معجم السيميائيـات متابعـات نقديــة ترجمــــات

دراســــات

مؤلفــات بطاقة تعــريف الصفحة الرئيسيـة
للاتصـــال   مواقـــع  خزانات الموقـع صحف ومجـلات رسائل وأطروحـات وحدة تحليل الخطاب مجلـة عــلامات

نادر كاظم

 هوامش على طبائع نادر كاظم
كريم رضي

صنع الكاتب الشاب نادر كاظم شخصيته الفكرية الخاصة واتخذ له مكانا في المشهد الثقافي يغبطه - حتى لا نقول يحسده - عليه الكثيرون، حيث صدرت له خلال نحو أربع سنوات أربعة كتب وهو مازال في مقتبل العمر ومقتبل الحرفة يعدنا بالكثير بدأبه وصبره وحساسيته النقدية للأنساق الثقافية، وجرأته التي لا تفقد رصانتها، وهي جرأة مسلحة بالعلم والموضوعية وقبل هذا وذاك الاحترام الكبير الذي يبديه لكل مكونات المجتمع الذي ينقده، ما يكسبه المناعة اللازمة ضد أن يشط به المعنى أو المبنى فينتقد طائفة أو فكرة أو جماعة أو حزبا نقدا إيديولوجيا أو يمارس لغة الاستئصال التي ألفنا مثلها لدى الكثيرين كلما تصدى مثلا كاتب تقدمي لنقد الجماعات الإسلامية أو تصدى كاتب إسلامي لنقد الجماعات التقدمية، وحيث لا نستطيع الولوج لهذه النقود إلا من بوابات اللغة الحربية التي تصبغ خصومها بفرشاة سوداء، بمصطلحات ''الرجعية والحداثوية والمتخلفة والمرتدة'' وإلى آخر هذه المصطلحات والتي هي بحد ذاتها مشكلة علمية بالإضافة إلى كونها مشكلة أخلاقية.
فحتى مع غض النظر عما تسببه هذه اللغة من تنافر بين الجماعات ومن تأجيج صراع وهمي حول الصفات بدلا من صراع فكري حول المفاهيم، نقول بغض النظر عن ذلك، فإنها على مستوى المفكر الفرد نفسه تحجب عقله عن فهم الجماعة أو الفكرة التي ينقدها فليس كالصفات حجاب يمنع المختلفين أن يفهموا بعضهم بعضا.
فإذا كان لنا أن نشير لما يقوم به نادر كاظم من عمل جاد ومهم بصبر وتواضع، لقلنا إنه يمثل منهج المعرفة بلا تربص، وهو ما نحتاجه ونحن نعيش عالما تتهدم فيه الأنساق الراسخة تحت معاول النقد وتتداخل فيه الجماعات وتتوزع ملكية الحقيقة على ملاك شتى، لتصبح السياقات غير المطلقة بل المحدودة بكل حالة في ذاتها، هي التي تحكم الأفكار وتداولها.
مع كتابه الأخير ''طبائع الاستملاك - قراءة في أمراض الحالة البحرينية'' يغوص نادر ناظم في مجتمعه، بعد أن كانت إصداراته الأولى تتصل بالأفق الثقافي العربي العام، وهو يستهل كتابه بمقولة أحد المؤرخين يؤكد فيها على أن المؤرخ لا يمكنه التمتع بميزة المصداقية الأكبر إلا حين يتطرق لتاريخ بلاده ويفقد كثيرا من هذه الميزة حين يرحل لساحات أخرى.
ويتتبع نادر كاظم تاريخ الصراع على القيم في المجتمع البحريني منذ ما قبل نشوء الدولة الحديثة حتى اليوم، وهو صراع بين الجماعات المختلفة مذهبيا وعرقيا وطبقيا، ثم هو صراع داخل هذه الجماعات أيضا بين شرائحها المختلفة على أيها أكثر تمثيلا للجماعة. ويستخلص نادر كاظم من هذا التاريخ الذي لم يخل من دروس باهظة الثمن - منها ما هو دموي - ضرورة أن تدرك الجماعات المتربصة ببعضها أهمية أن توكل أمر الميدان العام للقيم الكبرى لمؤسسة يفترض فيها أنها تمثل الجميع برضا الجميع وهي الدولة، وأهمية أن تدرك الدولة نفسها ذات المهمة التاريخية التي لا تليق بغيرها في صهر الجماعات المختلفة في قيم المواطنة المدنية بديلا عن التنازع على احتلال مساحة أكبر من الميدان العام.
لقد أدت أدلجة كل من الحداثة والإسلام بحسب نادر كاظم - أو ما أسماه بالإسلاموية والحداثوية - إلى أن لا يرى أحدهما لذاته وجودا إلا في نفي الآخر وإقصائه والاستيلاء على حصته من الميدان العام. وعلى رغم أهمية كتابات نادر كاظم وما تتيحه من أفكار وتأملات في الواقع الثقافي، خصوصا لجهة أننا ومنذ تشكيل الدولة الحديثة كنا نتصارع بالقيم أكثر مما كنا نتصارع حول القيم، وكنا ندافع عن رموزنا بإزاء رموز الآخرين أكثر مما كنا ندافع عن فهم هذه الرموز بإزاء فهم الآخرين لها، وكنا إذا دق التعبير مشغولين معارضة وموالاة وحكومة بتعظيم حصتنا من الخيرات المادية عبر اغتصاب مساحة أكبر من الخيرات الرمزية دون أن نفكر في أننا نـُـفقد هذه الرمزيات قدسيتها المفترضة بجعلها وسيلة نفعية، في الوقت الذي نزعم تعاليها وسموها على عالم المواد والأشياء، أقول إذن على رغم أهمية هذه الاقتراحات التي يقدمها نادر كاظم، إلا أن الأهم - ككل ما كتبه نادر كاظم - هو ما تثيره هذه الكتابات من أسئلة لم يتطرق الكاتب لها سواء لضرورات سياق الكتاب أو لضرورات أخرى.
من هذه الأسئلة هو إذا كانت كتابات ميشيل فوكو حول آليات الضبط الاجتماعي واغتصاب الفرد في دائرة الانضباط والرقابة التي تقوم بها الدولة والتي بنى عليها نادر كاظم جزءا كبيرا من أطروحته قد جاءت في فترة هيمنة الدولة على كل مفاصل المجتمع فهل مازال هذا التحليل صالحا ومشخصا للعقد الأول من القرن الواحد والعشرين ونحن نشهد تخلي الدولة عن مسؤوليات الضبط والرعاية إلى وكلاء رأس المال، وحيث برز الربح كعامل مؤثر لم يكن في الحسبان، بحيث إن الدولة التي كانت تؤدي وظيفة صياغة المواطن الفرد وتربيته بل ورعايته صحيا وبيئيا كجزء من مهمتها الفلسفية القديمة منذ نشأة مفهوم الدولة، أصبحت اليوم تبيع جزءا منها لوكلاء يضعون في اعتبارهم معايير الجودة والربحية أيضا - وربما أساسا - بدلا من معايير خلق ''المواطن الصالح''. تحولات كهذه لم تحدث فقط في العالم المتقدم الذي فيه توكل أميركا مهمات الجيش ''المقدسة في العراق'' لموظفين مرتزقة بعقود من آسيا وأميركا اللاتينية، بل حتى في دول الخليج والتي مازالت نظريا لم تستكمل مهمات الدولة في صياغة المواطن بالمواطنة المدنية.
نقول هذا على خلفية مثلا تشغيل السجون السعودية بأيدي شركات خاصة، وخصخصة قطاعات الخدمات في الخليج، وتحويل وزارات الدولة إلى هيئات في البحرين، وهي هياكل لا تنفصل عن الدولة من جهة كالشركات ولكنها لا تقع تحت سيطرتها تماما مثل الوزارات، ما يطرح التساؤل هل نحن بإزاء تعريف جديد للدولة، لا نعرف ما هو على أي حال؟ لكننا وظيفيا نعرف أن الدولة اليوم ليست معنية كثيرا بالمواطنة إلا بقدر ما يعني مفهوم ''الزبونية'' لدى شركات التسويق.
السؤال الآخر وهو على خلفية ما قاله الصديق ''حسين مرهون'' عشية الاحتفاء بالكتاب من أن هذا الكتاب يأتي في سياق التوافق مع ما قاله د. ابراهيم غلوم في نقده لمراوحة المثقف ما بعد الحداثي بين الحداثة وما قبلها، فجعل حسين مرهون من الكتاب مصداقا لمقولة بدا لي أن الكتاب أصلا يفندها، لا تفنيدا نظريا فقط خصوصا في فصله السابع، بل والأهم من ذلك تفنيدا عمليا واضحا للعيان، حيث إن هذه المراوحة على التخوم هي فقط التي سمحت لكاتب مثل نادر أن يمسك بخيوط التاريخ إذ لولاها لكان مكان نادر كاظم إما في مسجد أو مأتم يلمز الحداثيين أو في منبر تقدمي يلمز الإسلاميين، فكيف يستقيم أن يكون الكتاب مصداقا لنظرية أستاذنا الدكتور ابراهيم غلوم؟ بل إن اجتهادات باحث جاد آخر ومن منطلقات نظرية مختلفة هو الكاتب ''عبدالله خليفة'' في الإسلاميات هي أيضا إضافة مهمة في هذه المراوحة على التخوم.
أما السؤال الأخير - لضرورات مساحة المقال فقط - فهو ألا يسهم تخلي الحداثيين عن ميدان القيم الدينية ليجعلوها حكرا على القوى المحافظة في أن إصلاح الدين يصبح مهمة بعيدة المنال في هذا البلد؟ أليس لدى الحداثيين ما يقدمونه للدين أكثر من مجرد القطيعة وربما السخرية أحيانا من المحافظين أو في أحسن الحالات الحياد؟ لا أقول فقط على مستوى الفكر، بل على مستوى حتى الفعاليات الدينية، التي لو أحياها الحداثيون بطريقتهم لما كان لميدان القيم الدينية أن يكون محتكرا للمحافظين وحدهم لا شريك لهم؟

 

 

 

 

 
 
 

 

 

 

 

 

 

 

 
معجم السيميائيـات متابعـات نقديــة ترجمــــات

دراســــات

مؤلفــات بطاقة تعــريف الصفحة الرئيسيـة
للاتصـــال   مواقـــع  خزانات الموقـع صحف ومجـلات رسائل وأطروحـات وحدة تحليل الخطاب مجلـة عــلامات

موقع سعيد بنگراد - تاريخ الإنشاء: نونبر 2003