معجم السيميائيـات متابعـات نقديــة ترجمــــات

دراســــات

مؤلفــات بطاقة تعــريف الصفحة الرئيسيـة
للاتصـــال   مواقـــع  خزانات الموقـع صحف ومجـلات رسائل وأطروحـات وحدة تحليل الخطاب مجلـة عــلامات

 

سعيد بنگـراد

مقدمة

 

يناقش هذا الكتاب جملة من القضايا الخاصة بالتدليل كما تبلوره آليات النص السردي عبر الإيديولوجيا والسرد وعالم الممكنات. إنها أبعاد مكونة لماهية النص ومكونة لأسس تلقيه وتأويله وسبل التفاعل معه. فعبر هذه الآليات يتم استشراف الآفاق التي يفتحها "الوجه الخفي" للدلالة أمام مسارات التأويل والقراءات المتنوعة.

إن التعاطي مع هذه القضايا والأبعاد المكونة لها لا يمكن أن يتم دون إثارة سلسلة من التساؤلات حول الوضع " الإيديولوجي " للمعنى باعتباره الغاية النهائية -الواعية أو اللاواعية - لأي نشاط يندرج ضمن الزمنية الإنسانية. وبعبارة أخرى، كيف يأتي المعنى إلى النصوص انطلاقا من وجود هذه الغائية ؟ وكيف تأتي الإيديولوجيا إلى المعنى ؟.

بما أننا لا نعرف عن المعنى إلا ما تجود به "الأشكال " أولا، وما يثيره التداول ثانيا، فإن المدخل الرئيسي " لقول شيء ما "عن المعنى يتحدد في الإحاطة بكل ما يمكن أن يسهم في خلق هذا المعنى، أي محاولة رصد البؤر التي يأتي عبرها وفيها المعنى إلى الأشياء ويستحوذ على السلوك.

من هنا، فإن التساؤل حول عالم المعنى وعن كيفية تحديد حجمه وعن شروط إنتاجه ونمط اشتغاله، هو في واقع الأمر تساؤل حول النشاط الإنساني باعتباره البؤرة المولدة والحاضنة لهذاالمعنى. فهذا النشاط لايكتفي بإنتاج " أشياء ثقافية " يلقي بها للتداول قصد الاستهلاك والتواصل فحسب، بل يقوم أيضا بإيداعها في أنساق تمنحها وجودا مستقلا. فهذه الأشياء لا يمكن أن توجد إلا من خلال التوسط الإلزامي الذي تقوم به هذه الأنساق، وتجعل من هذه "الأشياء" موضوعات قابلة للإدراك.

وهذه الأنساق لا تدرك، من جهتها، إلا من خلال وجود سلسلة من القواعد التي تحدد وجود النسق في ذاته ( أي وجوده من خلال العناصر المكونة له والمحددة لهويته الخاصة) ومن خلال علاقته بالأنساق الأخرى ( أي ما يترتب عن التعريف السلبي الذي يحدد هوية هذا الكيان من خلال مايتناقض معه).

ولهذه القواعد وظيفة مزدوجة، فهي من جهة تحدد نمط اشتغال الأنساق وأنواع العلاقات الممكنة بينها، وتتحول من جهة ثانية إلى مصفاة، أي تتخذ هيئة سلسلة من الإرغامات التي يتم عبرها التواصل بين الأفراد والجماعات.

إن "مبدأ التوسط " الذي يحكم علاقة الإنسان بعالمه الخارجي يجعل من وجود هذه الأنساق أمرا ضروريا في وجود الحياة وممارستها. فعلى أساسها يبنى التواصل بين الكائنات البشرية ويستمر ويثمر. فهذه الأنساق تصبح، بفعل وجود هذا التوسط " ذاكرة جماعية " تم الحصول عليها عبر تعميم " لذاكرة فردية "  على حد تعبير إدوارد سابيــــــر (E Sapir : le langage).

ولعل هذا ما يفسر الدور الكبير الذي تلعبه النماذج سواء في تحديد المتون حيث تتأسس هوية النص عبر انتمائه إلى " نوع" يجسد مجموع خصائصه في الوجود وفي الاشتغال، أو في تصور أداة تمكن من فهم الظاهرة حيث يقوم التحليل بإدراج الظاهرة ضمن سيرورة، أو سيرورات تأويلية، تستعيد عبرها هذه الظاهرة خصوصيتها وغناها.

وعلى أساس هذا التحديد، يمكن تناول النشاط الإنساني وتحديد مناطق التدليل داخله. فإذا كان النشاط الإنساني يستعصي على الإدراك انطلاقا مما توفره الملاحظة المحسوسة، نظرا لتنوعه وطابعه المركب، فإنه في نفس الآن يقترح، من خلال الممارسة الإنسانية ذاتها، نماذج تفسر التركيب والتعقيد اللذين يميزان تجلي هذا النشاط والنسخ المتعددة لوجوده.

ولا يمكن أن نتعامل مع هذه النماذج إلا باعتبارها سلوكا متكررا وقابلا للانضواء في بنية عامة ومجردة ممكنة التجسد في نسخ خاصة ستغني لاحقا البنية المجردة.

إن الخروج من دائرة التعقيد والتركيب يمر عبر صب مجموع تمظهرات هذا النشاط ضمن " بنيات مجردة " هي الأداة الوحيدة لمعرفة كُنه دلالات هذا النشاط وسبل تحققها.

وبالإمكان، انطلاقا من هذا التصور، أن ننظر إلى هذه البنية باعتبارها سننا (code) يكثف داخله مجموع التحققات الممكنة للظاهرة الواحدة. فهو من هذه الزاوية سيرورة لأنه يستولي على السلوك في فرديته ويحوله إلى إطار عام يفسر كل الأنواع السلوكية المشابهة. وهو من زاوية ثانية نتاج لهذه السيرورة لأن وجوده مرتبط أصلا بوجود النسخ المتحققة في أي سلوك، فلقد كان هذا النموذج ظاهرة مغرقة في "التفرد" و"الخصوصية"، قبل أن يصبح عنصرا "ممثلا لقسم من الظواهر" تدرك وتؤول عبره الأفعال المحينة.

إن أشكال التحقق المتولدة عن " سنن كلي" هي التعريف السميولوجي الذي يمكن أن يعطى للإيديولوجيا. فالشكل المتحقق في حاجة إلى مادة تُدرك عبره وتبرر وجوده، وتحتاج القيم المتحققة أيضا إلى وجه مجرد تقاس من خلاله. وإذا كانت الإيديولوجيا، بالمفهوم السميولوجي للكلمة، هي تحيين للقيم في وقائع خاصة، فإنها تقوم أيضا بـ"إعادة تعريفها"، وإعادة التعريف هي حذف لخصائص أو إضافتها إلى ما يشكل المدخل الرئيسي لتعريف الظاهرة من خلال استحضار تجربة محسوسة تعد إغناء للأصل المولد وتنويعا له.

إن القضايا التي سنعالجها في هذا الكتاب تنطلق من هذا التصور، أي من إمكانية تحديد تخوم سميائيات للإيديولوجيا انطلاقا من كل المعطيات النظرية التي جاءت بها السرديات المعاصرة بكل أنواعها. وهذا ما سنحاول الانطلاق منه من أجل تناول ما يعود إلى التسنين السردي، حيث تتحدد مجمل العناصر المكوِنة في علاقتها بالنوع أولا وفي علاقتها بالنص المتحقق ثانيا وذلك وفق جدلية الانتقال من العام إلى الخاص ومن الخاص إلى العام. فـ "المكون المتحقق" هو صورة جزئية لأصل كلي.

ونفس التصور يحكم تناولنا لعالم الممكنات ( المتخيل وعلاقته بالواقعي )، باعتباره "بناء ثقافيا " يتأسس انطلاقا من " التجربة الواقعية " وضدها، فالنص في علاقته بالعالمين، يتحدد كفعل للانتقاء بامتياز : إنه منتوج صادر عن " أنا " مدركة لعالم موضوعي بعيون ذاتية. وكل إدراك ذاتي هو إدراك جزئي وانتقائي. وعلى هذا الأساس، فإن النص، في مستوى القصدية المؤسسة، أي لحظة تصور نص ما، قائم على أساس تحيين عناصر وتغييب أخرى.

إن جميع التحققات الممكنة ليست سوى رحلة من "هذا" العالم إلى "ذاك"، ومن "ذاك" العالم إلى "هذا". إنها تأثيث للعالم الأول بعناصر العالم الثاني، وتأثيث للعالم الثاني بما يجود به العالم الأول. إن الرحلة من الواقعي إلى المتخيل ومن المتخيل إلى الواقعي تمر عبر تسنين مزدوج : تسنين سردي ( الأشكال السردية المستوعبة لفعل القص )، وتسنين إيديولوجي ( نمط بناء القيم وتشخيصها ).

إن النص السردي، الذي يشكل منطلقنا الرئيسي في تناول هذه القضايا، يُبنى وفق التحديدات السابقة. إنه بؤرة مركزية لتحيين وتعريف وإعادة إنتاج القيم بكل أنواعها. إنه يُحين ما هو سائد على شكل قيم عامة ومجردة ( كل القيم الكبرى التي تؤثث حياتنا وتنسج تماسكنا بشكل مباشرأو غير مباشر، بشكل واع أو غير واع ) ويعيد تعريفها من خلال تنظيمها وفق أنساق جديدة محكومة بقواعد الفن أولا، وقواعد النوع السردي ثانيا.

ويتم هذا التحيين إما نتيجة لتسنين إيديولوجي سابق، وإما على شكل تسنين إيديولوجي هو جزء من عملية التحيين ذاتها، أي باعتبارها وليدة عملية البناء الفني ذاتها.

إن الصفحات الآتية ستبنى انطلاقا من هذه الثنائية: التسنين السابق والتسنين اللاحق. ففي الحالة الأولى نكون أمام نصوص تفسر وتشرح نصا إيديولوجيا سابقا. أما في الحالة الثانية فنكون أمام نصوص تبنى فيها الإديولوجيا من خلال عناصر بناء النص ذاته.

ومن أجل المزيد من التوضيح، قدمنا دراستين تطبيقيتين. الأولى قراءة لرواية  الضوء الهارب  لمحمد برادة، وفيها حاولنا استخراج القواعد السردية التي تحكمت في بناء الشكل الروائي العام من خلال بناء المشهد الجنسي باعتباره الركيزة الأساسية التي يقوم عليها الفعل السردي، كما حاولنا أن نكشف عن " الوقع الإيديولوجي" من خلال "تسريد" الجسد عبر ثنائية المذكر والمؤنث. أما الدراسة الثانية فخصصناها لرواية  الشراع والعاصفة لحنا مينه. ولقد حاولنا من خلال هذه القراءة أن نسلط الضوء على ما سميناه  بـ "زمن الاستئناس" الذي يتجلى عبر "الطابع الأطروحي " الذي يتحكم في بناء الرواية من حيث هي خزان للقيم ومن حيث هي نمط في البنـــاء  وفي التلقي.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

                  

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

                                        

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

           

 

 

 

 

 

 

 
 
 

صفحة المؤلفات

سيميولوجية الشخصيات الروائية

المحتــوى

 مقدمة

الفصل الأول : السردية والإيديولوجيا

 الفصل الثاني : التسنين السردي والوقع الإديولوجي

 الفصل الثالث : الجسد والسرد

 الفصل الرابع : الأطروحة وطقوس الاستئناس

 
معجم السيميائيـات متابعـات نقديــة ترجمــــات

دراســــات

مؤلفــات بطاقة تعــريف الصفحة الرئيسيـة
للاتصـــال   مواقـــع  خزانات الموقـع صحف ومجـلات رسائل وأطروحـات وحدة تحليل الخطاب مجلـة عــلامات

موقع سعيد بنگراد - تاريخ الإنشاء: نونبر 2003