معجم السيميائيـات متابعـات نقديــة ترجمــــات

دراســــات

مؤلفــات بطاقة تعــريف الصفحة الرئيسيـة
للاتصـــال   مواقـــع  خزانات الموقـع صحف ومجـلات رسائل وأطروحـات وحدة تحليل الخطاب مجلـة عــلامات

 

سعيد بنگـراد

التسنين السردي والوقع الايديولوجي

 

1 - السردية والنص الثقافي

في ضوء الملاحظات السابقة يمكن إثارة التساؤلات التالية : أين يتحدد التلاقي بين النشاط  الإيديولوجي باعتباره الغاية النهائية لكل أثر فني، وبين النشاط السردي باعتباره أحد أشكال تنظيم المضامين ؟ وكيف ينتج النص "وقعا جماليا " خاصا، وكيف ينتج النص "مدلوله " الجمالي والايديولوجي في الآن نفسه ؟

إن النص السردي ( ومعه باقي النصوص الأخرى) باعتباره نمذجة ثانوية (لوتمان)، لايمكن أن ينفلت من البرمجة المسبقة للأدوار والحالات الإنسانية. فإذا كنا قد حددنا، من جهة، الأكسيولوجيا كمستوى سميائي سابق عن التحقق اللساني (التحقق اللساني وأيضا التحقق غيراللساني مادام المستوى التصويري يتجاوز حدود اللفظي ليعانق كل مستويات وأشكال التعبيرالاخرى )، وحددنا، من جهة ثانية، الإيديولوجيا كممارسة سميائية مباشرة ومتجلية من خلال سند لساني ( أوأي سند آخر: مثال الصورة ومثال موضوعات العالم )، فهذا معناه أن هناك تسنينا مزدوجا:

-تسنينا سابقا عن التجلي النصي. ذلك أن القيم تملك، قبل أن تتحقق في فعل خاص، وجودا مجردا، ويعد هذا الوجود نقطة نهائية داخل سيرورة فعلية ( المسارات الخاصة بالممارسات المنتجة للقيم ). فقيمة كالشرمثلا، هي وليدة سلسلة من الأفعال المتكررة في الزمان وفي المكان ومعبرة عن فكرة الشر. فالشر لا يعين فعلا بعينه، ولكنه يعين سننا يكثف داخله كل الحالات الممكن ردها إلى التسمية "الشر". وبعبارة أخرى، فإن الشر في ذاته ولذاته لا يعني أي شيء، ولكنه في الآن نفسه يحمل في داخله أشكالا عدة للتحقق. إن وجود هذه الامكانات هي التي تسمح لنا بالحديث عن تنظيم سابق، وهو تنظيم غير مرئي، وغير معطى من خلال ظاهر المقولة، ولكنه يتحكم في كل المسارات المتولدة عنها.

-وتسنينا لاحقا، ومرد ذلك إلى أن الفعل الإنساني، رغم ارتباطه الكلي بالنموذج الذي يفيض عنه، فإنه يشكل نسخة خاصة. فكل فعل يغني ويضيف وينوع من تمظهرات هذا النموذج. وضمن ميكانيزمات وطبيعة هذه الممارسة يندرج النص. فالنص عندما يستحوذ على هذه القيم، يمنحها وجودا خاصا؛ وهذا الوجود هو ما يطلق عليه عادة بالوجود الفني. إن البحث عن أصل هذا الوجود يجب أن يتم ضمن دواليب النشاط الخالق له، أي التسنين السردي. وبعبارة أخرى فإن المادة الموضوعة للتمثيل تخضع، في مستواها المحايث، لمفصلة خاصة تنظمها في محاورأو "مقولات معنمية تامة".(1)

إن هذه التقابلات ليست معطاة دائما بشكل'' طبيعي''، بل قد تكون وليدة عملية بَنْيَنَة أيضا. ومن جهة ثانية، فإن صب الوجه المفهومي للقيم داخل مسارات تصويرية (النظرإلى الحياة من خلال حدود زمنية: عوض أن ننظر إلى الحياة من خلال الشر(م)الخير، العدل(م) الظلم، الفقر(م) الغنى، ننظرإليها من خلال أفعال تعبر عن هذه المقولات)، يؤدي إلى خلق تقابلات جديدة، ليست موجودة في سجل الذاكرة الثقافية المحددة داخل الموسوعة: ذاكرة الكلمة وذاكرة النوع وذاكرة المتلقي (قد يلغى التقابل "حياة م موت"، وتصبح الموت حياة: حالة الاستشهاد مثلا، وقد تصبح الحياة موتا: حالة الخمول والحياة بلا ذكر).

لهذه الاعتبارات، ولاعتبارات أخرى سنراها في حينها، > يمكن أن يتخذ الوجود الاستبدالي للقيم داخل النص الروائي شكلين:

- باعتباره تنظيما لشبكة من التناظرات التي يُلقى بها للتداول من خلال منحها بعدا تراتبيا.

- وباعتباره تحديدا خاصا للقيم يسير في اتجاه خلق مشروع روائي خاص.'' (2)

إن أساس وجود النص السردي ككيان مستقل ومكتف بنفسه ( أي باعتباره ممارسة خاصة ) يتحدد من خلال الشكل الثاني لنمط وجود القيم. ويعود ذلك إلي سببين :

-السبب الأول يكمن في أن النص صياغة جديدة للقيم، وهذه الصياغة هي وليدة السياقات الجديدة التي يخلقها-أي النص-: سياقات داخلية ( ما يعود إلى نمط البناء) وسياقات خارجية (مايعود إلى خصائص النوع الذي ينتمي إليه النص-المقارنة بين نصوص النوع الواحد مثلا -وبين نصوص تنتمي إلى أنواع مختلفة).

-السبب الثاني يعود إلى كون النص يعد زاوية نظر تُدرج من خلالها هذه القيم ضمن مسار يخلق سياقا جديدا يقود إلى فهم ''جديد'' و'' خاص ''للحياة، وهو ما يعبر عنه عادة بالكون الدلالي المصغر.

وبما أن النص ينبني دائما انطلاقا من وجود بنيتين:

-الأولى عميقة وتمثُل كتنظيم مفهومي للقيم، وتتميزبطابعها اللازمني. وتعد هذه البنية، رغم طابعها هذا، حصيلة نهائية لسيرورة تتم داخل الزمن. ذلك أن العناصر المثبتة داخل هذه البنية ستصبح النموذج/المصفاة الذي يقاس عبره مدى مطابقة أوعدم مطابقة العنصر المتحقق للأصل المجرد.

-والثانية "سطحية" متولدة ومنبثقة عن الأولى، وينظر إليها كتنظيم مشخص ومحسوس لنفس القيم. إنها الوجه الآخرلهذه البنية أي الوجه المتحقق لما كان يعد عنصرا مجردا في المستوى الاول،

فإن الانتقال من البنية الأولى إلى البنية الثانية لايحدد التلوين الثقافي والايديولوجي لنص ما فحسب، بل هوالذي يتحكم فيما ينتج من"وقع جمالي" يعود إلى ما نستشعره عادة من متعة ونحن نقرأ نصا ما.

وبعبارة أخرى، إذا كنا نعترف بالطابع المطلق لوجود هذه القيم في المستوى الأول ( إن هذا الطابع نسبي بطبيعة الحال، وهو كذلك في حدود ارتباط أية قيمة بسياق زمني ومكاني محدد)، فإن شكل تحقق هذه القيم هوالذي يحدد طبيعة الإطار الدلالي المثمن داخل النص.

وقد يبدو هذا النمط في توزيع القيم، من خلال طابعه السكوني واللازمني، منافيا لحركية الحياة وديناميتها، إلا أن هذا التحفظ سرعان ما يختفي إذا نظرنا إلى المسألة من زاوية أخرى. فالحديث عن تنظيمين مختلفين للقيم لا يعني، في جميع الحالات، إقرارا بوجودين قارين وساكنين للقيم. إن الامر على خلاف ذلك، فإذا كانت القيم في مستواها المفهومي المجرد هي المادة التي تغذي السلوك الفردي الخاص، فإنها، من جهة، لا يمكن أن تستمر في الوجود دون وجود معادل متحقق يجدد مضمونها ويطور بنيتها ( لنتذكر حالة اللسان في علاقته بالكلام، فرغم أن اللسان هو أصل الكلام إلا أنه لا يمكن أن يستمر في الوجود وأن يتطوربدون فعل الكلام (.

أما من جهة ثانية، ونتيجة لما سبق، فإن تحقق هذه القيم في وقائع محددة، يخلق أيضا سلسلة من الأشكال الوجودية الخاصة بهذه القيم. ومادمنا لا ندرك هذه القيم إلا من خلال الممارسة الفعلية، وضمن سياقات محددة، فهذا معناه أن كل شكل من أشكال وجود هذه القيم يعد إغناء للمادة المولدة لهذه الأشكال. فكل ممارسة فردية، باعتبار فرادتها، تمنح لهذه القيم أبعادا جديدة.

إن هذه التحققات المتنوعة للقيم هي الخالقة للخصوصية الثقافية. فإذا كانت القيم في مستواها المحايث ( التجريدي العام ) تتميز بالكونية والعمومية، فإن وجودها ضمن وقائع الوجود الفعلي الانساني هوالذي يمنحها تلوينا خاصا يُسهم في بناء ما يسمى بالثقافة، أي الطريقة التي تتم وفقها عملية تقطيع وتشكيل النسخ البادية من خلال الممارسة الانسانية. وذلك هو دور أي فعل ثقافي. إنه'' ىفكك المضمون ويثبت في وحدات ثقافية ليس فقط تلك الوحدات البسيطة كالألوان، وعلاقات القرابة، وأسماء الحيوانات، وأجزاء الجسد، والظواهرالطبيعية، والقيم والأفكار، ولكنه يقوم بنفس الشيء فيما يخص تلك الأجزاء الكبيرة المسماة إيديولوجية. فالمواقف الايدولوجية تتولد عن تقابلات السلاسل التوزيعية الطويلة المَبنينة وفق بعض المحاور''.(3)

إن السلوك الفردي (الخاص) يخبرعن المحتويات الثقافية الخاصة بمجتمع ما، ولكنه، في نفس الآن، لا يدرك ولا يفهم إلا باعتبار موقعه داخل هذا النسق الثقافي أوذاك. وبناء عليه > فالثقافة هي النمط الذي يُجَزأ وفقه نسقٌ ما، ضمن شروط تاريخية وانتروبولوجية خاصة، في حركة تمنح أبعادا موضوعية للمعرفة. إن هذا التجزيء يشمل جميع المستويات بدءا من الوحدات الإدراكية البسيطة وانتهاء بالأنساق الايديولوجية<.(4) ومن هنا، فإن الثقافة تقوم بتقديم السلوك الفردي بطريقة توهمنا أنه يشكل الوجود الوحيد الممكن للقيم. إنها تفصل، من خلال التركيز على الخصوصية، بين الوجه المجرد والوجه المتحقق لهذه القيم. فالسلوك الفردي، مرتبط في الوجود وفي الظهور بنموذج يفسره ويجعله مقبولا عند الآخرين رغم إغراقه في الخصوصية.

وعلى هذا الأساس، وفي مقابل الثقافة، تتميزالاكسيولوجيا، بكونها جهازا ينحو إلى التجريد ويتعامل مع القيم في مستويات بالغة التجريد. إنها بهذه الخاصية تنحو نحوالكونية وتشيرإلى كل ما يدفع إلى إدراك العالم كوحدة قيمية متجانسة. فكلما ابتعدنا عن الممارسة الفعلية أمعنا في الكونية، أي الذهاب نحو ما يوحد الكائن البشري. وعلى العكس من ذلك، فإن الثقافة تحيد عن هذا التصور وتُضيق من هذه الدائرة (دائرة القيم ) وتسير بها نحو التخصيص والمحلية والفضاء والزمان المحددين. وعبر هذه الخاصية نكتشف أحيانا وجود تأويلات متناقضة لنفس المعطى السلوكي منظورا إليه في سياقات متنوعة.>فنفس المعطى التصويري، أونفس الصورة ( ما يعود إلى الادراك الحسي) يتطابق مع تيمات مختلفة <(5). فما ينظر إليه كشيء تافه وحقير ومرفوض عند مجموعة بشرية ما قد يحتل موقعا هاما داخل النسق الاخلاقي لمجموعة بشرية أخرى. (6)

إن هذه التحديدات المتنوعة للنشاط الإنساني: النسق الدلالي الشامل  باعتباره إطارا عاما يحتوي في داخله على كل ما أنتجته الحياة من قيم، في مقابل الثقافة كنمط وطريقة لتوزيع هذه القيم (إيكو). الاكسيولوجيا كنسق قيمي مجرد وعام في مقابل الايديولوجيا كتحيين تشخيصي للقيم ( گريماص)، الايديولوجيا كمفهوم عام، والايديولوجيا المجسدة التي تحدد القيم ضمن جهاز يضمن لها وجودا ماديا ( ألتوسير)، كل هذه التحديدات تقودنا إلى تناول النص السردي باعتباره بؤرة لسلسلة من التسنينات الجمالية والايديولوجية والسردية. وكل تسنين يشتغل في انفصال وفي اتصال مع التسنينات المجاورة في الآن نفسه. فالتسنين الجمالي هو تجميع شامل وكلي لكل الخصائص الفنية القابلة للتحقق-جزئيا-داخل كون فني خاص ( يمكن تحديد النوع الروائي كرواية نموذجية ممكنة الوجود من خلال كل الروايات التي كتبت) ويستدعي، لكي يتحقق في كون خاص، صياغة فنية تسير به نحو ما يحدد خصوصية الكون المتحقق وخلق وقع جمالي خاص.

ومع ذلك، فإن هذا التسنين بمميزاته وخصائصه، لا ينفصل عن التسنين الايديولوجي. ذلك أن خلق وقع جمالي ما هو نتاج القدرة على إعادة صياغة القيم وفق مقاييس جديدة أوضمن أشكال جديدة أوانطلاقا من رؤية فكرية أو وجدانية جديدة.

وعليه، فإن الوقع الجمالي ليس طاقة حدسية وذاتية لايكشف عن كُنهها سوى الذات المتلقية، بل هو طاقة متولدة عن أنماط البناء الخاصة بكل كون فني. وهو بهذا لا ينفصل عن التسنين الايديولوجي مثلا. فالقول بوجود محاور دلالية داخل النص تتمفصل في مقولات محددة يؤدي تضافرها إلى خلق كون دلالي عام يشكل نسقا للقيم المثمنة داخل النص، لايعني أي شيء ولن يقود المحلل -وكذلك التحليل- إلى أية نتيجة إذا فصلنا هذا الكون عن السند الفني المولد للآثارالجمالية ( سواء تجلى ذلك من خلال الأداة اللسانية أوأي أداة أخرى ) . فالمعنى شكل ولايمكن أن يدرك إلا باعتباره كذلك.

وعلى هذا الاساس، وفى ضوء كل الملاحظات السابقة، يمكن القول إن الكون الدلالي العام المتولد عن بنية نصية ما بكامل أبعادها وبمستويات دلالاتها وأنماط تدليلها وكذا كل الاثار الجمالية التي تحدثها عند المتلقي يعود إلى كل هذه التسنينات وإلى تداخلها وتضافرها من أجل تشكيل بنية فنية متميزة.

انطلاقا من هذا التصور، يمكن القول إن الايديولوجيا تتمفصل داخل النص السردي وفق نمطين مختلفين في الوجود. وكل تمفصل يؤدي إلى تجلي خاص يفرض قواعد بنائه وصيغه وأدواته فهو:

- إما تجلي صريح لأيديولوجيا معينة-نسق أخلاقي أوقيمي محدد-. وبعبارة أخرى، فإن النص السردي ( المتن القصصي بصفة خاصة ) يتحول إلى ذريعة لشرح جوهر وأهداف وغايات هذه الايديولوجيا ( وذلك شأن بناء الروايات التي تنطلق من إيديولوجيا جاهزة، حيث إن النص يتحول إلى إخراج سردي لمقولة أوجهاز إيديولوجي سابق في الوجود على هذا النص، سواء تعلق الأمر بعقيدة دينية، أوفلسفية أو تصور إيديولوجي ) ونكون حينها أمام ما يسمى برواية الأطروحة بكل خصائصها في الابداع ( خصائصها الشكلية والدلالية) وخصائصها في التلقي ( كيفية خلق المتلقي وكيفية التعامل معه وكذا الطريقة التي يتصوره بها المؤلف(7)

-وإما تحقق لبنية دلالية صغرى لاتملك ( ظاهريا على الأقل) أي مضمون إيديولوجي سابق على تحققها في سياق خاص كثنائيات : الخير/الشر والظلام /النور والحرية /العبودية. وهو في هذه الحالة لا يبتعد عن الايديولوجيا ولا يتبرأ منها، ولكنه يقدمها في ثوب يخاط وينسج لحظة بناء النص السردي نفسه.

وهكذا، نكون أمام حالتين للأيديولوجيا، وكل حالة ستحدد نمط بناء الجهاز الذي سيقوم بتجسيدها. فهي إما فعل مسنن قبل ولادة النص ( تسنين سابق ) وإما لاحق، أي أن النص يعتبر لحظة تسنين مولدة لحالة أيديولوجية. وسنحاول، في الصفحات الآتية الكشف عن نمط بناء النصوص المدرجة في الحالة الاولى.

2  - لسردية والايديولوجيا ونظام الإرغامات

إن الحالة الأولى( حالة التسنين السابق) تنظر إلى عملية الانتقاء القيمي المؤدي إلى خلق كون دلالي ما، وكذا إلى عملية تحديد الاختيارات السردية المصاحبة له، باعتبارها عملية لا يخلقها النص ولا تعود إليه، بل تتم في مستوى سابق على شكل خطاطة تحدد لكل لحظة سردية مضمونها، وذلك ضمن أكبر توقعية ممكنة. ويتحدد النص في هذه الحالة باعتباره المعادل المشخص لجهاز مفهومي مجرد ومحدد التخوم والتوقعات والموقع.

وبناء عليه، فإن النص لا يخلق إيديولوجيا ولا يلونها ولا يسهم في إغنائها؛ إنه هنا باعتباره ذريعة أوسندا لعرضها عبر صبها في تجارب محسوسة ( وضعيات إنسانية ممكنة الإدراك). وهذه التجارب نفسها يجب انتقاؤها وفق متطلبات الجهاز المفهومي، أي وفق ما يضمن نقاء الأيديولوجيا وصفاءها. وفي هذه الحالة، فإن خصوصية أي نص لا تتحدد من خلال مادة قصصية متميزة ببناء خاص (8)، بل يتم في مستوى آخر، مستوى سابق على تشكل القصة ومثولها أمام القارئ بصفتها بناء خاصا. إن الامر يتعلق بعملية تتم في مستوى القيم حيث يتحدد الخطاب كتحيين لسلسلة من القيم تتميز بكون موقعها محددا بشكل سابق داخل نسق دلالي.

وبعبارة أخرى، فإن حجم السميوزيس (9) ومسار التأويل المتولد عنها لا يمكن أن ينفصلا عن الاختيار الايديولوجي الذي يصدر عنه النص. إن إمكانات التأويل-مع محدوديتها- حبيسة داخل ما يجود به هذا النسق، وحبيسة المسارات التي يقترحها أيضا.

وبصيغة أخرى، إذا كنا نقر-بشكل صريح أو ضمني- بأننا نتحرك داخل نسق دلالي شامل تتداخل فيه كل القيم حيث إن الشر مرتبط بالخير، والقبيح مرتبط بالجميل، والصدق يقابل الكذب، فإن أي فعل تأويلي لا بد وأن ينبني وُىتوقع انطلاقا من حقل السميوزيس اللامتناهية، أي من ذلك التدليل الذي لا يقف عند حد بعينه. وتلك ميزة كل فعل تأويلي.

إلا أن الأمر يختلف في حالتنا. فالسميوزيس منتهية ولها حدود ومسيجة منذ اللحظات الأولى للانتشارالسردي، حيث إن الاختيارات السردية الأولى تترافق مع الحسم في الاختيار الايديولوجي. مثال ذلك أننا إذا ضمنا نصا ما، محورا دلاليا:

 حلال ( م) حرام

وأدرجنا هذا الكل داخل نسق ديني  معين( الإسلام  مثلا )، فإن تحقق هذا المحورفي مسارات تصويرية وسردية لا يمكن أن يخرج عما يقترحه هذا النسق منذ اللحظات الأولى، بحيث إن كل الصياغات التي يمكن أن تعطى له تجد لها صدى فيما يمكن أن نقرأه في الأدبيات الفقهية والشرعية التي تعود إلى الاسلام. وبعبارة أخرى، فإن نمط البناء ونمط القراءة يتحددان من خلال موقعهما السابق داخل التصورالاسلامي لثنائية الحلال والحرام.

فهذه المقولة تضعنا أمام نسق كامل متكامل ومنسجم ومبني على أسس ليس من السهل النيل منها أو تجاوزها. إنها طريقة في تنظيم المناطق الحياتية من جهة نظر عقيدة تعرف بشكل سابق ما هو صالح وما هو غير صالح لمعتنقيها. إن الأمر يتعلق بنسق سميائي يلخص تاريخا طويلا في الممارسة الحياتية للانسان، وهو في نفس الوقت نسق يشتمل على صيغة تنظيمية للفعل الاجتماعي من حيث مقبوليته ومن حيث مرفوضيته.

إن هذه الصيغة التنظيمية تتحدد من حيث المبدأ انطلاقا من تقسيم ثنائي للفعل :

            -  حـــلال          =        مقبول

        -  حرام            =       مرفوض

وبما أن كل نسق يحتوي على قواعد منظمة للاشتغال ولمجالات التطبيق، فإنه يمتلك القدرة على استيعاب تناقضاته الداخلية من خلال " توقع " إمكانات الخرق التي تفرضها السياقات المتنوعة. وهكذا نجد أنفسنا أمام حالات لا تصنف لا ضمن الحلال ولا ضمن الحرام.

وبما أن "الاصل في الأشياء الإباحة "، فإن دائرة هذا المباح تتوسع على حساب الحرام لتخلق منطقة جديدة ليست لا هي بالحلال ولا هي بالحرام. ويتحدد الحلال أيضا في علاقته بال "الفرض "و" المستحب "، فإذا كان الفرض هو الحد الادنى السلوكي داخل الممارسة العَقَدية، فإن المستحب يشكل الفائض في هذا السلوك، أي المزيد من الالتزام تجاه قواعد العقيدة. وعلى هذا الأساس يجب أن تفهم مجموعة من المقولات كالواجب والمندوب والكروه والمستحب.

وبناء عليه، فإن البناء السردي، أى التمثيل التشخيصي للتجربة الإنسانية في عموميتها، تستوعبه التجربة الايديولوجية داخل منطقها الخاص. وتبعا لذلك، فإن الترسيمة السردية تتحين في وقائع ملموسة انطلاقا من وجود '' موجهات '' تفرض سلسلة من الارغامات على قواعد البناء السردي.

فإذا كانت ميزة كل نسق إيديولوجي نظرته إلى الحياة من خلال ثنائيات قيمية، يوصف البعض منها بالايجابية ويوصف البعض الآخر بالسلبية؛ الأول محبذ باعتباره كذلك والثاني مرفوض ومُدان لأنه يتناقض مع مضمون النسق الإيديولوجي، فإن الترسيمة العاملية (10) بصفتها سندا لكل التحولات (التحولات بصفتها خاصة من خصائص النص السردي) تختصر في وصف ثنائي الحدود: يُنظر إلى الذات الفاعلة المعبرة عن "الحق" و"العدل" و"الخير" بصفتها مركزا للفعل النبيل، في مواجهة قوى معيقة شريرة معبرة عن كل ما هو قبيح ومرفوض،  ولا وجود لإمكان التداخل بين العالمين أوعقد مصالحة بينهما.

من هنا تُبنى هذه الذات/المركز '' كأنا '' مثالية معبرة عن كل ثقافي صافي ونقي، أما '' الأنات'' الأخرى التي لاتدخل ضمن هذا الكل الثقافي، أو تخرقه أوتحيد عنه، فإنها تقع ضمن خانة مايجب أن يرفض وأن يحارب، وتبعا لذلك، تدخل ضمن دائرة المضامين التي ستعمل الحركة السردية على تغييرها.

انطلاقا من هذا، يمكن الحديث عن خطاب أصلي ثابت ولامتناهي في الزمان وفي المكان، و خطاب متفرع عنه. إن قوة الخطاب الثاني ونجاحه مرتبطان بدرجة اقترابه من الخطاب الأصل، الخطاب النموذج، أي خطاب'' الأنا ''المثالية وذلك في أفق تأسيس خطاب أيديولوجي يستوعب داخله كل "ممكنات" الممارسة الانسانية.

إن هذه التوقعية الكبيرة لها جذورها في النموذج المولد للعالم المشخص نفسه. وبعبارة أخرى، فإن المسار التوليدي (11) الذي يقود-داخل كل نص سردي- من العناصر الأكثر تجريدية ( القيم كشكل من أشكال وجود الفعل) إلى العناصر الأكثر محسوسية ( الفعل كشكل من أشكال وجود القيم) أي من النموذج التأسيسي، (12) إلى البنية الخطابية كمعادل مشخص لهذا النموذج، يحتوي في داخله على نمط واحد للتحيين.

فكيف تتم هذه العملية وكيف تتم محاصرة النص، ضمن استراتيجية لا يمكن أن تؤدي إلا إلى إمكان واحد للتحيين، وكيف يمكن التحكم في عناصره وكذا نمط بنائه والدفع بها في اتجاه توليد أثر معنوي واحد ووحيد؟.

إن إسقاط أي فعل مشخص وفق قوانين التجلي ( قوانين التجربة الانسانية العادية ) إنما يتم انطلاقا من نقطة ارتكاز أساسية تشكل لحظة مركزية بين سيرورة مؤدية إلى إشباع للفعل ولإمكاناته ( امتلاء العلامات ) وبين سيرورة بدئية داخل وجود الفعل الانساني في شكله القيمي المجرد. إن هذه اللحظة هي ما سبق أن أشرنا إليها باعتبارها كيانا قائما على علاقات ارتكازية من نوع:

خير(م) شر

صدق(م) كذب

 إيمان (م) كفر

إن العلاقة الرابطة بين المقولتين قابلة للتحول إلى عملية ( إلى إجراء ) بمجرد تصور إمكان إسقاط المجرد من خلال المحسوس، أي إدخال العنصر الزمني باعتباره الوعاء الذي تُحين داخله القيم وتتغير وتتطور وتولد وتنمو. وهذا التحول من العلاقات إلى العمليات لا يمكن له أن ينجز إلا وفق ما يبتغيه وما يحدده الجهاز الايديولوجي الذي يعاد داخله تعريف المقولات المسقطة على شكل أفعال.

وبناء عليه، تتحول العلاقات (العلاقات المكونة للنموذج التأسيسي ) إلى عمليات (عمليات القلب الأولى التي تقود من النفي إلى الاثبات ومن الاثبات إلى النفي) (13) وفق إمكان واحدة للتحقق. وهكذا ستبنى العمليات الخالقة لذات الخطاب ( الفعل التركيبي ) التي ستقود إلى خلق المعادل المشخص للحد المفهومي، وفق قوانين التسنين المنجز في مستوى الكون الدلالي الذي تم اقتطاعه من النسق الدلالي الشامل.

وعلى هذا الاساس، فإن تسنين القيم بشكل سابق يفرض تسنينا خاصا للفعل الحدثي نفسه، أي لحجمه وسمكه وعناصر تكونه. فكل شيء يجب أن يؤول وفق غاية تتجاوزه. وبعبارة أخرى، فإن الشيء لا يجب أن يؤول في ذاته ووفق سياقه المباشر، بل انطلاقا من " الموجهات" التي تفرضها طبيعة الغاية النهائية من توظيف هذا الشيء أوذاك. وحينها ستتطابق الأفعال مع بعضها البعض: لن يكون الفعل السردي ( صوت السارد ) سوى نسخة من فعل الوصف، ولن يكون التأويل سوى تأكيد لفعل الإخبار؛ وستكون المواصفات وجها آخر للفعل ولن يكون الفعل سوى تحقق للمواصفات.

إن الأمر يتعلق في جميع الحالات بمحاولة النظر إلى كل السلوكات والمواصفات والأحداث عبر جهة نظر واحدة ترمي إلى خلق كون ثقافي نقي وصافي يتطابق مع الكل الثقافي المعبر عنه من خلال صوت السارد. وهذا الكل الثقافي هو المرادف الحدثي (السردي) للجهاز القيمي الذي يتولد عنه الكون السردي.

إن هذا التطابق هو وليد "الموجهات" الإيديولوجية المشار إليها سابقا. وستؤول هذه الموجهات كتقطيع إيديولوجي لطاقة مضمونية والقذف بها للتداول- عبر أجهزة النص السردي- وفق أنماط محددة للتحقق.

إن هذه الموجهات تتحقق بشكل مزدوج:

-أولا على شكل "إرغامات" خطابية. ويتجلى ذلك من خلال عملية توزيع العناصر المؤثثة لكل كون دلالي، حيث إن توزيع الوحدات الدلالية في أعمق مستوى ممكن ( رد الكون المضموني العام إلى الوحدات التي تخبر عنه ) يسير في اتجاه محاصرة نمط بناء وحـــــدات التجـــلي الدلالية ( الأشكال المضمونية الظاهرة ) والدفع بها إلى بلورة مضمون إيديولوجي واضح المعالم والحدود. والشيء نفسه  يمكن أن يقال عن نمط توزيع الفضاء وتوزيع الزمان، حيث إن عناصر هذين المكونين يجب أن تسير في اتجاه خلق انسجام الكون الدلالي المثمن بدئيا. وبعبارة أخرى، فإن المعنى يُبنى وفق استراتيجية تلغي التشويش وتلغي البياض الدلالي وتقاوم التأويلات التي قد تقود إلى فهم آخر للنص غير ما يريده الصوت الخالق للكون السردي أو يتناقض مع غاياته.

- ثم على شكل إرغامات سردية ثانيا. حيث إن الخط السردي يجب أن يسلك سبيلا يقود في نهاية الامر إلى خلق كون منسجم ومترابط الوحدات، حيث لا حلول غيرالحلول التي انتهت إليها الدورة السردية كما هي محددة من خلال البناء الايديولوجي، ولا تأويل سوى ما آلت إليه الاحداث، ولا بناء خارج خطية متراصة لا تحيد كثيرا ولا تغيب عنها نقطة ارتكازها الأولى.

 " -3 الموجهات": الإرغامات الخطابية

أ- الانتقاء  إجراء  ايديولوجي

تؤكد Rubin-Suleiman  في معرض حديثها عن بنية المثل (l'exemplum)  أن '' كل كون دلالي مؤسس على قيم واضحة هو كون بسيط.'' (14) فماذا نعني بالبساطة ؟. إن البساطة بهذا المعنى هي استراتيجية  قائمة على الوضوح والابتعاد عن التشويش والغموض وتعدد المعاني. وبعبارة أخرى العمل على الابتعاد عن كل ما يؤدي إلى تعددية التأويل.

ويمكن النظر إلى هذا المفهوم، من الناحية الدلالية، باعتباره  إجراء يقود إلى استشراف كون دلالي يُفكر فيه ( التسنين الأول ) ويُبنى(التسنين الثاني، أي عملية التحيين داخل سياق خاص) ويُؤول (استهلاك النص، أي عملية التلقي ) انطلاقا من استراتيجية تحارب '' الطفيليات '' التي قد تشوش على التلقي المثالي المبرمج في فعل التسنين نفسه.

وبعبارة أخرى، فإن صياغة الثنائيات القيمية وإدراجها ضمن جهاز أكسيولوجي وأدلجتها ( بالمفهوم الگريماصي للكلمة ) كل ذلك يجب أن يظل محكوما بالعناصر والقواعد التي يقوم عليها التسنين الأول. والشيء نفسه يصدق على فعل التأويل، باعتباره فعلا مساهما في إنتاج المعنى حيث إن التأويل يُبنى لحظة صياغة الثنائيات أو تعديلها أوإعادة بنائها.

وعلى هذا الأساس، إذا كان كل خطاب يتأسس، من أجل بناء كونه السياقي الخاص، انطلاقا من عملية انتقاء لسلسلة من الإمكانات التي يوفرها المخزون الدلالي للفعل الانساني وعلاقته بأشياء محيطه، فإن هذا الانتقاء السياقي يتم بشكل مزدوج:

- فمن جهة يشير هذا الانتقاء إلى الكون الدلالي الذي تم اقتطاعه من النسق الدلالي الشامل وتقديمه كبرنامج للفعل والتخطيب (discursivisation) وأيضا، وأساسا، كبرنامج لفعل التلقي. ذلك أن أي اتصال مع هذه العناصر الدلالية المعزولة لا يمكن أن يؤدي إلا إلى استحضار - بشكل ضمني أو صريح- للعالم الذي يحكم هذه العناصر، أي استحضار كلي لقوانينها وقواعدها.

- ويشير من جهة ثانية إلى العالم المحين، أي إلى العالم الذي صيغ انطلاقا من كون أعم وأشمل. والأمر يتعلق بكل المعطيات التي تتضافر من أجل بلورة وتكوين هذا الكيان المسمى نصا. وما هو جدير بالملاحظة في هذا المجال هو أن هذه المعطيات تشتغل وفق قوانين وقواعد عملية الانتقاء الأوّلي. ومعنى هذا أن عملية الانتقاء في حد ذاتها وفي طريقة تحققها تشكل اختيارا سيلعب دورا هاما في تحديد هوية العناصر المنتقاة.

وبناء عليه، فإن النص يُبنى كعالم مغلق ومكتف بذاته من حيث التحديد الدلالي المسبق، ومتفتح على محيطه وفق الكوة التي تحددها عملية الانتقاء الاوّلى. ومرد ذلك  إلى أن النص في عملية تكونه محدد بغائية سابقة على وجوده. فالمعنى لايُبنى أو لايُؤسس انطلاقا من تجميع للوحدات الدلالية والكشف عن سياقاتها الجديدة، إنه كذلك بشكل سابق، ولاتقوم هذه الوحدات إلا بتأكيده وإثباته ( فما هو أساسي هنا لا يعود إلى الوحدات في حد ذاتها، بل إلى نمط بنائها ونمط توزيعها ونمط تنظيمها ).

 وفي هذا الاطار يدخل ما ذهبت إليه "سوليمان" في معرض حديثها عن نمط بناء البطل وعن نمط تأسيس الكون الذي يتحرك داخله، وكذا عن القيم التي يناضل من أجلها هذا البطل. فهذه القيم معطاة بشكل سابق على فعل التحيين في شكل أحكام جاهزة " فهي لا تُبنى ولاتُكتشف أثناء صياغة القصة. إنها معطاة منذ البداية بشكل يجعل من تداولها داخل القصة شرحا لحقائق مقبولة بشكل سابق عوض أن تكون إثباتا أواكتشافا جديدا لها ''.(15)

تأكيدا لما سبق، يمكن القول إن لحظة الانتقاء القيمي تشتغل في نفس الآن كتحديد للوعاء الذي يحتوي القيم ويحدد لها حجمها وامتدادها، وكاستشراف للعالم القابل للتحيين وفق قواعد تؤكد الانتقاء الأول وتضعه كإمكان وحيد للتحيين.

إلى هذا الحد من الدراسة، يكون بإمكاننا القول إن العالم الروائي، في ضوء هذه الملاحظات، يتحدد كجهاز مفصول عن قارئه ويحلم بإمكانية التواصل مع هذا القارئ من موقع قدرته على تقديم طبق إيديولوجي جاهز للاستهلاك، ولن يتجاوز وجود القارئ وتدخله حدود تعيين المعنى وصياغته بطريقة تجعل من تداوله أمرا ممكنا.

من هنا، إذا كانت البنيات الخطابية ( مجمل العناصر المنتجة للوقائع الدلالية ) في الروايات التي تبني عالمها الايديولوجي انطلاقا من نمط انتظام عناصرها الداخلية، تتحين على ضوء وجود خطاطة نصية مفترضة لدى القارئ تمكنه من تحديد حجم السميوزيس وتسييجها بما يمكن أن تمده بها موسوعته، كما تمكنه من تحديد التوجهات الممكنة للتحيين، ( ما يطلق عليه إمبرتو إيكو الوطبيك Topic) ( 16)، فإن الأمر في حالة الروايات التي تشتغل على عقيدة سابقة مختلف جذريا.

فإذا كانت هذه الفكرة (topic ) هي فرضية للقراءة تعتمدها الذات المتلقية في أفق تحديد الانتظامات المؤدية إلى خلق انسجام داخلي للنص- دون أن يعني ذلك خضوع هذه الذات لما يقترحه النص خضوعا كليا- فإنه في حالتنا ( حالة رواية الاطروحة مثلا )، يصاغ بشكل سابق وبعيد عن عالم النص، ويشتغل كموجه بدئي ومفروض على القارئ. إنه موجه لأن النص يحدد للقارئ منذ البداية نمط وحدود هذا التحيين، ومفروض لأن النص يعطى مؤولا من خلال فعل التسنين الأول. وكل فرضية للقراءة لايمكن أن تصاغ إلا انطلاقا مما يوفره النص في حالته الاحتمالية.

مثال ذلك أننا إذا وجدنا أنفسنا أمام وضعية بدئية تصاغ نصيا كتحديد لوضع إنساني عام، فإن إمكانات التحيين الدلالي لا يمكن أن تكون إلا مفتوحة، ولا يمكن لإمكانات الانتشارالسردي أن تكون إلا كبيرة ( أكبر قدر من التوقعية ). إن لحظة الحسم في الاختيارات ستكون محكومة بما يمكن أن نطلق عليه بالصياغة الايديولوجية السابقة على نضج الفعل السردي. وفي هذه الحالة فإن الفعل الايديولوجي هو الذي يتحكم في عملية تحديد الامكانات السردية والتقليص من حجمها وامتداداتها. ونسوق مثالا لتوضيح ذلك : > لم يكن عيسى يملك شهادة ولا مالا. وإنما هو عاطل عن العمل يقضي أغلب أوقاته بين المقهى والبيت.... <

إن هذه الفقرة القصيرة تشكل الحد الادنى السردي القابل لتوليد سلسلة كبيرة من" الحكايات " . وهذه الحكايات هي في واقع الأمراختيارات يتم توليدها انطلاقا من وضع غير محدد الآفاق. فهذه الوضعية قد تعطي :

- قصة سارق

- قصة مخبر

- قصة مناضل

إن أي اختيار هو في الوقت نفسه إقصاء لإمكانات وتحيين لأخرى وهو في الوقت نفسه  تحديد لتوجه إيديولوجي.

إن الأمر يتعلق بمراقبة صارمة لعملية الانتقاء الدلالي. فالوحدات الدلالية المقتطعة من المخزون الثقافي العام تخضع، لحظة تحققها، لتحديد صارم لنمط هذا التحقق وكذا لحجم وحدود انتشارها وتلاقحها مع وحدات أخرى من نفس الطبيعة أو من طبيعة مشابهة.

فإذا كان الخطاب ينتقي إمكانا دلاليا ضمن إمكانات أخرى، فإن هذا الانتقاء يجب أن يكون محكوما بالمضمون الايديولوجي المفروض على البناء النصي منذ اللحظات الأولى لعملية بناء النص الروائي. وتشمل هذه المراقبة مجموع مكونات الكون الدلالي بدءا من الوحدات المعجمية (انتقاء الكلمات وتحديد طريقة تنظيمها) وانتهاء بالتناظرات (17) المتنوعة ( الدفع بالقارئ إلى اكتشاف وجود إطار دلالي يوحد بين كل الوحدات المنتقاة) مرورا بالتشكلات الخطابية وما يتفرع عنها من مسارات تصويرية ( المراقبة الدقيقة لبناء الثيمات وكذا الوحدات الدلالية المؤدية إلى الربط بين الثيمات المختلفة (.

ولنأخذ المثال التالي: كلمة "جذور" ، إن هذه الكلمة تحتوي على مخزون دلالي واسع جدا، أي تحتوي على سلسلة من الممكنات الدلالية التي يمكن تحديد بعضها( آخذين بعين الاعتبارالحقل الثقافي الذي نتحرك داخله فقط ؛ فبالامكان تصور ممكنات دلالية أخرى تتحدد داخل ثقافة مغايرة لثقافتنا ) في ما يلي :

- جذور: مدخل(1) مدخل رئيسي يتحدد في : الجزء الذي يختفي في التراب. فإذا كانت الأغصان أجزاء سماوية فإن الجذور هي أجزاء أرضية.

- جذور : مدخل (2) الاصل، العناصر الماضية المبثوثة في التاريخ الشخصي لكائن ما

- جذور : مدخل (3) الالغاء، إلغاء ما سبق وخلق قطيعة مع شيء ما. وهو ما يعني إدخال سياق يقوم بتنويع داخل نفس المدخل، ويتحدد هذا السياق الجديد في : البداية الجديدة، التطهر، التخلص من فكر ما أو سلوك ما.

ومهما تعددت السياقات وتنوعت، فإن المدخل الأول سيظل ثابتا لأنه يعد الأساس الذي يتم انطلاقا منه استشراف الامكانات الدلالية المرتبطة بتطور الممارسة الانسانية والمتميزة  بتعدد الجوانب التي يمكن انطلاقا منها تحديد ماهية الانسان. وفي نفس الوقت فإن كل مدخل يحتوي على ثنائية قابلة لتوليد عالمين متقابلين:

-المدخل الاول:    يضعناأمام الثنائية :   سماء  (م)  أرض

-المدخل الثاني:  يضعنا أمام الثنائية:    أصيل  (م)  غيرأصيل

-المدخل الثالث:  يضعنا أمام الثنائية:    قديم   (م)  جديد

ملاحظة :  بإمكاننا انطلاقا من نفس الثنائيات توليد سلسلة من الثنائيات الفرعية القابلة للانضواء داخل سياقات محددة وإنتاج نصوص متنوعة. فالأمر يعود في نهاية المطاف إلى السياقات التي تخلقها النصوص.

وعلى هذا الأساس، يمكن التعامل مع كل سياق باعتباره ذاكرة قد يختفي وجهها المشخص ولكنها تستمر في الحياة كوجود احتمالي. ونتيجة لهذا، فإن تحديد السياقات هو وحده الكفيل بجعل الخطاب ينفتح على مرجعه. وبعبارة أخرى تتحدد مرجعية الخطاب من خلال انبثاق السياقات من صلب "المتصل" غير الدال.

من هنا يمكن القول إن للوحدات المعجمية ذاكرة، وذاكرتها هي مجموع السياقات القابلة للتحقق انطلاقا من إمكان تصور تحيين كلي لمجموع الحمولات الدلالية التي تشتمل عليها هذه الوحدات. ومن هذه الزاوية، لن يكون السياق سوى تحديد لمضمون دلالي له جذوره في اللسان وفي الثقافة وفي التاريخ.

وبناء على هذا، إذا كان اللكسيم هو وحدة مضمونية قارة ومحكومة، في تحققها، بمجموع السياقات القابلة لاستيعابها(18)، فإن الخطاب، باعتباره أداة تحيينية للكون الدلالي، يقوم، في انتقائه لإمكانية من ضمن هذه الإمكانات، بمصادرة ذاكرة الوحدات المعجمية. إنه ينفي عنها موقعها داخل الممارسة الانسانية وموقعها داخل التاريخ، ولحظتها لن ترتبط هذه الوحدات بماضيها وبكل حمولاتها المتنوعة بل ستشد إلى الجهازالايديولوجي المثمن بدئيا. وبعبارة أخرى، فإن الخطاب يوصد الباب في وجه الامكانات الأخرى من خلال تقليص حجم السياقات وتعويض هذا التقليص بالإكثار من العناصرالتي تتحدد وظيفتها في رد كل الجزئيات ( الوضعيات الإنسانية الموصوفة أوالمسرودة ) إلى ما يؤكد الوحدة الدلالية المنتقاة، وعبرها مايؤكد الكون الدلالي المثمن.

وبناء عليه، فإن التقليص من السياقات هو حد من إمكانات التداخل بين الوضعيات الانسانية. فالسلوك الانساني يولد حالات متشابهة في الجوهر وفي أنماط التحقق. وسيؤدي هذا التقليص إلى تقزيم مسارالسيرورة التدليلية (السميوزيس ) ولن يتم التعامل مع هذه السيرورة سوى من خلال ما توفره وحداتها في حدها الادنى.

 

ب-  الايديولوجيا  ومسارات  التدليل

فكيف يمكن التحكم في عالم يعج بالكائنات المتناقضة والأشياء المتنوعة والمسارات المتقابلة؟ كيف يمكن الامساك بالوحدة داخل هذا التعدد الكبير؟ وكيف يمكن التحكم في فعل القراءة وفعل التأويل والزج بهما في سبيل لن يؤدي إلا إلى تأكيد وحدانية المعنى؟

إذا سلمنا بأن كل عالم دلالي ( كيفما كانت أدوات تحققه) يُبنى انطلاقا من وحدات مضمونية صغرى قابلة لكل أنواع الانتشار، فإن هذه الوحدات، بحكم طبيعتها ( تعددية الإمكانات وتنوع السياقات ) وبحكم طريقة اشتغالها ( التحققات المتنوعة: الانتشار التوزيعي والانتشار الاستبدالي) تجنح، بمجرد تسربها داخل جزء من أجزاء الخطاب، إلى نسج علاقات مع وحدات أخرى من نفس الطبيعة (19) ( أو من طبيعة مغايرة ولكنها تملك معها قاسما مشتركا ما) لتخلق بذلك شبكة من التداخلات الدلالية التي قد تقود إلى نوع من التمرد على استراتيجية التوليد الدلالي كما تم تصورها في بداية النص.

انطلاقا من هذا التصور، إذا كان التناظر إجراء خطابيا يشتغل، على المستويين الدلالي والتركيبي، كضبط ذاتي للعالم الدلالي سواء تعلق الامر بالحد الادنى الدلالي ( الوحدات المضمونية منظورا إليها في مستواها البدئي التقريري ) أوتعلق الأمر بانزياحاتها الايحائية التي تعد أولى محاولات خرق المكون الدلالي، فإنه هو الضمانة على خلق انسجام الكون الروائي وتحديد مجموع دلالاته. إنه العنصر الموحد والعنصرالمنظم، ولكنه هوالعنصر الموجه أيضا: موجه للقراءة وموجه للتأويل.

وعند هذه الوظيفة الأخيرة بالضبط تتوقف الآلة المنتجة للنص لتمنحها كامل أبعادها. ذلك أن العالم الروائي ليس سوى وضعيات إنسانية متراكبة ومترابطة فيما بينها. وليست هذه الوضعيات سوى مجموعة من العناصرالمترابطة فيما بينها أيضا؛ ويعتبر أي تمثيل لهذه الوضعيات تأويلا مسبقا لها. إن تحديد وجودها المجرد وإدراجها ضمن "صورة" عامة للكون وللإنسان يقتضيان مراقبة هذا الكون من خلال مراقبة جزئياته الصغيرة.

في هذه الحالة، فإن الجزئيات تعطى مؤولة من خلال محاصرة نموها وضبط حجمها وتوجيه مضامينها وفق ما تشتهيه الاستراتيجية المولدة، وذلك عبر توحيد أدوات التمثيل الدلالي المشخص منه وغيرالمشخص. وهكذا، فإن العوالم المخيالية المنبثقة عن الوصف هي وجه آخرللفعل الحدثي المُخبر عنه من خلال الفعل الوصفي

-ما يتولد عن فعل الوصف:

-ما يتولد عن فعل السرد: قول السارد، قول الشخصيات

ويعتبر ما يقدمه الفعل الأول وما يقدمه الفعل الثاني صيغتين لمضمون دلالي واحد موزع إلا أنه موزع على وضعيات مختلفة تُقرأ وفق المنظور الواحد.

وبعبارة أخرى، تحاول يد صانع الكون السردي تحديد جذع دلالي مشترك يوحد هذه الوحدات ويدرجها ضمن المنظورالمتوقع في الاستراتيجية الأولى: أي التسنين الايديولوجي كمادة تغذي شكل التحقق هذا.

إننا أمام كون يُبنى وفق استراتيجية التقليص. ذلك أنه إذا كانت الأكوان الدلالية توجد ( على الاقل في مداخلها الرئيسية ) خارج أسوارالايديولوجيا، فإن أي تحيين لها لا يتم إلا وفق منظار هذا الجهاز؛ إنه السبيل الوحيد للوصول إلى:

- توحيد أقصى للكون الدلالي

- تقليص أقصى لدور القارئ

- تقليص أقصى لحجم التأويلات

وهكذا سيُبنى النص خطابيا ( الأشكال المضمونية المتنوعة ) وسرديا ( البناء القائم على أساس وجود خطاطة قبلية ) وفق استراتيجية تعطي المعنى ممتلئا وقادرا على توليد نفسه بنفسه من خلال مجموع العناصرالمسيجة لأية وضعية يتم تحيينها. وحينها سيكون دور القارئ  موزعا بين فعلين أساسيين في البناءالغائي للنص: فمن جهة عليه أن يقوم بتعيين المعنى وتحديد حجمه ضمن التصورالعام المبثوث في ثنايا الوحدات الدلالية الصغرى المشكلة للكون النصي، ومن جهة ثانية يرضخ هذا القارئ لتوجهات النص والدفع به إلى استخراج قاعدة للفعل على حد تعبير سوزان روبان سليمان.

إن قاعدة الفعل هاته مرتبطة أشد الارتباط بنظام النص نفسه. فالنص الذي ينذر نفسه لغاية تتجاوزه، ويتولد عن إيديولوجية توجد خارج أسواره، لا تستقيم عملية تلقيه إلا من خلال رصد مخلفات الامتداد الخا-نصي التي يقترحها. وبعبارة أخرى، إن المرجعية "الواقعية" ( أو ما يقدم بصفته عناصر مرجعية مباشرة) التي يحاول النص بناء نفسه ضمنها- معها أو ضدها- تتحول إلى غائية تتحكم في القراءة والتأويل والاستعمال.

ورغم ذلك، فإن قدرة النص- من خلال إمكاناته الذاتية- على استيعاب كل المعطيات الواقعية ضمن نظرة واحدة ووحيدة وموحدة أمر في غاية الاستحالة. لأن ذلك مخالف لطبيعة المعني  ولميكانيزمات توليده.

وعلى هذا الأساس، فإن حلم الرواية في خلق حالة تلقي مثالي ( كل رواية  تحلم بأن تؤول وفق نواياها الخاصة) يصطدم بطبيعة الكتابة نفسها، أوما تسميه  Suleiman بـ'' ثأر الكتابة''. ذلك أن الوحدات النصية تملك ذاكرة ولن يستطيع الخطاب- كيفما كانت شمولية بنائه- أن يلغي هذه الذاكرة. إن الوحدات المخدرة ( بتعبير إيكو ) (20) لاتلغى ولاتموت؛ إنها تظل في حالة كمون." فكل خطاب يترك السبيل مليئة بصورالعالم التي رفضها. وهذه الصور تستمر في ممارسة حياتها الاحتمالية، وقابلة للانبعاث مع أدنى جهد للتذكر. "(21)

ومن هذه الخلاصة بالذات يمكن تصور دراسة تأخذ على عاتقها النبش في ثنايا النص وتحديد بؤر التمرد على جهاز إيديولوجي يفرض نفسه-داخل النص - كحقيقة قصوى. حينها ستتبدى معالم خيانة لا يمكن سترها : خيانة النص لنفسه وخيانة النسق الدلالي لنفسه ولمنطق إيديولوجيته المولدة. وتتجلى هذه الخيانة في عدم قدرة الايديولوجيا على استيعاب كل معطيات النسق الدلالي الشامل وصياغتها وفق نسقها الخاص. وتلك هي البادئ التي تقوم عليها سيرورة التأويل . فالموضوع يتجاوزالعلامة، وعملية التمثيل لايمكن أن تكون إلا نسبية، ولهذا السبب فإن العلامة لاتقوم إلا بتحديد جزئي للموضوع. فالوحدات المخدرة لم تمت، ذلك أن التحقق المباشر لا يعني قتلا للسياقات الأخرى. إن هذه الوحدات تتراجع وستنبعث مع كل فعل تأويلي يتمرد على استراتيجية التوليد.

وبناء عليه، فإن الفعل الواصف انتقائي بطبيعته ( وكذا الفعل السردي ). ونتيجة لذلك، فإن العناصر المنفلتة من عملية الوصف ستكون هي البياضات والكوى التي يلج من خلالها القارئ إلى النص وتحيين مالم تتوقعه الاستراتيجية المولدة. ومرد كل هذا الى أن التجربة الإنسانية تشكل خليطا من الأنساق الثقافية القابلة للتعايش داخل السلوك الواحد. من هنا فإن لاوعي النص خفي ومستتر ولايكشف عن نفسه إلا داخل سياق محدد، وهذا السياق هو الذي يحميه من كابوس الارغامات الايديولوجية، لهذا فإنه لاينتعش إلا داخل السياقات الكبرى، وغالبا ما تكون هذه السياقات الكبرى مجسدة في الحكاية. فمسألة تصور وضعية إنسانية ما والشروع في تسريد عناصرها، يعني أن قدرة الذات الساردة ستضعف أمام الكم الهائل من " المقترحات" التي تقدمها هذه الوضعيات ولن تتمكن من "مراقبة" كل الجزئيات البسيطة التي تتحقق في أي فعل واصف.

نتيجة لكل ذلك، فإن الكشف عن الايديولوجيا وعن أشكال تمظهرها وعن نمط اشتغالها يجب ألا ينطلق مما تطرحه الاستراتيجية المولدة من محاوردلالية كبرى واعتبارها مهدا وأرضا خصبة للأيديولوجيا. إن الأمر لا يقود في هذه الحالة إلا إلى قراءة تقليصية همها البحث عن فكر لا البحث عن العناصر الصغرى المؤسسة لهذا الفكر.

إن أي فعل تأويلي عليه أن يؤسس نفسه من خلال الجزئيات التي تعد الحجر الأساس في بناء أي تصور عام للحياة. إذ عبر هذه الجزئيات تتسرب عناصر ثقافية متنوعة يمكن اعتبارها اجزاء من أنساق ايديولوجية لم تكن متوقعة في التسنين الأول.  

4  -  الموجهات: الإرغامات السردية

- البناء السردي  وآليات  الوجود  الايديولوجي

لقد أشرنا في الصفحات السابقة إلى أن النص المبني انطلاقا من نسق أيديولوجي سابق يدخل ضمن النصوص التي تحكمها غائية صريحة. والغائية هي سلسلة من الارغامات التي تجعل من كل العناصر والأساليب المستخدمة في بناء نص ما تسير في اتجاه نقطة (غاية) محددة بشكل سابق. فالإرغامات الخطابية التي حاولنا تحديد بعضها في الصفحات السابقة لا يمكن أن تفسر إلا بوجود غاية هذه المرسومة سلفا؛ وعلى أساسها تُتَصور التجربة الإنسانية ويُفكر فيها وتُعاش وتُؤول انطلاقا من رؤية فكرية محكومة بيقينية تُحدد  بشكل سابق لكل  موقع ووظيفة كل عنصر داخل النص. وإذا كان الغطاءالخطابي هو ما يمنح الهيكل السردي خصوصية في التحقق، فإنه يشكل التلوين الثقافي لشكل مضموني ما متحقق عبر شكل سردي خاص.

إن الأمر يقودنا في هذه الحالة إلى رصد إرغامات من نوع آخر، ويتعلق الأمر بالإرغامات السردية. ورغم أن الهيكل السردي يعتبر -في التصور الذي ننطلق منه على الأقل- صيغة كونية لتنظيم المضامين، فإنه في طريقة صياغته لهذه المضامين لا يفصل بين عملية التمثيل وبين عملية التأويل. وسنحاول فيما سيأتي تقديم بعض الملاحظات الخاصة بالموجهات الإيديولوجية كما تبدو من خلال المستوى السردي. وبعبارة أخرى سنحاول تحديد المضامين الايديولوجية التي تولدها الأداة الممثلة، أي الفعل السردي.

فأين يقع المستوى السردي من عملية إنتاج الدلالة وتداولها داخل النص السردي؟ وكيف يمكن لفعل تمثيلي محايد - في ظاهره على الأقل - أن يؤثر في نوعية الدلالة المنتجة ؟.

يمكن القول، إجمالا، إن المستوى السردي لا يشكل سوى لحظة التوسط بين المحايثة والتجلي، أي بين المحافل الاولية للمسار التوليدي وبين محافله النهائية، بين ما يَمْثُل كصيغة تجريدية وبين ما يبدو من خلال فعل تشخيصي.

وبلغة أقل تجريدا يمكن تحديد رحلة الفعل السردي، من أجل بناء نص مكتف بنفسه، أي يحيل على عالم مستقل، في وجود زاويتي نظر لتصور العالم : زاوية تجريدية تقدم العالم على شكل مفاهيم، وزاوية مشخصة تحول المفاهيم إلى وقائع تصويرية. فالعبارة التي طالما رددناها وسنستمر في ترديدها :" إعطاء مثال لتوضيح فكرة ما"  لا يمكن أن تؤول إلا من خلال  هذا التصور، أي تحويل المجرد إلى مشخص. إن الاداة التي تقوم بربط المجرد بالمحسوس، أي ربط المفهومي بالمشخص، لا يمكن أن تكون سوى فعالية السرد. فحتى في الحالات العادية نلجأ إلى القص من أجل إعطاء شكل تصويري لثيمة من ثيمات الحياة.

وفي هذا الاطار يمكن أن نسوق مثال الطفل الذي تدعوه أمه أو أبوه إلى الكف عن ممارسة فعل ما من خلال سوق حكاية تشتغل باعتبارها الوجه المشخص لمضمون  قيمي ما. وهذا معناه أن بناء النص السردي هو بالتأكيد شكل من أشكال صياغة العالم - والتعامل معه ايضا- من خلال التنويع في تناول مجموع القيم المنتجة في لحظة زمنية وفضائية ما.

ومع ذلك، فإن هذا التصور ليس صحيحا في جميع الحالات. فإذا كانت الأداة السردية هي نقطة التحول من وجه إلى آخر، فإنها لا تقدم دلالة بعينها، بل تقدم صياغة خاصة لهذه الدلالة. فلهذا، فإن التوسط السردي ليس محايدا، بل على العكس من ذلك، إنه أداة صوغ وتغيير. ورغم أن هذا المستوى يتحدد من خلال موقعه التوسطي بين وجودين، فإنه هوالذي يمنحنا - في الحالات العادية - صياغة جديدة وأصيلة للقيم المفكر فيها تجريديا، أي من خلال طابعها المفهومي العام. ذلك أن ما يحدد التلوين الثقافي للقيم هو بالضبط هذه الصياغة. ولا يمكن النظر إلى الانتقال من المستوى الأول إلى الثاني باعتباره مجرد تغيير لوجه مضموني بوجه آخرفقط . إن الامر على خلاف ذلك، فالأشكال المتعددة المرتبطة بالتحققات المتنوعة هي نتاج الممارسة الانسانية. فكل فعل داخل هذه الممارسة له خصوصيته الناتجة عن نوعية الظروف التي أنتجته.

إن الانتقال من المجرد إلى المحسوس هو تلمس الخصوصيات والتميزات التي يحبل بها هذا الوضع أو ذاك. فالمادة التي تغذي تغتني أيضا بعناصر التحقق. والأداة المؤدية إلى الكشف عن عناصر التحقق هي بالضبط التشكيل السردي للوضعيات الانسانية المتنوعة.

إن هذه العناصر، في عموميتها واختزالها، تحدد الميكانيزمات التي يُبنى عبرها النص ويستوي عالما دلاليا منسجما. فهي من هذه الزاوية تشكل خصائص عامة تعود إلى كل ما يسهم في تكوين نسق يتخذ له مادة مما توفره التجربة الواقعية. إلا أن الأمر يتخذ شكلا آخر في الحالة التي نحاول رسم خصائصها.

فإذا كانت الغائية المحددة من خلال نسق إيديولوجي سابق عن التمظهر، تقود - أو يجب أن تقود -إلى إعطاء تأويل واحد للقصة، وهوالتأويل الذي يجب أن ينتهي إلى تحديد قاعدة للفعل( بشكل صريح أو ضمني )، (22) فإنها تفرض سلسلة من الإرغامات على مستوى تصور هيكل سردي عام ( أوترسيمة سردية).ويجب أن يتحقق هذا الهيكل العام وفق نفس الغائية بشكل يضمن الوصول إلى وحدانية للمعنى.

إن نمط السرد ونمط إعداد عناصر الخيط السردي وكذا نمط تحديد المفاصل الكبرى لهيكل القصة كل ذلك يتحدد وفق التقاطعات الدلالية كما تبدو من خلال التناظرات التي تحكم البناء القيمي الذي يعد النص السردي وعاء له.

ورغم صعوبة الفصل بين مكونات المستوى الواحد، فإننا سنحاول، مع ذلك، النظرإلى هذه الارغامات من ثلاث زوايا : الأولى تعود إلى الإجراء التلفظي مجسدا بالأساس في وضع السارد وطريقة عرض المادة القصصية، وتعود الزاوية الثانية إلى الهيكل السردي العام الذي يسند المضامين المتنوعة، وتعود الثالثة إلى الطريقة التي يتم من خلالها بناء الشخصيات باعتبارها محافل تسند الوحدات القيمية وتتحدد عبرها أيضا.

أ - أنماط العرض

إذا كان بإمكاننا القول بأن إدراك العالم الخارجي غير ممكن إلا من خلال ما يوفره اللسان من قواعد وكلمات، فسيكون بإمكاننا  أيضاالقول إن العالم القصصي لا يدرك إلا من خلال ما يوفره الفعل السردي. فنحن لا نستطيع تحديد عناصر القصة دون الأخذ بعين الاعتبار الجانب التلفظي، لا بصفته عملية تنصيص فحسب بل أيضا باعتباره عنصرا داخل ميكانيزمات إنتاج المعنى ( أو المعاني ). إن السرد ليس مجرد تمثيل بسيط ومحايد لحدث أو مجموعة من الأحداث، إنه الآثار التي تتركها الذات فيما تنتج. وتحدد هذه الآثار، من ضمن ما تحدده، موقف القائم على السرد من المادة التي يعرضها على متلقي مستهلك..

إن القول بوجود تحول من بنية مفهومية إلى عالم مشخص يفترض وجود ذات سردية تقوم بإنجاز هذا المرور. ولهذه الذات موقف من التحول ( كل تحول يتخذ سبيلا خاصا في الانجاز) وموقف من العالم المشخص الناتج عن هذا التحول. من هنا فإن دراسة التلفظ هي دراسة " للنص الحاكي"، أي دراسة لفعل القص. وبعبارة أخرى، دراسة للخطاب الحامل لمضمون القصة. وبما أن الخطاب ( بمفهوم تودوروف للخطاب ) يتحدد في تقابله مع القصة كنشاط تلفظي يخبر عن الذات المتكلمة، فإنه يشكل، من هذه الزاوية، مجموع الآثار اللسانية والعمليات التي تعمل علي إبراز الذات المتكلمة بصفتها بؤرة للحكي وبؤرة للقيم وبؤرة وأصلا لكل تلفظ.

فداخل نص سردي ما يمكن التمييز بسهولة بين ما يعود إلى القصة ( الملفوظ ) باعتبارها "العالم الموضوعي" الذي يشكل المادة المسرودة وبين ما يعود إلى ذات تقع - مبدئيا- خارج القصة، أي لا تظهر إلا من خلال الخطاب المنظم للقصة.

فإذا كانت المادة توجد خارج أداة التشكيل، فإن التشكيل هو ما يبعث الحياة في هذه المادة. وبعبارة أخرى، فإن دلالة المادة لا وجود لها إلا من خلال الفعل الخالق للتدليل. وعلى هذا الأساس، يمكن القول إن العرض ( عرض المادة) هو زاوية نظر العارض، وعبر زاوية النظر هاته نلج إلى عالم المادة المعروضة.

وهكذا، فإن التلفظ لا يمكن أن يوجد إلا من خلال منتوج يخبر عنه ( أي الملفوظ ). وستكون الآثار التي تتركها الذات فيما تنتج تكييفا للمضامين المراد تمثيلها وفق زاوية نظر معينة. فإذا كنا قد تحدثنا سابقا عن الوحدات الدلالية الصغري ( انظرالفقرة السابقة: الإرغامات الخطابية) وعن عملية الانتقاء داخل هذه الوحدات، فإن الأمر لا يختلف مع المستوى السردي، إنه محكوم بنفس المبدأ ويشتغل وفق نفس القوانين. ففي هذ المجال أيضا يمكن الحديث عن وحدات سردية صغرى، أي عن أجزاء سردية تشتغل باعتبارها أصغر بؤرة ( واقعة ) يمكن التعامل معها من أجل تصور كون سردي متكامل.

إن هذه الوحدات تتشكل وفق استراتيجية تقود إلى بناء عالم نطلق عليه حكاية أو قصة. وقد تكون هذه الوحدات مجرد "سلوكات بسيطة"، كما قد تكون "أفعالا"، كما يمكن أن تتحدد باعتبارها "جزئية حياتية" لاتتحدد قيمتها إلا في ارتباطها بـ "جزئيات" أخرى.

وتعد هذه الصياغة إجراء تلفظيا قائما على أساس عرض " حالات العالم " من زاوية الفصل بين مضامين الأنساق. فالحكي يسير في اتجاه تحديد خانات تملأ بالقيم المعزولة عن بعضها البعض.

ضمن هذه الوحدات، وانطلاقا منها، تصاغ القصة باعتبارها وجها تشخيصيا لكون دلالي مجرد؛ وانطلاقا منها أيضا تصاغ الفرضيات المتعددة حول السلوك النصي ومساراته ومآله. فكل كون نصي - بغض النظر عن النوع الذي يمكن أن ينتمي إليه هذا النص أو ذاك - يفترض :

- من جهة مادة قابلة للنقل، أي قابلة لأن تشكل عالما مكتفيا بنفسه.

- وتفترض من جهة ثانية أدوات للتمثيل، أي إجراء يجعل من هذه المادة قابلة للإدراك من لدن قارئ مستهلك.

إن هذا الإجراء هو الممر المثالي الذي يتسلل عبره التكييف الإيديولوجي. إن الايديولوجيا لا تستند - في تحققها- إلى مضامين محددة، بل تستند إلى أدوات وأجهزة تمكنها من الاستيلاء على الفضاءات الفارغة. ولعل هذا ما يجعل من الصوت الموزع للمادة القصصية في موقع الفاعل الايديولوجي بدون منازع. إن اختيار الصوت المركزي وكذا الأصوات المرافقة له هو اختيار لطريقة في عرض المضامين.

وعلى هذا الاساس. فإن القصة، في الحالة التي نحاول الإحاطة بخصائصها، ليست ملكا مشاعا يتصرف فيه كل القاطنين للكون الروائي، بل هي ملك لصوت واحد. إن الامتلاك الاحادي هو الضمانة على التحكم في الفرضيات التأويلية المصاحبة لكل فعل سارد، وهي وحدها التي تحدد للنص لحظات توقفه، ولحظات انطلاقه، وطريقة موته أيضا، فكل شيء يدرك انطلاقا مما يوفره الصوت الذي يفيض عنه النص. ذلك أن "النص الذي يشتمل على مجموعة من الاصوات السردية ( التخلي المستمر للسارد عن وظيفته السردية )، معرض أكثر من غيره للســـقوط في التنــــاقضات، أو أن يصاب " بشروخ " في نسيجه التأويلي < (23).

من هنا، وانطلاقا من هذا التصور، فإن النص الذي توجهه ايديولوجية سابقة محكوم بالتسلط، سلطة في المعرفة وسلطة في نمط توزيعها وسلطة في تداولها، وسلطة في تحديد وضبط المسارات الفعلية والممكنة للنص السردي.

إن وضع صوت السارد في مقابل جميع الاصوات والنظر إليه كمالك لحقيقة مطلقة معناه منح النص بناء خاصا يتحدد النسق الايديولوجي داخله كأهم عنصر يمكن الاستناد إليه في " فهم " الرواية. و> يشكل هذا الكون داخل هذا البناء "خطا" تأويليا تكمن وظيفته في تقليص أقصى للغموض الذي قد يصيب القصة ومنحها معنى أحاديا<.(24)

إن النص، نتيجة لهذا، لا يحاور نفسه ولا يحاور المتلقي إلا من خلال هذا النسق الذي يحتوي جميع الاصوات سلبا وإيجابا. إن رفض تعدد الابعاد المكونة للتجربة الانسانية لن يقود في هذه الحالات إلا إلى الارتكان إلى تعريف احادي لهذه التجربة وتقديمها كخطية تدرك وتؤول وفق نسق واحد ووحيد. ويتجلي هذا المبدأ تلفظيا من خلال :

1- خطية في الحكي. فرغم كل المحاولات التمويهية لتكسير هذه الخطية من خلال مجموعة من الاساليب السردية كالاسترجاع والاستباق والاستذكار، فإن الخيط المركزي الذي يحكم نمط الحكي سيظل هو النواة التي تتحكم في كل المسارات، أي نقطة إرساء يتم عبرها قياس كمية التراكمات المؤدية إلى الانتقال من حالة إلى حالة اخرى.

2- مركزية الصوت العارض. إن التصديق على كل " المعارف" المنتشرة في النص يمر عبر صوت واحد هو صوت السارد الكلي المعرفة. ورغم " كثرة الكلام" في هذا النوع من الروايات، فإن هذا الكلام لا يخرج عن دائرة إعادة إنتاج ما يصدر عن الصوت المركزي. إنها "ديموقراطية مغشوشة" : لك الحق في أن تقول وتفعل ما يريده الصوت الخالق للنص.

انطلاقا من هذه الملاحظات، يشتغل مركزالتوجيه السردي  كصوت معبرعن مركزية ( وسلطوية) النسق الايديولوجي، ويُبنى على إثر ذلك كبؤرة وكصوت لقيم لايجادل في صحتها وكونيتها أحد على حد تعبير س. ر. سليمان. وسنورد مثالا على ذلك هذه الفقرة المأخوذة من إحدى روايات حنا مينه ( الشراع والعاصفة) حيث يتم تقديم إحدى الشخصيات الرئيسية بصوت يشبه صوت خطيب يقدم برنامجا سياسيا:

> وحلا له التأمل ففعل، ولعله أن يكون قد انساق إلى ذلك بدافع من فرحته ذاتها، فثمة أشياء كثيرة تحمله على الفرح: الانتصار القريب على ألمانيا، وانفضاح مهزلة النازية، وتحول أفكار الناس، وتحقق الأقوال التي كان يحاج بها خصومه، وإقبال الكثيرين على فهم الجديد الطارئ على الدنيا، وتوطد صداقاته وتعزز علاقته بالطروسي.

ثم ذكر الساعات السوداء التي مرت به : كان هتلر يتقدم وأنصاره لا تسعهم أرض وقد صاح أحدهم : " انتهى الأمر انتصرت المانيا" فأجابه " لم ينته شيء، لا تشمروا قبل الوصول إلى النهر" (....).

إن التبعة ثقيلة: ثلاث نساء ورجل واحد ! يا لها من مسؤولية ! ويا لهذا المجتمع الذي اضطر هذه العائلة إلى هذا المصير. لقد فكر في عائلته وفكر في أمر جيرانه وقارن بين حاله وحالهم فتعزى. وانتقل بتفكيره إلى حيه ثم إلى مدينته ووطنه وخرج بذلك إلى رحاب الإنسانية. واتصلت أسبابه بأسباب العالم وأدرك معنى العدالة الاجتماعية والحاجة إليها < ( الرواية ص145)

 إن التقليص من حجم إمكانات التأويل السردي عند القارئ (يوضع القارئ أمام وضع "مشروح" )، كما يتضح من خلال هذا المقطع، يترافق حدثيا مع الإكثار من الوحدات السردية المؤدية إلى خلق توافق بين صوت السارد ( صوت اليقين المعرفي )، وبين العالم المحين كوجه يرسم حدثا ما يعبرعنه السارد مفهوما.

ويبدو هذا من خلال الربط السردي بين مجموع الحالات الخطابية المكونة للنص السردي. فالوظائف المنوطة بالصوت السارد والالتزام الكلي بمقتضياتها وقواعدها وشروط تحققها، تشكل حاجزا منيعا بين الخطاب السردي وبين إمكانات انفجاره في مسارات أخرى قد تكون غير قابلة للاختزال في قراءة واحدة أو في تصور واحد للكون وللحياة. إن السرد والتأويل والشهادة ( وهذه بعض وظائف السارد) ، في هذه الحالة، هي طرق ووسائل لتوزيع معرفة بأصوات متعددة لكنها ذات مضمون واحد.

إن ما قدمناه في الصفحات السابقة لا يتجاوز حدود تقيم إشارات أولية في اتجاه العمل على إعداد قراءة جديدة للعناصر السردية وردها إلى أصلها الاول، أي باعتبارها منتجة للمضامين وفاعلة فيها. وسنحاول في الفقرات الآتية محاورة النص من خلال البعد الملفوظي وتحديد موقعه من إنتاج المضامين الايديولوجية.

ب - الهيكل السردي

يندرج كل فعل إنساني ضمن خطاطة يمكن تحديدها كرسم سردي يقوم بضبط تركيبي لهذا الفعل (تمفصله في الزمان وفي المكان )، كما يقوم بتحديد دلالي للمنتوج المتولد عنه. إن الأمر يتعلق برحلة يومية يمكن تَمَثُّلها كممارسة ذات طابع طقسي. وهذه الرحلة المؤطرة للنشاط الانساني قابلة للمفصلة في بنية تركيبية ذات مضمون زماني وفضائي وثيمي : الاستيقاظ- العمل -النوم. إنه النشاط الأصلي للوجود الانساني بما يضاف إليه من تحديدات هي في العمق تكسير لطولية البعد المحايث لهذا للوجود. ولقد عبر الفرنسيون عن هذه الخطية  بقولهم : ميترو- عمل - نوم  "  métro- boulot - dodo" ؛ وهو تعبير عن إدانة لحياة بدون متع، أي حياة لا تدرك إلا من خلال ما يكفل الاستمرارية في هذا الوجود. وبطبيعة الحال، فإن كل عنصر داخل هذه البنية قابل للانتشار توزيعا واستبدالا معلنا بذلك عن طبيعة الاطار الثقافي الذي يمنح كل فعل تلوينه الخاص.

ويمكن التعامل مع هذه الترسيمة المرتبطة بالوجود المحايث (25) للكائن البشري باعتبارها الوجه المصغر للمسارات الكبرى للنشاط الانساني، وعلى أساسها يُدرك الفعل الانساني كرحلة سردية تقود - إجمالا - من اللحظة (أ) الى اللحظة ( ب) وفق نمط خاص للعيش والمتعة والغرائز. وضمن الفاصل الزمني بين (أ) و(ي)، تندرج الحالات الخاصة باعتبارها تقطيعات متعددة ومتنوعة، أي بصفتها مضامين ثقافية تميز هذه الرحلة عن تلك وذلك عبرقياس حجم الكمية الزمنية المخصصة لكل مقطع زمني.

إن هذه التقطيعات هي الخالقة " للقصص و"الحكايات" و" النوادر " وكل ما يقوم بملء البياضات والفراغات داخل المتصل الحياتي. وبعبارة أخرى، تقوم هذه التقطيعات بخلق سلسلة من الانزياحات عن الخطية التي ترسمها التجربة الحياتية بعيدا عن كل "التعقيدات الثقافية " والمقتضيات الغريزية المباشرة.

فليس غريبا، وفق هذا التصور، أن تبنى الترسيمات الأولى انطلاقا من فرضية تقود دائما إلى تحديد الفعل الانساني ضمن ترسيمة تتلخص في :

 

نظام              إخلال بالنظام          عودة إلى النظام

 

إن البعد السردي للفعل الإنساني، حسب هذا التحديد، لا يدرك إلا بارتباطه بهذه الترسيمة الخاصة بالاتصال واللاتصال التي تميز الفعل الحياتي. وبعبارة أخرى يتحدد الفعل السردي في قدرة حدث ما (26) على تحطيم  المتصل (27) وإدخال زمنية جديدة تشتغل على هامش الزمنية الأصلية المؤطرة للفعل الإنساني في مجمله. إن كل شيء يتم تماما كما لو أن النظام يوجد خارج السرد وخارج الحكايات، أو أن الحكايات لا يمكن أن توجد إلا في ارتباطها بحالات الاخلال بالنظام.

انطلاقا من هذه الملاحظات يمكن القول إن الفعل الانساني في أبعاده النفعية والثقافية والغريزية هو الخالق للنماذج المجردة التي تكثف داخلها غنى هذا الفعل وتنوعه، وهو الذي يعد مقاسا للنماذج السردية المتنوعة سواء في كونيتها حيث لا يتحدد الإنسان إلا في ارتباطه بالفصيلة البشرية، أو في خصوصيته حيث يتحول فعل القص إلى أداة تكشف عن العناصر التي تميز هذا الشعب عن ذاك.

وعلى هذا الأساس أيضا يمكن الحديث عن الترسيمات وعن الانزياحات الممكنة عنها، أي الحديث عن الفعل الانساني كما تصفه التجربة في أحادية تحققها، والحديث عن هذه التجربة باعتبارها تصنيفا قائما على اللاتصنيف، أي باعتبارها محكومة بالتعددية في الأبعاد والمكونات. ولعل هذا ما يفسر التعددية والتنوع في سبل وطرائق العرض الحدثي : هناك نصوص تعتمد الخطية الكرونولوجية في الإحاطة بالحدث ( الأحداث ) المشكلة للقصة، وهناك نصوص تنزاح عن هذه الخطية. ولا يعود الأمر إلى مجرد تنويع شكلي في التقديم، بل هو تصور للحياة وللوجود :

- إما النظر إلى الحياة باعتبارها سلسلة تجارب تستعصي، في غالب الاحيان، على التصنيف الاختزالي،

- وإما النظر إليها باعتبارها تجربة كبرى تعود إلى نسق يفسرها ويؤولها ويساعد على إدراكها.

وفي ضوء هذه الملاحظات يمكن قراءة النماذج السردية (الترسيمات) التي تعد- بهذا الشكل أو ذاك - نماذج كونية ومشتركة بين مجموع القاطنين للكوكب الأرضي. ومع ذلك، فإن هذه القراءة لا تهتم كثيرا بمكونات هذه الترسيمات (فتلك مهمة أخرى ) بقدر ما تهتم بالبحث عن العنصر الايديولوجي الذي أسهم ويسهم في تكونها وفي أنماط تحققها.

من هنا، إذا كان الهيكل السردي هو صيغة تنظيمية تعبر -في عمقها - عن وجود أشكال كونية منظمة للنشاط الإنساني منظورا إليه من زاوية فعل القص، فإنه يتحول، في حالة الروايات التي تنطلق، في صياغة مضامينها، من متناص عقائدي، إلى أداة ضابطة ومراقبة لتخوم البناء القيمي. إنه يقوم بالحد من أية محاولة تهدف إلى تفجيرالمعنى وجعله يتجاوز إطارالمادة التي تغذيه.

وبهذا، فإنه يمثل أمامنا باعتباره الأداة المباشرة المؤدية إلى الكشف عن الكون الخطابي مجسدا في الوحدات الدلالية المشتقة من النسق الايديولوجي : أي التحقق الذي ينتج عن تقطيع مفهومي وفق زاوية نظر محددة، ذلك أن كل عالم إيديولوجي هو رؤية خاصة للقيم.

إن الامريتعلق في هذه الحالة بتسنين مزدوج. فالهيكل السردي باعتباره نتاجا لفعالية إنسانية قديمة قدم الإنسانية نفسها (فعل القص) لايمكن أن يشتغل إلا كنسق يشتمل على سلسلة من القواعد الضابطة لفعل القص. وهي القواعد التي تمكن من بناء نص يحيل على عالم معقول. إلا أن تحققه داخل نص يستمد وجوده من إيديولوجيا جاهزة يضاعف من عملية التسنين هاته. إنه يضيف قواعد جديدة، وهذه القواعد قد تسهم في خلق خصائص جديدة هي التي تقف عادة وراء بروز أنواع فرعية ( الرواية الواقعية، الرواية الواقعية الاشتراكية، الرواية التجريبية ...). فكل نوع فرعي ليس سوى إضافة قواعد جديدة تضمن له القدرة على الانزياح عن النوع الأصل ومثوله ككيان مستقل. وضمن هذا التصنيف وقواعده تدخل رواية الاطروحة.

فكيف يمكن صياغة هذه القواعد ضمن الحالة التي نحاول تحديد تخومها ؟ إذا كان بإمكاننا اختصار الفعل الإنساني - بجميع أشكاله وجميع تجلياته - في سلسلة من النشاطات المتنوعة والمتكاملة :

- فاعل يقوم بالفعل

- مشجع على الفعل

- معيق للفعل

- باعث على الفعل

 - غاية من وراء كل فعل

فإن هذا التوزيع - كيفما كانت طبيعة هذا الفعل ( فردية أو جماعية، لفظية أو حدثية ) - يخضع لسلسلة من التداخلات : تداخلات على مستوى الخانة الواحدة ( قد يجمع هذا النشاط في خانة واحدة )، وتداخلات على مستوى تفاعل الخانات ( لا وجود للنقاء الثقافي، فالعناصر الثقافية تتسرب بسهولة من دائرة إلى أخرى ). إنها طبيعة الحياة ذاتها حيث لاوجود لشر مطلق ولا وجود لخير مطلق. إن هذه التداخلات تشكل نوعا من الانزياح عن النموذج الأصل، وتؤدي - تبعا لذلك - إلى خلق تحققات خاصة تميز هذا النص عن ذاك.

وبناء عليه، إذا كانت الأدوار المنضوية تحت أية خانة ليست معطاة بشكل كلي ونهائي منذ البدايات الأولى للنص، أي انطلاقا مما يوفره الفعل السردي من أحداث ( إن اللغة هي نسيج لامتناهي من الافعال والوظائف والنعوت، والنص بناء يتم وفق هذا النسيج )، فهذا معناه أن فعل القراءة يمتلك هامشا كبيرا للانفتاح على كل ما يمكن أن يثيره النص. إن النص في هذه الحالة لا يقول بل يوحي، وهو لا يعين بل يشير، ولا يقرر بل يقترح؛ وهذا معناه أيضا أن فعل القراءة يتوفر على هامش كبير في صياغة ونحت صورة ( أو صور) لكل شخصية ليدرجها ضمن هذه الخانة أوتلك لتحديد هذا المسار أوذاك.

إلا أن الأمر في حالتنا يتحقق بشكل مغاير. فإذا كان المتناص العقائدي يفترض ( ويقتضي أيضا) '' الوضوح '' في بلورة القيم، فإنه يقوم، لتحقيق ذلك، بتحديد عوالم مفصولة عن بعضها البعض نتيجة '' لقرار '' إيديولوجي سابق: عالم الخير من جهة، وعالم الشر من جهة ثانية. وكل عالم يستوعب داخله - عبر الفعل السردي والفعل الوصفي - سلسلة من القيم التي تشتغل كمدلولات توسطية تصل العالم المحين بالعالم المحتمل، أي الربط بين التجربة الواقعية وبين ما يشكل في أذهاننا عوالم مخيالية.

وعلى هذا الأساس، فإن الترسيمة السردية تُنَمْذَج وفق الصورة التي توفرها الايديولوجيا باعتبارها تأويلا مسبقا للفعل الاجتماعي. وهذا الفعل يعبرعن حالات قيمية محددة. ولئن كانت هذه الحالات تتعايش فيما بينها بحكم التجاورالاجتماعي، فإنها تحمل في داخلها كل إمكانات الانفصال وكل إمكانات الاشتغال المستقل. إن الغاية من وجود الايديولوجيا في هذه الحالة هي تحقيق هذا الانفصال وتدعيمه.

 فليس غريبا القول إن الوضع النهائي (أي الصورة القيمية التي ترسم انطلاقا من مجموع الوحدات المشكلة للنص ) للكيانات الفاعلة ( العوامل) لا يتحدد انطلاقا من فعل محقق داخل النص السردي، بل يتحدد انطلاقا من الرغبة في التعبيرعن قيمة لها موقعها داخل النسق الايديولوجي. إنه بهذا لايُبنى داخل النص بل يُعطى جاهزا:

- إما في حالة كمون. وفي هذه الحالة فإن النص لا يقوم إلا بالكشف عنه حدثيا من خلال إدراجه ضمن برنامج سردي واضح المعالم والغايات.

- وإما في حالة تحقق قصوى كتعبيرعن اختيار سردي يجعل من ذات ما ذاتا تقوم بدورالمنفذ. وفي هذه الحالة، فإن البرنامج السردي يعطى من خلال الدورنفسه ( المناضل  ــــ يحيل على برنامج للفعل محدد في اللكسيم مناضل ). وفي كلتا الحالتين، فإن الفعل السردي لايقوم إلا بملء هذا الوعاء بالعناصر التي تخدم الغاية النهائية المحددة بشكل سابق داخل المتناص العقائدي واستشراف آفاق قاعدة للفعل.

ومن هذه الزاوية بالذات يمكن الحديث عن تطابق في المعرفة؛ ويتعلق الأمر بالمعرفة المنتشرة داخل النص السردي: تطابق معرفة الملفوظ ( savoir énoncif ) ( المعرفة التي تتداولها الشخصيات) مع المعرفة التي نصل إليها عبر صوت السارد، أي مايطلق عليه بالمعرفة التلفظية (savoir énociatif). فالكون الذي يرسمه صوت السارد بصفته معرفة تلفظية يشتغل أداة رقابة على المعرفة التي تروج لها الشخصيات باعتبارها معرفة ملفوظية.

إن الترسيمة السردية هي أداة الربط بينهما. فما بين المعرفة الأولى والمعرفة الثانية تنتصب هذه الترسيمة أداةً لخلق نوع من التوازن النصي، لتصل في النهاية إما إلى خلق تطابق بينهما وذلك في حالة تحرك الفعل السردي داخل نفس الدائرة القيمية. وإما إلى إلغاء المعرفة الملفوظية لصالح المعرفة التلفظية في حالة تحرك الفعل السردي ضمن دائرة قيمية موضوعة للرفض.

إن هذه الملاحظات التي قدمناها لا تشكل إجابة كلية عن قضايا التسريد والتمثيل وأفعال الدلالة المرتبطة بهما. إنها ملاحظات جزئية، ويتعلق الأمر فقط بمجموعة من المقترحات التي قد تساعد في فهم أفضل لعملية التسنين الايديولوجي عبر أدوات التمثيل والتأويل أوالبعض منها. وسنحتاج إلى الكثير من العمل التطبيقي من أجل معرفة عميقة لهذه القضايا ومن أجل فهم أفضل للنصوص.

ج -بناء  الشخصيات  والإرغام  الايديولوجي 

الحياة تنبعث من الشخصيات وتعود إلى الشخصيات، ولا يمكن الحديث عن عالم إنساني دون التمثيل لكائنات بشرية أو تتصرف وفق قواعد سلوك الكائنات البشرية. ومن هذا المنطلق، لا يمكن إدراك كُنه وجوهر القيم إلا من خلال ربطها أو تحديدها أو تصورها في علاقتها بالانسان. إنها سند الكون الدلالي وبؤرة تجليه ونقطة استقطابه الأولى.

فإذا تجاهلنا "الثقافة" و"النماذج" و"المصافي" ، قلنا إن ما يقدمه النص "للعين المجردة" هو صورة لكائنات آدمية. إلا أن النص يقدم أكثر من هذا، إنه يضعنا أمام سلسلة لا متناهية من الوحدات التي تشتغل بصفتها شخصية، أوما يسميه ف . هامون بالأثر/شخصية. و>الأثر/شخصية ليس هو الشخصية ولا يتطابق معها. إنه عنصر بسيط داخل سنن ثقافي عام يتم داخله خلق عالم مخيالي يمتلك تشابها مع " عالم واقعي". إن درجة مقروئية هذا العالم تتحدد من خلال العناصر الثقافية المدرجة داخل النص والمفترض فيها أنها مشتركة بين محفل الإبداع ومحفل التلقي< (28)

ولعل هذا ما حاولنا توضيحه في الفقرات السابقة عند حديثنا عن الهيكل السردي، حيث إننا أشرنا إلى أن المستوى السردي لايشكل سوى مستوى توسطي بين المحايثة والتجلي، أي التوسط بين الحد المفهومي وبين الحد المشخص. إن هذا التأكيد يقودنا إلى الاعتراف أيضا بأن السردية، وفق هذه النظرة، منظمة بشكل سابق عن تجليها داخل مادة معينة ( سواء كانت هذه المادة لسانية أو غير لسانية ). وهي طريقة أخرى للقول إن الحد المشخص يعيد تمثيل ما تم تناوله بشكل تجريدي من خلال صيغ تشخيصية تضع للتداول سلسلة من الحدود القيمية داخل مجموعة من الوضعيات الانسانية القابلة للمعاينة والوصف والتحديد من خلال ردها إلى كائنات تقوم بها.

بناء على هذا، فإن تسريد البنية المفهومية - أي تقديمها على شكل أحداث ملموسة- يفترض إدخال النشاط الانساني المحسوس والمدرك كوقائع ( مادام الفكر المجرد لا يشتغل كحادثة ). وهذا النشاط الإنساني يتحدد من خلال وجود محافل- أي "أنات" منتجة للخطاب وفاعلة فيه-قابلة لاستيعاب هذه الوحدات المجردة؛ فبدون وجود هذه المحافل يستحيل الحديث عن أنماط متنوعة ومتجددة لوجود هذه القيم.

يحق لنا والحالة هذه أن نتحدث عن الشخصية باعتبارها قطبا تلتف حوله، وتتبلورانطلاقا منه، مجموعة من القيم الدلالية لتشكلها ككيان وتتشكل عبرها كبنية دلالية كبرى تعود بنا من جديد إلى ما تم تسنينه من خلال فعل إنساني سابق. وبعبارة أخرى تتحدد الوقائع الملموسة كذريعة توصل ما هو متحقق بالحد اللامرئي للقيم.

وستتضح الامور أكثر من خلال المثال التالي. فإذا افترضنا وجود مسارسردي-عيسى يستعد للرحيل - مثلا، ينطلق من لحظة تقريرية لحالة إنسانية ومدشنة لفعل سردي سينشر خيوطه في اتجاهات غير مرئية، فإن هذه اللحظة موزعة على :

+ سند ـــــــ عيسى،

+ أفعال تعود إلى هذا السند.

إلا أن المقتضيات الضمنية للقراءة تفترض أن أول عنصر يمكن اتخاذه منطلقا هو :

عيسى : إنسان ينتمي إلى فصيلة بنى آدم.

إن الأنسنة هنا تخفي سلسلة من الصفات المفترضة في الانسان، وستأتي بعدها سلسلة من الصفات يمكن تصور بعضها :

إنه يريد السفر:

- لأنه قلق ...

- لأنه بلا عمل

- لأنه ارتكب جريمة

لأنه طالب

- ..........................................

إنها مجموعة لا تحصى من المحمولات التي، بالاضافة إلى أنها، في تحققها، تحدد المعالم الأولى للشخصية، تقوم برسم الحدود الايديولوجية الأولى التي ستؤطر الفعل السردي بمستوياته الحدثية والذهنية.

فإذا كان المضمون الحقيقي للشخصية لا يتحدد داخل فعل التسنين ( كشكل من أشكال النمذجة السلوكية )، بل يتحدد داخل فعل التحيين ( الكون النصي بكل عناصره )، فإن الأمر يختلف مع الروايات القائمة على تسنين سابق للقيم داخل نسق إيديولوجي سابق عن وجود النص. فالوجه المحين يجب أن يكون صورة مطابقة بشكل كلي للصورة السلوكية المشتقة من النموذج الايديولوجي. وتقوم هذه الصورة بخلق سلسلة من الارغامات التي تعد العنصر المتحكم في  كل عناصر بناء الشخصية.

إن اختيار الشخصيات يتم إذن انطلاقا من هذه الإرغامات؛ وضمن هذه الإرغامات تتحدد أفعال الشخصية وكل ما يصدر عنها. وتَمْثُل هذه الإرغامات أمامنا على شكل صورة جاهزة تحتوي على سلسلة من السلوكات والمواقف المسكوكة.

إن الأمر يدفعنا في هذه الحالة إلى اعتبار البنية السردية في كليتها معادلا تصويريا لمقولة ذات طابع مفهومي. وعلى هذا الأساس فإن التشخيص ( الفعل التصويري) يجب أن يقود إلى تحقيق غايتين على الأقل:

- تكمن الأولى في تقديم الشخصيات وفق تمثيلية كل شخصية لطبقة اجتماعية معينة ( أو أي كيان قابل لأن يشتغل مصدرا للقيم ومرجعية دائمة لها). فما يصدر عن الشخصية (أ) يجب أن يكون صورة مشخصة لسلوك مثبت داخل السجل الثقافي/ السياسي للطبقة (أ)، وما يصدر عن الشخصية (ب) يجب أن يكون أيضا صورة لمعرفة تحدد طبيعة الطبقة (ب). بل بإمكاننا أن نوسع من دائرة التمثيلية هاته ونجعل من كل جهاز عقائدي - كيفما كان مضمونه- مصدرا مغذيا للسلوكات الفردية.

-وتكمن الثانية في الحفاظ على صفاء الإيديولوجيا في صورتها المثالية كتعبير عن كلية القيم التي تمثلها وكذا عن التصور الذي تصدر عنه.(29)

إننا، في هذه الحالات، نستبعد التداخل بين العوالم الانسانية ونقدم العالم المنتقى باعتباره صورة كلية لسلوك يتحدد في تقابله مع صور سلوكية أخرى يجب أن ترفض. إن العالم المسقط هو عالم يتحدد من خلال ثنائيات تعد أداة الإمساك بالكون في تكوينه الأول : الخير-الشر، الصدق-الكذب، النور -الظلام، الجهل-العلم.

وهكذا عوض أن تشتغل الشخصية إسقاطا لصورة سلوكية تتكون وتتغذى من كل التناقضات الناتجة عن وجود أنساق فكرية متناحرة ومتداخلة، فإنها تتحول إلى قيمة محددة بشكل سابق داخل نسق يشتغل في انفصال عن الانساق الأخرى. إنه كذلك، لأنه يضع نفسه بديلا إقصائيا لكل الأنساق الأخرى. وفي هذه الحالة، فإن التحيين لا يقود إلى إعادة تشكيل المادة المضمونية التي تنطلق منها عملية التحيين، بل يقود إلى التقليص من حجم هذه المادة وتقديمها على شكل قطب أحادي الوجهة.

وبناء عليه، فإن المادة المضمونية التي يتولد عنها النص لاتغنى ولا تعدل، بل تتحول إلى قاعدة صارمة تقوم بمراقبة عملية بناء النظام السردي، وضمن هذا النظام أيضا تتم مراقبة بناء الشخصيات.

وهذا ما سيتضح أكثر على مستوى العرض السردي حيث تتوحد الرؤية عبر وجود تطابق بين الفعل الوصفي والفعل السردي : بين الفعل الذي يصف سلوك وحياة شخصية ما وبين الفعل الذي يرصد الأحداث الصادرة أوالمحيطة بهذه الشخصية. إن الصفة تُعطى مؤولة وتتطابق، نتيجة لذلك، مع الحدث؛ ومن هذه الزاوية أيضا، لا يشكل الحدث في حد ذاته  سوى وجه مفصل للصفة.

وفي جميع الحالات، فإن الشخصيات تتحدد عبر الحضور الوظيفي. فالشخصيات تنتمي إلى النص انطلاقا من انتمائها إلى النسق الاإيديولوجي، وحضورها في النص هو حضور لمظهر من مظاهر الإيديولوجيا. إن هذا التقليص في المواصفات هو ما يوسع من الهوة الفاصلة بين عالم الممكنات والعالم "الواقعي".

فإذا كان الإكثار من المواصفات والإشارات وكل ما يمكن أن يخبر عن كيان هذه الشخصية أو تلك يقلص من المسافة الرابطة بين عالم الرواية وبين عالم الممكنات ( انظر تحديدنا لعالم الممكنات ص   )، فإن غياب هذه المواصفات أو ندرتها يوسع من هذه المسافة ويجعل من عنصر التوقعية محصورا في دائرة محدة سلفا بسنن يثبت ويعين صورة نملكها عن كيان ما .(30)

وعلى هذا الاساس ، يبدو أنه من السهل التحكم سردا في الوطائف( fonctions) وتوجيهها وفق رغبة الاستراتيجية الاولى، ولكن من الصعب جدا التحكم في الأمارت ( indices) والحد من انتشارها السردي وامتدادتها في مواقع قيمية أخرى.

إننا أمام تعريف أيديولوجي للشخصيات. إنه تعريف يستوحي ملامحه وجوهره و امتداداته انطلاقا من نظرة تقليصية هادفة إلى خلق " النمط التمثيلي " الذي ينوب عن الفئة أو الجهاز. وهو كذلك لأنه قائم على أساس إسناد سلسلة من المواصفات المحددة داخل الايديولوجيا إلى كائن يجب أن يشتغل كوعاء تشخيصي للمواصفة كما هي مثبتة داخل الجهازالايديولوجي.

إن الملامح الصغرى وكذا الجزئيات والبديهيات والأشياء الصغيرة المحيطة بالكائنات النصية لا أهمية لها أمام ما يميز وما يوحد، ما يوحي وما يحيل على جهاز الفكر أوعلى فئة من فئات المجتمع. إن العواطف الصغيرة والأحاسيس والميولات "التافهة" لا أهمية لها أمام "الاحساس بقضايا الانسانية ومصير البشرية " .

إن الأمر يتعلق بوظيفية في الرؤية والبناء والاشتغال. إنها نفعية قد تصل إلى حد الخلط بين القيم المرذولة ثقافيا (وحضاريا ) وبين القيم التي لاتكتسب كافة أبعادها إلا داخل موقع إيديولوجي معين. (31) وقد يصل الأمر إلى أبعد وأخطر من ذلك ، أي إلى الخلط بين الشكل الفزيولوجي لشخصية ما وبين القيم التي تصدر عنها.

إن الامر، وفق هذا النمط من البناء، يتعلق بتثمين النسق الايديولوجي والحرص على نقائه وتقليص حجم التناقضات الخالقة لغنى الحياة وثرائها. فالقيم التي تدعو إليها الشخصيات وتناضل من أجلها وتعمل على إبرازها من خلال سلوكها ليست سوى تعبير عن بناء نظري يعود إلى ما يصدر عن طبقة أو فئة أو منظومة عقائدية ما، ويجب أن تكون في كليتها في موقع تصادم مع قيم قوى أخرى. إن القيم الأخرى التي لاموقع لها داخل هذا النسق يجب أن تلغى وصفيا وحدثيا، أو تظهر من خلال القيم المثمنة.

إن الالتصاق بقطب إيديولوجي واحد هو رسم لخط طولي غير قابل للانزياح عن مساره المحدد داخل هذا القطب. وهذا معناه أن الاستقطاب الثنائي يسير في اتجاه التقليص من حجم الدائرة الحياتية التي تتحرك داخلها الشخصيات. فمن جهة هناك العالم المثمن أيديولوجيا وقيميا، وإلى هذا العالم تنتمي شخصيات الخير والنبل والعدل، وهناك من جهة ثانية العالم الموصوف بالقبح والرداءة وإليه تنتمي شخصيات الشر والفعل المناهض للإنسان. وبين العالمين هناك عالم ثالث هو عالم الدائرة التي يقع عليها الفعل. إنها تشكل العالم غير المحدد إيديولوجيا ولا قيميا. إنها تشكل وضع القيمة في حالتها الغفل ( حالة شخصيات غير محددة من خلال نسق فكري(.

انطلاقا من هذه الملاحظة يمكن القول إن الصراع داخل النص صراع قطبي يتحدد من خلال توزيع ثنائي لكيانات معبرة وحاملة له. وهذا الصراع مدرج ضمن بنية حكائية تجعل منه عنصرا > يُحل من خلال نسق سردي كبير هو نفسه من طبيعة إيديولوجية يقوم ويحكم على الايديولوجيات المتصارعة .< (32) .

إن الاستقطاب الأحادي هو خطية في الحكي وخطية في تحيين القيم وخطية في علاقة الانساق بعضها ببعض. وبما أن الانساق الفكرية الكبرى لا تخلق كائنات بشرية- إذ لا يمكن رد كائن بشري إلى نسق فكري واحد ووحيد- فإن النص ينغلق على نفسه حين يُدرج مساراته ضمن خطية تقسم الكون إلى خانتين متقابلتين.

في ضوء كل هذه العناصر، نمط العرض ونمط بناء الهيكل السردي ونمط بناء الشخصيات، ينهض الجهاز الايديولوجي ( المتناص العقائدي ) باعتباره الركيزة التي يقوم عليها النص وينسج دلالاته ويؤول أيضا.

فهل معني هذا أن النصوص التي لا "تنطلق " من متناص عقائدي تنفلت من إرغامات الإيديولوجيا وتحلق في سماء غير سمائها؟ هل بالإمكان تصور نصوص " تحكي عن فكر لاإديولوجي "؟. لاوجود لنص يؤسس نفسه من خلال العرض لأحداث لها "دلالة محايدة"، والنشاط الادبي هو نشاط إيديولوجي بامتياز، فالممارسة الإنسانية لا يمكن أن تعرف إلا باعتبارها ممارسة إيديولوجية. ولقد آثرنا أن نجيب عن هذه الاسئلة من خلال دراسة تطبيقية تتناول بالتحليل رواية "الضوء الهارب "للاستاذ محمد برادة. ولقد كانت الغاية من هذا الاختيار هو تقديم الوجه التطبيقي لهذه الأسئلة من خلال تحليل نص يجيب عن التساؤلات التي قد تثيرها الدراسة النظرية التي قدمناها عن نمط بناء الدلالات داخل النصوص السردية التي تستند في تكونها الى متناص عقائدي.

الهوامش

1) تعين المقولة المعنمية التامة (  catégorie sémique entière ) حالة دلالية محددة في إطار ضابط لحدين متقابلين. فبما أن الشيءالذي لا يتناقض مع شيء آخر لا وجود له، فإن تنظيم المضامين عملية تتم انطلاقا من وجود محور ( أو محاور) دلالي يضم الحد ونقيضه : موت(م) حياة، خير( م) شر، نور(م) ظلام. إن المقولة المعنمية التامة هي الاصل المولد للحدين معا فـ : "القامة" ( مقولة معنمية تامة ) لا تدرك بصفتها مضمونا قابلا للادراك إلا من خلال حديها : قصير( م ) متوسط (م) طويل.

2)   Krysinski , Vladimir : Carrefours de signes : essais sur le roman moderne , éd Mouton , 1981 , p 35

3) Eco: Le  signe,  éd Labor , Bruxelles 1988 ,  p131-132

4) نفسه ص 131. انظر أيضا التعريف الذي يعطيه للوحدات الدلالية في ص 126 حيث يقول: > إن نسق الوحدات الدلالية يعبر عن الطريقة التي تستعملها ثقافة ما من أجل تجزيئ الكون المدرك والمتصور وكذا بلورة شكل المضمون <

5) Courtès( Joseph) :Analyse sémiotique du discours; de l'énoncé à l'énonciation .éd Hachette.1991, p 166

6) يعطي كورتيس في المرجع السابق المثال التالي لتوضيح هذه الفكرة > ينظر الاكواتوريون إلى البقايا التي يتركها الضيف في صحنه نظرة إيجابية في حين ينظر الفرنسي إلى نفس الفعل نظرة امتعاض وتقزز. فما هو علامة على /الاخلاق/ هناك، يعتبر علامة على /اللااخلاق/ هنا < نفسه ص 166                                                 

7) انظر Rubin-Suleiman, Suzanne: Le roman à thèse.

وانظر ايضا :

Robin, Régine : Le réalisme socialiste : une esthétique impossible

8) ترى سوزان سوليمان > أن ما يجعل من رواية ما رواية أطروحة هو نسق دلالي خاص- أو إذا شئنا صيغة خطابية- وليس قصة خاصة < انظر المرجع السابق ص 79.

9) تتحدد السميوزيس كسيرورة تجمع بين ما ثول وموضوع ومؤول، إنها مسار إنتاج دلالة ما عند پورس، إنها المعادل لما يسميه يالمسليف "الوظيفة السميائية" القائمة على علاقة تعبير بمضمون. فبما أن الدلالة ليست معطى جاهزا، فإن أي إمساك بكون دلالي ما لا بد وأن يمر عبرالكشف عن السيرورة المولدة للانساق الدلالية المتنوعة. وفي هذا الاطار يقترح پورس مفهوم السميوزيس ليعين من خلاله حركة دائمة في الاحالات وفي توليد الانساق الدلالية المتنوعة ويعتبر پورس هذه الحركة حركة لامتناهية.

10) الترسيمة العاملية ( schéma actantiel ) هي نموذج من العلاقات المحددة في ست خانات: مرسل ومرسل إليه، وذات وموضوع، ومعيق ومساعد. ويرى گريماص ( وهو صاحب هذه الترسيمة ) أن هذه الترسيمة قادرة على اختصار وتكثيف الفعل الانساني في الاقطاب المذكورة أعلاه. ورغم أهمية هذه الترسيمة على مستوى التحديد النظري للفعل الانساني، فإن مردوديتها التحليلية غير ذات جدوى، فهي لم تعد كافية للكشف العميق عن الدلالات النصية.

11) إن المسار التوليدي    parcours génértifهو المسار الذي يقود من العناصر الأكثر تجريدية إلى العناصر الأكثر محسوسية : مثال ذلك إعطاء بعد مشخص ( قصة ) لقيم ذات مضمون تجريدي.

12) إن النموذج التأسيسي يتحدد من خلال وجود محور دلالي مثل حرية (م) عبودية، وكل حد قابل لاسقاط حد مناقض له : حرية (م) لاحرية، وعبودية (م) لاعبودية. إننا أمام الصيغة الأولية للامساك بكون دلالي ما من خلال وجود علاقات. إلا أن الأمر يحتاج إلى أكثر من العلاقات للحديث عن كون دلالي مخصوص، لهذا نفترض أننا، انطلاقا من العلاقات، يمكن توليد العمليات، أي الفعل التركيبي المحدد من خلال ذات الخطاب :

حر (م) مستعبد ــــــــــــــــــ محمد حر (م) محمد مستعبد.

ويعتبر النموذج التأسيسي في تصور گريماص تنظيما أوليا للسردية، إنه نقطة البدء في ما يسميه بالمسار التوليدي.

13) في ضوء التحديد السابق للمسارالتوليدي، يتحدد المسار الرابط بين النفي والاثبات باعتباره أولى عمليات القلب التي تقود من العلاقات إلى العمليات : نفي الحرية وانتقاء الاستعباد أو العكس. ويتطابق هذا القلب على المستوى السردي مع المضمون الموضوع للقلب في مقابل المضمون الموضوع للإثبات. فبما أن كل نص هو محاولة للانتقال من حالة دلالية إلى حالة أخرى، فإن الحركة السردية تقود من مضمون إلى مضمون آخر، أي إثبات مضمون من خلال نفي آخر.

14) سوليمان المرجع السابق ص 7

15) نفسه ص 178

16) إن الطوبيك هو فرضية للقراءة؛ إنه ترسيمة عامة يستعين بها القارئ للولوج إلى عالم النص. ويعرفه إيكو بالعبارات التالية : > إن الطوبيك أداة سابقة عن النص، أو هو ترسيمة من عند القارئ <. ويمكن القول إن الطوبيك هو نقطة إرساء بدئية داخل مسار تأويلي، فكل قراءة تنطلق من تصور أولي -بشكل حدسي في غالب الأحيان- للمعنى من أجل تحيين مجموع الامكانات الدلالية أو البعض منها، ويكمن موقع الطوبيك من هذا التحيين أساسا في محاولة محاصرة شظايا المعنى المتولدة عن الانفجارات الاولى فهو>  يستخدم من أجل ضبط السميوزيس من خلال تقليصها ومن أجل توجيه التحيينات. انظر: Eco : Lector in Fabula pp  114-115

17) إن التناظر ( Isotopie) '' هو مجموع متواتر من المقولات الدلالية التي تسمح بتحديد قراءة موحدة للحكاية باعتبارها حصيلة للقراءات الجزئية للملفوظات'' انظر .  GREIMAS : Du Sens , p : 188 .   

18) يتحدد اللكسيم باعتباره '' وحدة مضمونية قارة محددة من خلال وجود نواة دائمة، ويحتوي في داخله على سلسلة من الامكانات الدلالية التي تتنوع تحققاتها بتنوع السياقات''. فكل كلمة تحتوي في داخلها على سلسلة من "المعاني" التي تعتبر في نهاية الامر ذاكرة حية لهذه الكلمة، وتشير من جهة ثانية إلى السياقات التي أدرجت ضمنها هذه الكلمة . انظر  :

 Greimas  : Sémiotique narrative et textuelle p 170

19) انظر  Courtès J : Introduction à la sémiotique narrative et discursive , p 51

20) انظر إيكو Lector in Fabula  ص 113

21)  Greimas : Les Actants, les acteurs et les figures , in Sémiotique narrative et textuelle , ed Larousse , Paris 1973, p 170

22) سليمان .س .ر، نفسه ص 70

23) نفسه ص 225

24) نفسه ص 224

25) يسوق لالاند ( A . Lalande) في قاموسه جملة تعاريف لمفهوم المحايثة (immanence)، لعل أهمها التعريف الذي يقدمه موريس بلونديل حيث تعين "المحايثة لديه، من زاوية ستاتيكية، كل ما هو موجود في كيان ما بشكل ثابت وقار؛ وتعين، من زاوية ديناميكية، كل ما يصدر عن كائن ما تعبيرا عن طبيعته الأصلية". فما هو محايث لكائن أو لمجموعة من الكائنات يعود إلى كل ما هو موجود داخل هذه الكائنات وليس حصيلة لشيء خارجها. وتعد هذه التعاريف المدخل الرئيسي لقراءة هذا المفهوم في مواقعه الجديدة : التحليل السردي، الدلالة الاصولية، مستويات التحليل. ولقد كانت السميائيات السردية، تحت تأثير يالمسليف حيث يتحدد مبدأ المحايثة عنده كدراسة للسان بعيدا عن كل العناصر غير اللسانية، سباقة إلى الاستفادة من المردودية المعرفية والتحليلية لهذا المبدأ في تحديد مستويات الدلالة وأنماط تشكلها. من هنا كان التأكيد أن الدلالة لا تعبأ بالمادة الحاملة لها والمسؤولة عن ظهورها. وهذا معناه أن هناك محورا دلاليا ( محايثا ) يتحدد من خلال ثنائيات ( أو ثلاثيات ) توجد خارج مدارات التحقق. وعلى هذا الأساس تم الحديث عن المحايثة والتجلي باعتبارهما يغطيان نمطين للوجود في حياة الدلالة والاشكال السردية: المادة المضمونية العديمة الشكل والاشكال الكونية التي تغذي الاشكال المتحققة الخاصة. انظر :

- Lalande ( André): vocabulaire technique et critique de la philisophie ,         articles : immanent et immanence

- GREIMAS ( A ; J  ), COURTىS ( Joseph ) : Sémiotique , dictionnaire raisonné de la théorie du - langage, article : immanence

26) ترتبط البنية السردية عند لوتمان ارتباطا وثيقا بمفهوم الحدث، والحدث عنده هو> دائما خرق لمحظور ما؛ إنه واقعة حدثت ولم يكن من الضروري أن تحدث< وعلى هذا الأساس، فلكي نتحدث عن نص ما لا بد من وجود حدث أي انزياح عن متصل والولوج إلى عالم يتحدد كزمنية مرادفة للزمنية المشكلة للمتصل ، انظر:

-  LOTMAN , Iouri : La  structure du texte artistique , éd Gallimard 1978 , p 330

27) في ارتباط مع المحايثة، يمكن الحديث عن المتصل ( continu) كمبدأ يحتل موقعا أساسيا في تناول ودراسة العلامات بصفة عامة والابعاد الدلالية والسردية بصفة خاصة. وهكذا، فإن المتصل في سميائيات پورس يوجد خارج مدارالتدليل ومدار المعنى ومدار العلامات. إن وجود العلامة مرتبط بتكسير هذا المتصل وإدخال اللامتصل الذي يعد مهدا للمعنى. وعلى هذا الأساس نفهم التعريف الذي يقدمه گريماص للسردية. فهي عنده > اقتحام اللامتواصل للمتصل الخطابي في حياة أو قصة أو فرد أو ثقافة < انظر

-GREIMAS : Du sens II p:p 46-47

28) انظر سعيد بنگراد : شخصيات النص السردي -البناء الثقافي -منشورات كلية الآداب، مكناس 1995 ص 102

29) نفسه ص 114

30) انظر: سعيد بنگراد، المرجع السابق ص 158

31) Robin, Régine : Le réalisme socialiste : une esthétique impossible   p278

32) سليمان، نفسه ص 88

                                                  

 

 

 
 
 

صفحة المؤلفات

سيميولوجية الشخصيات الروائية

المحتــوى

 مقدمة

الفصل الأول : السردية والإيديولوجيا

 الفصل الثاني : التسنين السردي والوقع الإديولوجي

 الفصل الثالث : الجسد والسرد

 الفصل الرابع : الأطروحة وطقوس الاستئناس

 
معجم السيميائيـات متابعـات نقديــة ترجمــــات

دراســــات

مؤلفــات بطاقة تعــريف الصفحة الرئيسيـة
للاتصـــال   مواقـــع  خزانات الموقـع صحف ومجـلات رسائل وأطروحـات وحدة تحليل الخطاب مجلـة عــلامات

موقع سعيد بنگراد - تاريخ الإنشاء: نونبر 2003