتنقيها مارغيغذا تنشغل بها كي لا تحضر حفل السلطان، فمر غراب وساعدها، وفي تنويعة أخرى مر نمل فساعدها، وهو ما نجده في قصة بسيكي ضمن "الحمار الذهبي"، حين جعلت بينوس أمامها كمية من الحبوب المختلطة وأمرتها بفرز كل نوع على حدة في وقت قياسي، فساعدها النمل في ذلك[36]..

 وفي حكاية الأخوين توجد وحدة حكائية تقول إن البطل اضطر إلى البحث عن ماء الحياة لإشفاء السلطان، والماء يوجد في جبل عال ينبع من بين صخرتين ضخمتين تتناطحان باستمرار ومن يمر بينهما تسحقانه، هي وحدة شبيهة بوحدة صغرى في قصة ابسيكي أيضا، حيث اضطرتها بينوس للبحث عن ماء الحياة في جبل شاهق الارتفاع، يحرس الماء حيوانات اسطورية عديدة الرؤوس[37].

وفي حكاية الفتاتين: فتاة لها أمها وأخرى يتيمة الأم، تربيها زوجة أبيها، أرسلتهما هذه الزوجة لسقي الماء، أعطت ابنتها جرة لتملأها، بينما أعطت لربيبتها غربالا، حين مدت هذه الأخيرة الغربال في النهر جره الماء فتبعته تبحث عنه إلى أن وصلت بيت الغولة، سألتها إن لم تر غربالا، طلبت منها الغولة أن تزور بيتها، قالت لها: "تفضلي، هل تريدين الدخول من الباب الصغير أم من الباب الكبير؟" قالت الفتاة: "فقط من الباب الصغير". "هل تريدين أكل خبز القمح أم خبز الشعير؟"  قالت: "أريد فقط خبز الشعير". "هل تريدين الدخول إلى غرفة الأفاعي أم إلى غرفة الذهب؟" قالت الفتاة: "أريد فقط غرفة الأفاعي"... حين ذاك أعطتها الغربال وحمارا محملا بالذهب... هذه التنويعة الحكائية لها ما يشبهها في قصة ابسيكي، لتتمكن هذه مما تريد التقت بإلاهة، أمرتها بالجلوس في مكان جميل متميز ففضلت ابسيكي الجلوس في الأرض، قدمت لها أكلا لذيذا فاقتصرت ابسيكي على تناول الخبز الأسود[38] ...

هذه عينة بسيطة مما علق بالحكي الشعبي الأمازيغي من حكايات وعبارات وأحداث تعود لرواية "الحمار الذهبي".

وإذا كان الأدب الأوربي، خاصة الاسباني، قد استوحى رواية ابوليوس لأنها ترجمت إلى اللغات الأوربية وطبعت مبكرا، وتم تداولها بشكل واسع بين القراء الأوربيين، فكيف تم استلهام الرواية نفسها في الحكي الشعبي الأمازيغي، خصوصا في الريف، رغم أنه من المؤكد أن الراوين لم يطلعوا عليها ولا على فقرات منها؟ لم يتم الإطلاع عليها أساسا لأنها لم تترجم لا إلى العربية، إلا أخيرا، ولا إلى الأمازيغية، وحتى لو ترجمت فإن القراءة كادت تكون منعدمة... فيبقى المؤثر الوحيد في الحكي الشعبي الأمازيغي هو ما سافر من المقاطع من رواية أبوليوس إلى شمال أفريقيا، أو ما سافر من مقاطع حكائية شعبية أوربية إلى الحكي الأمازيغي، فانبث في جسده حيا نابضا وثريا.

 

و ـ خلاصات:

 

"الحمار الذهبي" للكاتب الأمازيغي أبوليوس هي رواية / ظاهرة، كتبت قديما ولم تخضع لتقنيات الكتابة السردية الكلاسيكية، سواء عند اليونان أو عند الرومان، فعوض أن تكون أسطورة أو ملحمة، تمكنت أن تنتزع مصطلح الرواية من العصر الحديث. وهي كيفما كان الحال ليست رواية بالمفهوم المعاصر، غير أنها تحمل بعض أهم تقنيات الرواية، كما حملت تقنيات من الأسطورة والملحمة...

وهي نادرة في طبيعة تخييلها سواء من خلال الفضاءات والأزمنة المتنوعة وجودية وميتافيزيقية. أو من خلال الشخصيات المختلفة والمتباعدة، من البشر في كل الفئات والطبقات، ومن آلهة أيضا في كل المستويات والقدرات وفي كل المجالات، ومن حيوانات أليفة ومتوحشة واقعية وأسطورية، ومن أشياء ومظاهر طبيعية أحيانا لها قدرة إلاهية أو على الأقل بشرية...

رواية شخصت عصرها ومجتمعاتها تشخيصا فيه كثير من الواقعية وكثير من السخرية والكاريكاتورية، فيه نقد اجتماعي ونقد عقائدي ونقد فكري. من زاوية نظر كاتب مفكر أديب خطيب فيلسوف ورجل قانون، إنسان حاد الذكاء والوعي، يرى بلاده تحت نير الاستعمار الروماني في زمن انحطاطه، فلا يملك إلا إبراز عيوبه وصور انحطاطه...

هي رواية تردد صداها في الكتابات الروائية الأولى بأوربا، سواء في إسبانيا أو في فرنسا أو حتى في ألمانيا. بل أصبحت منبتا انزرعت شتائله في كثير من الحكايات الشعبية في العالم، بل وحتى في الحكي الأمازيغي، كما رأينا مع حكايات امازيغية في الريف.  

      

 


 


 [1] ـ انظر مقدمة ترجمة "الحمار الذهبي" « El asno de oro » . Trad. De José Maria Royo. Noticia biogràfica. P. 13. Ed. Càtedra (Grupo Anaya) Madrid. 1986 . 2003                                                                                             

[2] ـ نفس المرجع. ص.14.

[3] ـ ن. م. ص. 14 ـ 15.

[4] ـ ن. م. ص.20.

[5]-  Apulée « L’Ane d’or. Les Métamorphoses ». Tra. Pierre Grimal. Ed. Gallimard. 1958. . P.31 

[6] - « El asno de oro ». P. 54.

[7] ـ يطلق هذا المصطلح « Histoire milésienne » "على نمط من الحكاية النثرية، يعود أول نموذج فيه بلا شك إلى أرستيد من ميلي Aristide de Milet . عاش في بداية القرن الأول للميلاد... هذا النمط: الميلتية، هو مجموعة من الحكايات الممتعة، ذات أسلوب حر جدا، إرادي وقح". أنظر هامش 1 ص. 28. من الترجمة الفرنسية لـ "L’Ane d’or ou Les Métamorphoses   "

 

[8] - El asno de oro. P. 53.

[9] ـ أنظر الكتاب الأول من الرواية. المصدر السابق.

[10]- El asno de oro. P. 6-

[11] - El asno de oro . P. 138.

[12] _ Apulée « L’Ane d’or ou Les Métamorphoses » . Préface de Jean _ Louis Bory.  Traduction et notes de Pierre Grimal. Edi. Gallimard. 1958 et 1975.  P. 23.

[13] - Introduccion del « asno de oro ». p. 23.

[14] ـ نفس المصدر. ص. 83ـ84.

[15] ـ ن. م. ص. 149.

[16] ـ أنظر صفحة 95ـ96  من نفس المصدر.

[17] ـ أنظر مثلا صفحة  133. من نفس المصدر.

[18] ـ نفس المصدر. ص. 154ـ155.

[19] - El asno de oro. p .77-78.

[20] _ « L’Ane d’or ». P. 24.

[21] ـ ن. م. ص. 106.

[22] ـ كوبيدو هو الشاب الإلاه، سنراه في الكتابين الخامس والسادس، هو بن الإلٰهة بينوس، هما آلٰها الحب.

[23] ـ ن. م. ص. 107ـ108.

[24] ـ ن. م. الكتاب الأول.

[25] ـ ن. م. ص. 72.

[26] - L’Ane d’or. P. 19.

[27] ـ ن. م. ص.272.

[28] ـ ن. م.ص.32.

[29] ـ ن.م. ص. 103.

[30] ـ ن. م. ص 103.

[31] ـ ن.م. ص. 104.

[32] _ « L’Ane d’or » P. 18.

[33] - El asno de oro. P. 38  أنظر  M. Menéndez y Pelayo “Origenes de la novela” Tomo 1 ed. Nacional, 1943. P.25.

[34] - أنظر صفحة 38 نفسها.

[35] - ن. م. ص.39.

[36] _ « El asno de oro ». P. 163.

[37]  ـ ن. م. ص. 165.

[38]  ـ ن. م. ص. 168 ـ 169.

التاريخية حول مغرب القرن19

 

 

 

 

 

 
 
 

 

 
 

ضيوف الموقـع

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  ا

معجم السيميائيـات متابعـات نقديــة ترجمــــات

دراســــات

 مؤلفــات بطاقة تعــريف الصفحة الرئيسيـة
للاتصـــال  مواقـــع   خزانات الموقـع صحف ومجـلات رسائل وأطروحـات وحدة تحليل الخطاب مجلـة عــلامات

موقع سعيد بنگراد - تاريخ الإنشاء: نونبر 2003