معجم السيميائيـات متابعـات نقديــة ترجمــــات

دراســــات

 مؤلفــات بطاقة تعــريف الصفحة الرئيسيـة
للاتصـــال  مواقـــع   خزانات الموقـع صحف ومجـلات رسائل وأطروحـات وحدة تحليل الخطاب مجلـة عــلاما

 

إبراهيم نـمر موسى جامعة بير زيت

 

ظواهر أسلوبية في ديوان أحد عشر كوكبًا لمحمود درويش

 

 

عبَّـر شعر الحداثة في الوطن العربي، لفترة تزيد عن أربعين سنة، هي عمر هذا الشعر الوليد، عن وجدان الجماهير العربية، ووعيها الثوري، والسياسي، والاجتماعي، وما أصابها من مغريات، وما طرأ عليها من تناقضات، وقد تم ذلك كله من خلال استحداث وسائل تعبيرية، أو تجديد وسائل قديمة، مسها الشعر العربي على مر عصوره المختلفة مسّـًا خفيفًا رفيقًا، دون محاولة الغوص في أعماقها، لإبداع دلالاتها الجمالية، وإيحاءاتها الفنية، كالصورة الشعرية، والمحسنات اللفظية والمعنوية، والتناص الشعري الذي سمي في النقد العربي القديم بـ "التضمين" تارة، و"السرقات الأدبية" تارة أخرى...إلخ.

فقد بقيت هذه الوسائل التعبيرية وغيرها في أفضل حالاتها "أحادية البعد"، تعني فيها الكلمات أكثر مما تشير أو تحيل إلى دلالات أخرى، وقد أصبحت هذه الوسائل فيما بعد، على أيدي شعراء الحداثة متعددة الأبعاد، ينحرف بها الشاعر عن معناها المطابق أو القاموسي، لتخلق على يديه خلقاً جديدًا، مشحونًا بأبعاد رمزية إيحائية.

لقد حطمت قصيدة الحداثة وظائف اللغة الست التي قال بها جاكبسون (1)، وأبقت على وظيفة واحدة منها، هي الوظيفة الشعرية، التي تركز على الرسالة نفسها، دون بقية الوظائف الأخرى، مما جعل اللغة الشعرية تبعًا لذلك –وفي أحيان كثيرة- لا تحتفظ بالعلاقات التركيبية المسبقة أو المعرفة سلفًا، لكنها تجاورت نطاق المألوف والنمطي، لإبداع تراكيب جديدة، تعيد تشكيل العالم وفق رؤيا معاصرة، تتناسب مع ما يدور فيها من مفارقات ومتناقضات بشرية، تصل إلى حد يصعب تصوره أحياناً، فتشكِّل تبعًا لذلك مأساة الإنسان في هذا العصر.

ولهذا كان لابد من إيجاد أدب، يعبِّـر عن هذا الحس المأساوي لدى الإنسان المعاصر، ويتمرد على القيم والتقاليد السائدة. ولكي يصل الشاعر إلى ذلك، كان عليه أن يدرك لا محنته فحسب، ولا محنة الأمة كلها فحسب، ولا محنة الإنسان عموماً فحسب، وإنما عليه أن يدرك أيضا، ضرورة البحث عن الوسائل التي تستطيع بمضائها، أن تصور هذه المحنة، أي: أن عليه أن يقرن بين أزمة الإنسان، وأزمة الأسلوب " (2).

نتيجة لها كله، فإن حداثة الخطاب الشعري العربي تستتبع الآن، وبصورة ملحّـة "حداثة الأسئلة"، التي يجب أن تلقى عليه، فإذا كان النقد العربي في أحسن حالاته وظروفه، يرى إلى القصيدة من خلال مدى انعكاسها على ظروف الشاعر، وعصره، ونفسيته، أو ما يسمى بـ"المرجع الخارجي"، وهي رؤية رغم مشروعيتها، إلا أنها تبقى سطحية، ولا تستطيع النهوض وحدها، لأن النص بعدها يبقى غامضًا، لا يبوح بكنوزه ولآلئه القيّمة، لأنه يحتاج إلى غوّاص يعرف مجاهله، ومسالكه، ودروبه الوعرة.

لذلك فإنه قد آن الأوان للعودة إلى البنية اللغوية للنص، كي نبدع من خلالها أسئلة جديدة مستمدة من أحشائه، تعمل على إضاءته من الداخل، مع الإفادة مما يطرحه النقد القديم من أسئلة.

إن المناهج النقدية الحديثة-ومنها الأسلوبية – التي ترتكز على شعرية الخطاب الأدبي، للكشف عن آلياته اللغوية، وفك شفرته الكامنة تحت مستويات الصياغة، هي أجدر المناهج النقدية على طرح أسئلة جديدة، تبحث عن السمات التعبيرية، والظواهر الأسلوبية، والأنساق المتكررة في صلب النص، لمعرفة كيفية إنتاجها لوظائفها الدلالية غير المألوفة، وغير المتوقعة، مما يؤدي إلى انفتاح النص الأدبي على آفاق واسعة رحبة، تفاجئ القارئ وتهزه، فيزداد تفاعلاً مع النص، وتأثرًا به، وهذا يعني أن الظاهرة الأسلوبية مرتبطة بتوليد دلالات جديدة، وإذا لم يستطع هذا النسق المتكرر في صلب النص توليد هذه الدلالة، فإنه لا يصح بأية حال من الأحوال اعتباره ظاهرة أسلوبية.

على هذا لأساس السابق ذكره، تناولت هذه الدراسة بعض الظواهر الأسلوبية، التي شكَّلت الخطاب الأدبي عند محمود درويش من خلال ديوانه "أحد عشر كوكبًا" (3)، متمثلة في ثلاث ظواهر هي:

1-   الضمير بين التقابل والمفارقة.

2-   الإيقاع الصوتي بين التماثل والتمايز.

3-   إبداع التراث.

وتبقى في النهاية ملاحظة جديرة بالاهتمام هي: أن هذه الظواهر الأسلوبية الثلاث، لا تشغل مجموع الظواهر الأسلوبية في الديوان،  لأنه لا يمكن بأية حال من الأحوال مقاربتها جميعًا في دراسة واحدة، لأن التحليل الأسلوبي، يبغي دائما إلى التخصص والعمق في دراسة ظواهر محددة، كي لا يضيع الجهد المبذول هباء، وسط دوامة من الظواهر المتعددة، التي يصعب حصرها أحياناً في الخطاب الأدبي عن كل ظواهره وآلياته وأنساقه، وإلا أصبح ناقداً مسرفاً على نفسه، بل هو ينتقي أكثرها برزوا أو أهمية، ولم يحدث أن ادعى ناقد بإغلاق طريق البحث أمام الآخرين، أو مصادرة جهودهم في البحث، عن زوايا أخرى في الخطاب الأدبي الذي قام بدراسته.

 

أولا- الضمير بين التقابل والمفارقة

تتبنى قصائد الديوان على ثنائية تعارضية بين طرفين هما: أنا/ نحن. فبالرغم من أن "الأنـا" جزء لا يتجزأ من ال "نحن" ويندرج في ثناياه، إلا أنه يتفرد برؤيته الخاصة، وسيطرته التي تكاد تكون تامة على حركة الصياغة الشعرية، مما يولد الصدام الدرامي على المستويين الواقعي والشعري، ويكسر عنصر التوقع الدلالي، يستتبعه مفارقة حادة،  تستعير فيها "الأنا" أفعالاً استقرت في الوجدان الجماعي للشعب الفلسطيني، اتصـف بها الاحتلال، ليتصف بها طرف آخر هو ال "نحن"، ليصبح الاحتلال تبعاً لذلك في حالة حضور وغياب في الوقت نفسه –على المستوى الفني.

فهو في حالة حضور، لأنه مارس أفعال القمع ضد الشعب الفلسطيني، وهو في حالة غياب، بسبب بروز فاعل جديد على مستوى الصياغة بعد أن كان مفعولاً به على المستوى الواقع، وهو "نحن"، ذلك أن الفاعل الأول قد سلّم أدواته القمعية للفاعل الجديد الذي قام بدوره، وكفاه القيام بهذا الفعل، وبذلك تصبح العلاقة بين الطرفين، وأقصد بين نحن/ هم، علاقة تكاملية أو علاقة حلولية، حيث حلّ كل واحد منهما في الآخر، ليصبحا في النهاية شيئاً واحداً تعمل فيه الذات على تدمير نفسها بنفسها. فهم إذن غائبون على مستوى الفعل الحقيقي، وحاضرون بحكم تداخلهم واتحادهم داخل نطاق ال "نحن".  يقول محمود درويش:

 

كيف أكتب فوق السحاب وصية أهلي؟ وأهلي

يتركون الزمان كما يتركون معاطفهم في البيوت، وأهلي

كلما شيّدوا قلعة هدموها لكي يرفعوا فوقها

خيمة للحنين إلى أول النخل. أهلي يخونون أهلي

في حروب الدفاع عن الملح. لكن غرناطة من ذهب

                                                      (الديوان ص11)

تكتنز الأبيات بدلالات متعددة، أهمها: استخدام ضمير المتكلم ست مرات، من خلال قوله "أهلي" التي تكرر من حين لآخر، لتفيد حالة من حالات الارتباط الشديد بين الذات الشاعرة، والجماعة التي تنتمي إليها، مما يمنح الخطاب تقابلية بين هذه الضمائر التي تتردد بين الأسطر الشعرية، كما يمنحه موسيقية أخاذة تعتمد على التردد الصوتي، الذي يعمل على تعميق المأساة الفلسطينية، وخاصة عندما نصل إلى الجملة التي تشكِّل بؤرة الخطاب، والضمائر التي تعبِّـر عنه، واعني بذلك جملة "أهلي يخونون أهلي".

فالضمائر إذن تلعب دورًاً أساسياً في تشكيل الخطاب، حيث استخدم الشاعر الضمير المتصل خمس مرات، مقابل مرة واحدة للضمير المنفصل، الذي بدأبه القصيدة، وهذا يوحي بأن ضمير المتكلم "أنـا" موجود منذ بداية التعبير الشعري، وربما قبل إبداعه، حيث تشكَّلت لديه هذه الرؤيا التي تعبِّـر عن التساؤل الحيرة، وهي كيف يكتب وصية أهله، الذين تخلوا عن تراثهم وماضيهم وحضارتهم المجيدة، ببساطة موجعة ومفجعة في الوقت نفسه، تماثل بساطة تركهم لمعاطفهم في البيوت.

هكذا يعبِّـر شاعر الحداثة عن تجربته الشعورية، باستخدام الرموز المكثفة، والتقابل في" ياء" المتكلم، وتعدد الضمائر وتنوعاتها بين التكلم والحضور والغياب. ولعل ضمير الغياب في قوله "يتركون معاطفهم"،  يؤكد غياب "الأهل" على مستوى الصياغة النحوية والواقعية، لأنهم تخلوا عن ماضيهم وتراثهم، فلم يعد لهم وجود يذكر. وأخيراً مع الأسماء التي تتناص مع مفردات الحضارة الإسلامية في الأندلس، التي ما زالت تمثِّل هاجساً وحلماً، إن لم يكن في وعي الإنسان العربي المسلم، فعلى الأقل في لا وعيه، باعتبارها فردوسه المفقود الذي ما زال يبحث عنه في ثنايا الماضي والحاضر. فقد حاول الشاعر أن يبث الحياة في هذه الحضارة من جديد، ليجعلها تعيش أيضا بين ثنايا الشعر، ويذكر في الوقت نفسه، هؤلاء الذين نسوا أو تناسوا عظمة هذه الحضارة، بأن هذا سيكون نذير شؤم، لضياع فلذات أخرى منها، وأعني بذلك فلسطين.

ويؤكد محمود درويش القول السابق، ويلح عليه من جديد، فيقول:

للحقيقة وجهان، والثلج أسود فوق مدينتنا

لم نعد قادرين على اليأس، أكثر مما يئسنا، والنهاية تمشي إلى

السور واثقة من خطاها

فوق هذا البلاط المبلل بالدمع، واثقة من خطاها

من سينـزل أعلامنا: نحن، أم هم؟ ومن

سوف يتلو "علينا" معاهدة الصلح "يا ملك الاحتضار

                                                       (ديوان ص19)

 

فالمفارقة الصارخة في النص السابق، تنبع من مساواة الأنا بين طرفين متناقضين في الواقع، هم نحن/ هم، ووضعهما في السياق الشعري، باعتبارهما مكملين لبعضهما، لتصبح النتيجة أنه لا فرق بين أن ننـزل نحن أعلامنا، ونرفع عن كاهل ال "هم" مؤونة إنزال هذا العلم، الذي هو رمز للكرامة والوطنية. يتبع هذا كله بروز ضمير ثالث، على مستوى الصياغة النحوية، وهو دخول طرف جديد يفرض علينا رؤيته الخاصة "معاهدة الصلح"، وهو ضمير أكثر عمومية من الضمائر السابقة، وكأني بالشاعر يتوجه إلى العالم كله بالسؤال دون تحديد، مما يجعل الخطاب الشعري خطاباً إنسانياً، ينتقل فيه من الشخصي إلى الإنساني، ومن الذات إلى العام.

ولكن هذا التحول في الضمائر لا يستتبع بالضرورة تعاطف الإنسانية، لأنها سوف تتلو علينا، ما تراه، دون أن يكون لنا أدنى إرادة للمشاركة في صياغة ما يتلى، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن التلاوة تذكرنا أو تعيدنا إلى تلاوة القرآن الكريم، والقرآن من عند الله سبحانه وتعالى، وهو القوة الوحيدة المسيطرة على العالـم. فهل يعني هذا، أن الشاعر يقصد بذلك "أمريكا" التي أصبحت الآن القوة الأولى في النظام العالمي الجديد ؟، ربما يكون الأمر كذلك.

ومن ناحية ثالثة فإن لفظ التلاوة يوحي بالتقديس، وهذا يعني أن ما يتلى علينا شيء مقدس هو الآخر، وغير قابل للنقض أو التعديل أو التبديل، بل هو واقع مفروض علينا ألا نناقش في صحته وجدواه بالنسبة لنا، لأن العالم ليس معنياً بمصالحنا وأحلامنا، بقدر ما هو معني بحل المشكلة على حساب هذه الآمال والأحلام.

وإذا كانت ضمائر المتكلمين والغائبين هي المسيطرة على الصياغة النحوية، فإن الشاعر يتحول في النهاية لكسر رتابتها، ليخاطب "ملك الاحتضار" من خلال أسلوب النداء الذي وردت فيه الأداة "يا" مما يعكس بعداً مكانياً بين الطرفين، يجعلهما غير قابلين للاتحاد، على المستوى النفسي، بالرغم من أن المنادي كان جزءاً لا يتجزأ من المنادى في مرحلة سابقة.

يتضافر كل ما سبق في جديلة واحدة لتعميق الحس الدرامي أو المأساوي للشعب الفلسطيني، وتدعوه إلى إلقاء سلاحه أرضاً، ومن ثم إلغاء تاريخه، وذاكرته، وأحلامه في الحرية والاستقلال، لتطفو على سطح أيامه مفارقة تعمل على "هز نمطية السياق عن طريق المزج بين المتوقع واللامتوقع. وإذا كانت المفارقة لا تحقق غايتها إلا من حيث هي مباغتة ناجمة عن اقتران وضعين متناقضين بطبيعتهما، فإن هذه المباغتة بدورها تعتبر محوراً هاماً من محاور الظاهرة الأسلوبية، لأن قيمة كل خاصية أسلوبية مع حدة المفاجأة التي تحدثها تناسباً طردياً، فكلما كانت غير منتظمة كان وقعها على نفس المتلقي أعمق".(4)

فالشاعر إذن يرحل إلى أعماق الذات بمكنوناتها الفردية، وارتباطاتها الجماعية، ليعبِّـر عن مأساة الإنسان الفلسطيني في ظروف جديدة، خلقها الواقع الحضاري العالمي الجديد، وهي مرحلة السلام، ولعل في ذلك مفارقة أخرى تتبع أساساً من سؤال منطقي هو: كيف يمكن أن يؤدي السلام إلى مأساة جديدة، وهو في ذاته خير؟ ولعل الإجابة عن هذا السؤال هي التي تصعد بالمأساة والمفارقة إلى القمة، ذلك أن السلام يقوم على عدم التعادل والتكافؤ بين المتفاوضين، وبذلك يتبخر الحلم الذي طالما انتظرناه، وانتظره الشاعر معنا، لأن المفاوض الفلسطيني جرد نفسه بنفسه من مصدر قوته الوحيد، وأعني بذلك سلاحه، الذي طالما أرهق به العدو وأقض مضجعه. يقول درويش:

هنالك موتى يضيئون ليل الفراشات، موتى

يجيئون فجراً للمضيفين. شايهم معكم، هادئين

كما تركتهم بنادقكم، يا ضيوف المكان

مقاعد خالية للمضيفين ....... كي يقرؤوا

عليكم شروط السلام مع...... الميتيين

                                               (الديوان ص50–51)

فإذا كان المفاوضون قد تركوا أسلحتهم من أجل السلام، فإن هذا السلام سوف يكون على حساب الأرض/ الحلم، أو قل على حساب الشهداء الذين ناضلوا من أجل الحرية والاستقلال، ولهذا يومئ الشاعر بأنه يرفض مثل هذا السلام، ويتعجب ممن يلهثون خلفه.

لا أريد من الحب غير البداية، طار الحمام

فوق سقف السماء الأخيرة، طار الحمام وطار

سوف يبقى كثير من الخمر، من بعدنا، في الجرار

وقليل من الأرض يكفي لكي نلتقي، ويحل السلام!

                                               (الديوان ص28)

وهذا كله كان نتيجة للتغير في المواقع بين "الأنا" وال "هم" بسبب التطور الزمني، مما يضعنا مرة أخرى في قلب المفارقة التي تناقض الواقع، لتعيدنا إلى مرحلة من مراحل سيطرة الحضارة العربية الإسلامية على العالم، حيث عالم النص يشير إلى أمور وحقائق مخالفة لما استقر في الأذهان عبر التاريخ، أو بمعنى آخر فان المفارقة في هذه الأبيات هي "اختلافات المعرفة التي يقررها عالم النص عن المعرفة المختزنة لدى الشخص من قبل عن العالم"(5). يقول درويش في هذا الشأن:

هنا انتحر الصقر غمّاً، هنا انتصر الغرباء

علينا، ولم يبق شيء لنا في الزمان الجديد

                                        (الديوان ص47-48)

يؤكد أن هذا الزمن، ليس زماننا، بل هو زمن القمر الاصطناعي، والمعادن، والطائرات، والتكنولوجيا، ونحن لم نتهيأ لها بعد.  ويقول في قصيدة أخرى:

كن لجيتارتي وتراً أيها الماء، قد وصل الفاتحون

ومضى الفاتحون القدامى، ومن الصعب أن أتذكر وجهي

في المرايا. فكن أنت ذاكرتي كي أرى ما فقدت......

ثم يقول:          كن لجيتارتي وتراً أيها الماء، قد وصل الفاتحون

ومضى الفاتحون القدامى جنوباً شعوباً ترمم أيامها

في ركام التحول: أعرف من كنت أمس، فماذا أكون

في غد تحت رايات كولومبس الأطلسية؟ كن وتراً

كن لجيتارتي وتراً أيها الماء، لا مصر في مصر، لا

فاس في فاس، والشام تنأى، ولا صقر في

راية الأهل، لا نهر شرق النخيل المحاصر

ثم يقول:          كن لجيتارتي وتراً أيها الماء، قد ذهب الفاتحون

وأتى الفاتحون.....        (الديوان ص23–24)

يلاحظ ما في الأبيات السابقة من تغيير في نمط كل جملة عن الجمل الأخرى من الناحية التركيبية، التي تبدأ بقوله "كن لجيتارتي وتراً أيها الماء"، أو "قد وصل الفاتحون". فهذا التغيير في نمط الجملة على المستوى التركيبي، يتبعه تغيير في الدلالة، يبيِّـن أثر وقع الزمان على الحضارات الإنسانية على مر التاريخ، وكيفية انهيارها، ونهوض حضارات جديدة مكانها، ليدور الزمان مرة أخرى، وفي كل دورة يغيّـر ويبـدّل، فيخفض أناساً، ويرفع آخرين، وقد جاء هذا كله مرتبطاً باستخدام الكلمات كإشارات ورموز تحمل ظلالاً إيحائية، ففي قوله "وصل الفاتحون" دلالة على الاستعمار، وفي قوله "ومضى الفاتحون " دلالة على الحضارة العربية الإسلامية، ولكن الزمان دار دورته بها، فتغير تبعاً لذلك نمط الجملة، وكيفية التعبير عن الأحداث، التي يمكن إدراكها أيضاً عن طريق الحدس الفني، أو التعبير العاطفي الوجداني، الذي يسيطر على الشاعر؛  لذلك تغيّرت رؤية الشاعر الآن فقال: "قد وصل الفاتحون" ويعني بذلك الفاتحين الجدد، حيث قضى الأمر وانطوت صفحات المجد التي كان يتصف بها الفاتحون القدامى، لأنهم "مضوا" ولم يعد لهم شأن يذكر، لكن إلى أين؟، لقد مضوا إلى "ترميم أيامهم"، وهذا يعني أن أمل العودة إلى قلب الأحداث والمشاركة فيها، لتأخذ مكانتها من جديد، ما زال يراود الشاعر في المستقبل، بل ربما يراهن عليه أيضاً، لأن الزمان دائم التغير والتبدل، وبذلك تبقى إمكانية العودة والبعث من جديد، إمكانية واردة، بعد أن فقدت الأماكن وجوهها الحقيقية، فلم تعد مصر هي مصر، ولا فاس هي فاس...إلخ.

ومما يؤكد لنا عدم استسلام الشاعر للوضع الراهن، واستشرافه للمستقبل، أنه بالرغم من هذه الظروف القاهرة، إلا أنه يرفض التوقيع على معاهدة الصلح، ويحلم بولادة جديدة من "قلب الأم"، وبعث جديد من بطن الأرض. وبهذا يعبِّـر الشاعر عن روح الجماعة وطموحها، وشدة تمسكها بالأرض، لأنها "أرض أمهم" يقول:   

هنا كان شعبي. هنا مات شعبي. هنا شجر الكستناء

يخبئ أرواح شعبي. سيرجع شعبي هواء وضوءاً وماء

خذوا أرض أمي بالسيف، لكنني لن أوقع باسمي

معاهدة الصلح بين القتيل وقاتله، لن أوقع باسمي

على بيع شبر من الشوك حول حقول الذرة

                                    (الديوان ص47)

تبدأ الأبيات بقول الشاعر "هنا" التي تمنح الخطاب مرجعية خارجية، كما تحمل ثنائية تقابلية، تتمثل في استدعاء الطرف الآخر وهو "هناك"، ومن هذا ندرك أن الشاعر يريد أن يحيل إلى هذا المكان بالتحديد. لكن هذا المكان لم يعد له حضور في الوقت الراهن، لأن الفعلين التاليين لاسم المكان جاءا بصيغة الماضي (كان–مات)، ومع ذلك فإن صيغة الماضي جاءت أيضا لتؤكد وجود الشاعر وشعبه في هذا المكان منذ أزمان سحيقة، وتؤكد في الوقت نفسه أحقيته في امتلاك هذا المكان. وبذلك يصبح وجود الشعب في هذا المكان وجوداً بالقوة ، وليس وجوداً بالفعل على مستوى الحاضر.

لكن سرعان ما يتحول الزمن على مستوى الصياغة النحوية، لنصبح في عمق الزمن الحاضر من خلال الفعل(يخبئ)، فهو وإن كان يمنح المكان وما في حسب صيغته الصرفية حضوراً، إلا أنه حسب صورته الدلالية ما زال يوحي بالغياب، أو هو في حالة برزخية بين الحضور والغياب، مما يعني أن البعث والتجدد ما زالا احتمالين واردين. ثم سرعان ما تنكسر لعبة الاحتمالات، لأن المكان "سيرجع" الشعب مرة أخرى، باعتباره رمزاً من رموز الحياة والخصب والازدهار. فحرف السين يخرج الفعل من آنيته إلى المستقبل، ويعمل على توكيد حدوثه، وأنه واقع لا محالة؛ ولهذا كله فإن الشاعر يرفض التوقيع على معاهدة الصلح.

وأخيرا يلاحظ ما في الأبيات من تقابل بين ضمائر المتكلم (شعبي-أمي- باسمي)، مما يضفي موسيقية عذبة تتكرر من حين لآخر، تنسق العالم الداخلي للنص، كما نسق الشاعر الأزمان الثلاثة بصورة متتابعة، انتقل فيها من الماضي إلى الحاضر والمستقبل، مما جعل الخطاب الشعري بوتقة تنصهر فيها الأنساق اللغوية والنحوية والموسيقية في نسيج واحد، وتتكامل من خلالها الرؤيا الشعرية في التعبير عن العالم.

يتضح من كل ما سبق، اعتماد الشاعر في الصياغة الشعرية على توظيف الكلمات توظيفاً جديداً موحياً، يخرج بها إلى ظلال وإيحاءات متعددة، مستمدة من السياق العام للقصائد. كما اعتمد الشاعر على التناص الشعري المتصل بالدين، وببلاد الأندلس على وجه الخصوص، لتشابه مأساة الأندلس بمأساة فلسطين، كما اعتمد على تفجير إمكانيات اللغة على المستوى الصوتي، والتركيبي، والتصويري، مما أدى إلى انفتاح النص وفضائه الدلالي، أمام معارف إنسانية متعددة، سواء أكانت معارف قديمة أم حديثة، إلا أنها تعكس في داخلها صفات ملحمية ومأساوية في الوقت نفسه، عن طريق تصوير المتناقضات التي تمتزج فيها البطولة والانهزام، أو القوة والضعف.

ويتبع هذا كله انفساح وشمول في الرؤيا الشعرية، ندرك عن طريقها الواقع المعيش إدراكـاً فنياً، يرتبط بكياننا الحضاري المعاصر، ويرتبط برؤية الشاعر تجاه الأحداث المعاصرة، ورأيه فيها، مما يؤدي إلى تصالح الشاعر مع نفسه كإنسان، فيتخلى عن ارتباط اسمه بمنظمة التحرير، ويضحي تبعاً لذلك بالسياسة من أجل الشعر والفن.

وإذا كان الشاعر قد عبَّـر في قصائد الديوان عن رؤية فكرية، وعن موقف محدد تجاه عملية السلام الحالية، التي كان هو نفسه جزءاً منها في مرحلة من مراحل حياته، فإنه استطاع أن يحوّل الفكر إلى فن، والسياسة إلى شعر، والقضايا العقلية الجافة إلى إبداع حقيقي، وهذا يعني أن الفكر لا يتناقض مع التعبير الشعري "شريطة أن يستطيع الشاعر تحويل الفكرة الواعية إلى صورة موحية، تشف عن الفكرة ولا تقررها تقريراً برهانياً جامداً...كما أن كل عمل فني بحاجة إلى قدر من الوعي...وإلا كان الفن إفرازاً تلقائياً لا جهد فيه ولا إبداع" (6). وقد استطاع الشاعر عبر التنوع في استخدام الضمائر، والمفارقة، والرمز، والتناص، وغيرها من وسائل لغوية وأسلوبية، أن يحوّل رؤيته الفكرية إلى فن خالص.

 

ثانياً- الإيقاع الصوتي بين التماثل والتمايز

تشكِّل موضوعات علم البديع كالجناس، والترديد، والتصدير، وغيرها (7) ظواهر أسلوبية بارزة في الديوان، وظّفّها الشاعر في نسيج النص الشعري، واستطاع أن يخلق منها كياناً متكاملاً، يزخر بإيحاءات ودلالات متعددة، تؤثر في القارئ من خلال التوقيع على جرس الأصوات من حين لآخر، وبدرجات متفاوتة ومنتظمة.

وهذا كله يبيّـن قدرة الشاعر على إنشاء صرح موسيقي يقوم على المفارقة بين التماثل الصوتي، والتمايز الدلالي في الوقت نفسه، فالصوت "باعتباره حدثاً ينطقه المتكلم بطريقة خاصة.... ينظر إلى خصائصه النسبية والسياقية، أي إلى درجته علواً وانخفاضاً، ومداه طولاً وقصراً، ونبره قوة وضعفاً، وتردده في التركيب اللغوي قلة وكثرة... فإذا روعي ترتيب هذه الخصائص الصوتية أو بعضها على نسق معين، بحيث تتردد في الأسلوب الكلامي، على مسافات زمانية متساوية أو متجاوبة، حصلنا بهذا على ما يسمى بالإيقاع"(8). وتبقى بعد ذلك مهمة الناقد أو الباحث الأسلوبي للعمل على إضاءة النص، بالنظر إلى بنيته اللغوية، وإيقاعه الموسيقي والصوتي....إلخ.

لقد تعامل محمود درويش مع الجناس الناقص، معاملة جمالية وفنية من الدرجة الأولى، بحيث استطاع من خلاله أن يمنح الكلمتين المتجانستين شهادة ميلاد جديدة، أو بطاقة هوية جديدة، تحدد شخصيتهما الفنية واللغوية، كأننا نتعرف عليهما لأول مرة في تاريخ لغتنا الجميلة. يقول:

وأنا أنا ولو انكسرت، رأيت أيامي أمامي

ورأيت هاوية، رأيت الحرب بعد الحرب، تلك قبيلة

دالت، وتلك قبيلة قالت لهولاكو المعاصر: نحن لك

وأقول: لسنا أمّة أَمَة، وأبعث لابن خلدون احترامي

وأنا أنا، ولو انكسرت على الهواء المعدني...... وأسلمتني

حرب الصليبي الجديد إلى إله الانتقام

                                     (الديوان ص61)

تكتنـز الأبيات بظواهر أسلوبية متعددة، تمنح الخطاب الأدبي أدبيته، التي تركز على الرسالة نفسها دون بقية الوظائف الأخرى للغة، فنلاحظ أولاً سيطرة الذات الشاعرة أو ضمير "النا" على جسد النص، وتجعله ثابتاً مرتبطاً بالمكان لا يبغي عنه حولا، بالرغم من ظروف الانهيار والانكسار التي تحس بها، أو تدركها هذه "الأنا" في الوقت الراهن.

ونلاحظ ثانياً كيفية توظيف الشاعر لأسماء استقرت في الوجدان العربي بدلالات معينة، لتصبح معادلاً موضوعياً يرتكز عليه، لإظهار دلالاتها التراثية المتجددة، عن طريق وضعها في بؤرة الشعور والتذكر الجمعي للإنسان الفلسطيني خاصة، والعربي عامة، حيث تمتزج فيها الآمال والآلام، لتعبِّـر عن واقع معاصر، وهذه الأسماء هي: "قبيلة-هولاكو المعاصر- ابن خلدون- الصليبي الجديد". فهذه الأسماء السابقة تتراوح بين التراث العربي القديم والجديد في أوج مجده وعنفوانه التاريخي، وبين تجددها مرة أخرى وتحميلها دلالات جديدة،  ندرك عن طريقها واقعنا المعاصر، وما آلت إليه حالنا من تفرقة وانقسام، جعلنا شعوباً وقبائل تعاني من التشتت والتمزق، تعترف بضعفها وبتفوق الآخرين عليها، وهذا كله جعل "هولاكو" يأتي حاملاً صفات جديدة هي "المعاصرة"، كما دعا "الصليبي" أن يتجدد هو الآخر، فجاء حاملاً صفة "الجديد"، فهذا الضعف إذن قد أطمع الأعداء ليعودوا مرة أخرى في هذا العصر، وهم يحملون صفات جديدة، وتحتم علينا في الوقت نفسه تقييم أنفسنا من جديد؛ وبهذا فإن الأسماء المتذكرة "تمتزج وتختلط بالمخاوف والآمال والأمنيات والخيالات، لا يمكن تذكرها كواقع فقط، بل إن الوقائع المتذكرة هي في تعديل مستمر، يعاد تفسيرها، وتعاش من جديد في ضوء مقتضيات الحاضر، ومخاوف الماضي، وآمال المستقبل" ).(9) 

من هنا يصبح العمل الفني لدى محمود درويش "إعادة بناء لعالم الخبرة والذات" (10)، حيث ينفتح النص أمام الأزمان المختلفة، لتصبح أزماناً متعاصرة، يحل فيها الماضي بالحاضر والمستقبل، لبعث التجربة الشعرية والواقعية من جديد، محملة بأريج الماضي وطموح المستقبل.

ونلاحظ أخيراً أن الأبيات تصل في نهايتها إلى قمة الإثارة اللفظية والموسيقية من خلال قول الشاعر"لسنا أمّة أَمَة"، حيث اختلاف تشكيل الكلمتين يمنحهما وجوداً متميزاً في صلب النص، لأنهما تقومان على "التماثل الصوتي" مع اختلاف الدلالة، أو ما يسمى بـ"التمايز الدلالي"، فيكون لهما عظيم الأثر في كسر التوقع لدى القارئ، ومفاجأته من حيث لا يدري، لأن الشاعر "قد أعاد عليك اللفظة، كأنه يخدعك عن الفائدة وقد أعطاها، ويوهمك كأنه لم يزدك وقد أحسن الزيادة ووفاها"(11)، ويتضافر مع هذا كله قول الشاعر: "أيامي-أمامي" التي تفاجئ القارئ باختلاف الدلالة بين الكلمتين.

لكننا لو نظرنا إلى البنية التركيبية التي تنتظم الجمل في الأبيات السابقة، فسوف نلاحظ أن الجملة الأولى تبدأ بضمير الفصل "أنا" بعدها "لو" يتلوها فعل ماض وفاعل ضمير متصل "انكسرت"، ثم يتلوها فعل وفاعل "رأيت" وباقي متعلقات الجملة. فإذا عرفنا أن "لو" حرف امتناع لامتناع، لا يتغير بعدها زمن الفعل، أدركنا أن الفعل "انكسر" قد امتنع وقوعه في الماضي على المستوى الدلالي، وإذا حدث هذا فإن المستقبل ما زال يراه الشاعر أمامه ليتجاوز من خلاله كبوة الماضي. ومما يؤكد هذا المعنى وجود الفعل "رأى" الذي يدل على الماضي ويخترق الحاضر باتجاه المستقبل (أيامي أمامي). لكن المستقبل خاص بالشاعر لتكراره ضمير المتكلم، إلا أنه ينسحب على الجماعة التي تنتمي إليها أيضاً، لأن الجملة تنتهي بقوله "لسنا أمّة أَمَة" وما بعدها، حيث يدل الضمير في "لسنا" على صيغة الجمع، وبهذا يتداخل الجزء مع الكل مكوناً كتلة بشرية لها أحلامها وآمالها الواحدة.

ثم تأتي الجملة الثانية بطريقة متوافقة ومختلفة في الوقت نفسه، فهي متوافقة في قوله "وأنا أنا ولو انكسرت"، ومختلفة عن الأولى فيما يأتي بعدها، مما يؤدي إلى كسر نمطية التعبير، ويؤكد من جديد أن الجملة في شعر الحداثة جملة متحركة تضيف جديداً، وإن اتفقت مع جملة أخرى في جزء من أجزائها. وإذا نظرت إلى القصيدة بصورة كاملة، فسوف ترى مدى الاختلاف والمفاجأة التي تحدثها في نفسك هذه الجملة المتكررة والمتغيرة في الآن نفسه.

وبهذا ترى أن التوقيع على جرس الكلمات يضفي على الأبيات موسيقية أخاذة، وخاصة أن الجناس قد استدعاه المعنى استدعاء، وألح في طلبه إلحاحاً، فالشاعر كما يقول الجرجاني عن محاسن توظيف الجناس والسجع "لم يقد المعنى نحو التجنيس والسجع، بل قاده المعنى إليهما...حتى إنه لو رام تركهما إلى خلافهما مما لا تجنيس فيه ولا سجع لدخل من عقوق المعنى، وإدخال الوحشة عليه في شبيه بما ينسب إليه المتكلف للتجنيس المستكره، والسجع النافر"(12)، لهذا يكثر الشاعر من  استخدام الجناس الناقص، لأنه يعمد من خلاله إلى التكثيف الموسيقي، وإبراز القيم الخلافية للأصوات، التي تتركب منها الكلمات المتغايرة والمتمايزة دلالياً.

أما عن الترديد والتصدير، هما تماثل الكلمتين صوتياً ودلالياً، مع اختلاف بسيط بينهما هو: أن النوع الأول يختص بالتماثل بين كلمتين داخل السطر (البيت) الشعري، أما النوع الثاني فيختص بالتماثل بين كلمتين إحداهما داخل البيت الشعري، والثانية في القافية، ولهذين النوعين تكثيف موسيقي واضح، يعتمد في الأساس على تكرار الكلمتين لغرض التوكيد، والتوقيع الموسيقي، يخرج من خلالهما الخطاب الشعري عن صفة الرتابة والملل، ويمنحه حركية دائمة مستمرة، يقول درويش:

وزمان قديم يسلّم هذا الزمان الجديد مفاتيح أبوابنا

فادخلوا، أيها الفاتحون، منازلنا واشربوا خمرنا

من موشحنا السهل. فالليل نحن إذا انتصف الليل، لا

فجر يحمله فارس قادم من نواحي الأذان الأخير.....

                                                     (الديوان ص9)

تتوزع بنية الترديد عبر جسد النص متمثلة في قوله "زمان/ الزمان"، و "مفاتيح/ الفاتحون"، و "الليل/الليل"، وهي كلمات تفعل فعلها في نفس المتلقي لما تحمله من رموز موحية أولاً، ولما تسببه من هز القارئ هزاً رفيقاً، لتموج نفسه من خلالها بموسيقية عذبة محببة وموحية في الوقت نفسه، وهي أخيراً تؤكد أن الزمان القديم، أو زمان الذات القديم –وما تنتسب إليهم– قد انتهى، ونحن ننتظر الآن ميلاد زمان جديد – إن لم يكن قد ولد بالفعل- تسلًم فيه مفاتيح البلاد إلى الفاتحين الجدد – لينـزوي أصحاب الزمان القديم في عتمة الليل ووحشته القاتلة، لأنه لم يأت بعد أوان "المخلّص"، أو "المنقذ" الذي يأتي حاملاً معه الفجر الجديد، ليعيد التوازن الذي اختل، ويملأ الأرض عدلاً بعد أن ملئت جوراً.

أما عن بنية التصدير فقد وردت هي الأخرى بصورة ملحة على صفحات الديوان، مما جعلها تشكِّل ظاهرة أسلوبية واضحة فيه. يقول درويش:

في شجيراتنا، خير على هذه الأرض نقطع أيامنا

عن شجيراتنا، ونعد الضلوع التي سوف نحملها معنا

والضلوع التي سوف نتركها، هنا.... في المساء الأخير

                                              (الديوان ص 9)

 

تتشكَّل بنية التصدير عبر كلمتين أو جملتين هما "في المساء الأخير"، التي تبدأ بها القصيدة، وجملة القافية وهي أيضا "في المساء الأخير". على أن هذه الجملة تتكرر من حين لآخر، ولكنها تتغيير في سياق القصيدة إلى "الأذان الأخير"، مما يوحي أن الدين إذا كان قد رحل برحيل المسلمين من الأندلس وانكسارهم، فإنه الآن في فلسطين، وفي ظل معاهدة السلام، فقد أصبح على قاب قوسين أو أدنى للزوال. فالشاعر من خلال هذا كله ربما يريد أن يثير الحمّية الدينية، بعد أن لم يستطع أن يفعل شيئاً على المستوى الدنيوي.

يتضح مما سبق أن الإيقاع الداخلي للأصوات، والتوقيع على جرس الألفاظ موسيقياً، يمنح الخطاب الأدبي نبرة هادئة وموحية ومكثفة، تعمل على كسر التوقع الدلالي لدى القارئ، مما يضفي على الشعر حركة وإثارة، ولهذا لا أتفق مع الرأي القائل بأنه يوجد "هناك نقص في الشعر الحر، وهو عدم وجود العامل الزمني في الإيقاع، ففي الشعر العمودي تتوقع بعد مضي كذا ثواني ضربة أو وقفة معينة، أو رويّـاً معيناً يمنح النفس متعة ولذة خاصة" (13).

والحقيقة أنني لا اتفق مع الباحث من جوانب عدة وهي:

1- وصفه للشعر بأنه "حر" وأنه "فوضوي" لا تحكمه قواعد معينة، وهذا مخالف للحقيقة والواقع الشعريين.

2- أنه يعلي من أهمية التوقع في الشعر، فهو وإن كان فيه متعة إلا أنه يخدر إحساس القارئ، ويجعله يغض الطرف عن سمات لغوية، وأسلوبية، وتعبيرية، مهمة في النص الأدبي، ويجعله أيضا يستسلم لهذه المتعة الموسيقية، أما شعر الحداثة، فهو شعر تنبيه للقارئ من حين لآخر، حتى يكون في كامل وعيه أثناء القراءة، للوقوف عن كثب على جماليات التعبير اللغوي. فالشعر العمودي –كما اعتقد- يقضي على عنصر مفاجأة القارئ، ولذة الاكتشاف، والدهشة، والهزة الدلالية، وكسر النسق، والتوقع، لكن شعر الحداثة يباغت القارئ ويخاتله، لأن الشاعر قد يضطر للوقوف دلالياً، أو عروضياً، أو لكليهما معاً، حسب التدفق الشعوري أو الخفقات الوجدانية للشاعر، وهذا يمنح الشاعر حرية في التعبير عن نفسه دون أن يطارده شبح القافية الرهيب والمنتظم.

3- إن شعر الحداثة حطم الثوابت والأطر الساكنة، واستحدث أساليب جديدة في التعبير عن النفس والعالم، وهذا بدوره يستتبع محاولة إيجاد أدوات نقدية تتلاءم مع ما استجد على هذا الشعر، وتختلف إلى حد ما عن الأدوات النقدية التي كان ينظر إلى الشعر العمودي من خلالها، لاختلاف طبيعة كل منهما عن الآخر، من حيث همومه، وهواجسه، وموضوعاته، ولغته، وأسلوبه، وطريقة تعبيره.

 

ثالثاً- إبـداع التـراث:

يعتبر إبداع التراث أو "التناص الشعري" أداة فنية مهمة، ورافداً متميزاً من الروافد التي تشكِّل الخطاب الأدبي المعاصر، لأنه يقوم على صهر ثقافات متعددة داخل نسيجه الفني، تكتسب فيه الكلمات هالة من الدلالات والإيحاءات المكثفة والجديدة، التي تعمل على تنبيه الوعي الجماعي، ونبش الذاكرة البشرية، لاستثارتها دلالياً وفكرياً، ومعنى هذا أن التناص يعمد إلى "توسيع الاستثارة حين تمس المادة التي يستثيرها النص، مادة أخرى ذات صلة مختزنة في أذهان مستعملي النص" (14). وكلما كان القارئ مدركاً لهذه الإشارات التراثية، كان ذلك أدعى وأثبت لعملية التأثير الفني المطلوبة، ولعل هذا يتوقف على ثقافة القارئ، وعلى كيفية إدراكه لهذه الإشارات التراثية، وقدرته على فك شفرتها اللغوية والدلالية، ثم يتوقف أخيرا على أسلوب الشاعر وكيفية تعبيره بالتراث.

وبهذا نرى، أن "التناص الشعري" يفتح آفاق الثقافات المختلفة أمام الشاعر والقارئ على حد سواء، مما يجعل الشاعر يتجاوز ذاته، ليلتحم بذوات أخرى، سواء أكانت هذه الذوات قديمة أم حديثة، فتصبح القصيدة تبعاً لذلك ملحمة فنية من الطراز الأول، تختلط فيها الأجناس والثقافات، وتتشابك فيها الأحداث، وتتصارع فيها الشخصيات، وتظهر المفارقة بصورة جلية، وبذلك يصبح الشاعر شاهداً على عصره، وعلى عصور أخرى كثيرة.

لقد وظّف محمود درويش التراث الفني توظيفاً فنياً. وسوف يركِّز هذا البحث في دراسته له على جانبين مهمين، يصبان في بؤرة المعاناة الفلسطينية الحاضرة، وهما: التناص الديني متمثلاً بالقرآن الكريم، والأندلس وما يتعلق بها.

أما ما يتعلق بالتناص القرآني، فإن أول ما يطالعنا منه هو عنوان الديوان نفسه "أحد عشر كوكباً"، وهذا يعني أن الشاعر يضعنا وجها لوجه، وقبل الولوج إلى عالمه الشعر الثري، أمام الأسلوب القرآني الذي يستقي منه بناءه الفني، وينمي به الوحدة العضوية لقصائد الديوان، التي تتضافر إلى حد بعيد مع عنوانه، كما سوف نرى فيما بعد.  وبذلك يصبح هذا العنوان، بالإضافة إلى عناوين القصائد الأخرى، دليلاً،  أو هادياً مثيراً للحالة النفسية والشعورية التي تنتظم القصائد، وتعبِّـر عن واقعنا الفلسطيني المعاصر.

يوظّف الشاعر في عنوان الديوان، سورة يوسف، وخاصة الرؤيا الحلمية التي جاءت على لسانه، وهي قوله تعالى:"إذ قال يوسف لأبيه: يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين" (15). فالشاعر ينـزع عنوان الديوان من هذه الآية، لكنه في الوقت نفسه يعيدنا إلى قصة سيدنا يوسف كاملة مع إخوته وحتى مرحلة النبوة، ليعبِّـر بها أو يوظّفها للتعبير عن الحاضر.

تنطوي هذه الرؤيا الحلمية من يوسف عليه السلام على جانبين مهمين، جانب سلبي، وآخر إيجابي. أما السلبي فهو محاولة الإخوة قتله، وهذا يعني أن الذات تخطط لتدمير الذات، وبمعنى آخر فإن الذات تسعى إلى الانتحار، وهذا يتوافق مع قصائد الديوان التي قامت على ثنائية ضدية – كما اتضح سابقاً- بين الأنا/ نحن حيث تحاول "نحن" خيانة نفسها، وذلك في قول الشاعر "أهلي يخونون أهلي" وغيرها.                                     

أما الجانب الإيجابي، فهو بشرى ليوسف عليه السلام بالنبوة، وتجاوز الواقع المرير الذي سيعيشه داخل الجب (البئر). وهذا يتطابق إلى حد بعيد مع إيمان الشاعر، ورؤيته المستقبلية من أن الشعب الفلسطيني سوف يتجاوز هذه المرحلة الراهنة.

فالشاعر كما اتضح سابقاً، يستثير في نفوس القراء وعقولهم، الموروث الدلالي الذي استقر في وعيهم الديني، عن هذه الآية، ليوظفه توظيفاً جمالياً موحياً يعبِّـر عن الواقع المعيش. وبذلك تبقى الرؤيا هي المسيطرة على عالم الديوان، ويتشكل الحاضر من خلالها، وهذا كله يوحي بالنبوءة للشعب الفلسطيني، مثلما أوحت رؤيا يوسف ليعقوب عليهما السلام، بأنه سوف يكون نبياً بعد أن بعد يتجاوز المحنة. ويتضح هذا من قول الشاعر بأن الفاتحين القدماء – أي العرب– سوف ينهضون من جديد بعد أن يرمموا أيامهم في ركام التحول، بالرغم من أنهم الآن يخونون أنفسهم. من هنا تلتقي الرؤيتان وتصبان في بؤرة واحدة، وهي استشراف لمستقبل.

ويستمر الشاعر في استثارة وعينا الديني مرة أخرى بقوله:

نامت أريحا تحت نخلتها القديمة، لم أجد

أحداً يهز سريرها: هدأت قوافلهم فنامي...

وبحثت لاسمي عن أب لاسمي، فشقتني عصا

سحرية، قتلاي أو رؤياي تطلع من منامي؟

الأنبياء جميعهم أهلي، ولكن السماء بعيدة

عن أرضها، وأنا بعيد عن كلامي....

                                              (الديوان ص 56)

تتناص الأبيات السابقة مع سورة مريم، وهي قوله تعالى: "فحملته فانتبذت به مكاناً قصياً، فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني كنت نسياً منسيا* فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا* وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا" (26). ويلاحظ من خلال هذا التناص القرآني أن الشاعر يوظف الآيات القرآنية توظيفاً متعدد الأبعاد، وليس توظيفاً أحادي البعد لاستعراض مخزونه الديني فقط، لأنه  لا يكتفي بنص الآية أو دلالاتها القريبة، بل يضيف إليها دماء جديدة، يجعلها جزءاً أساسياً من خطابه الشعري، أو نسقا يتكامل مع بقية الأنساق الأخرى، وفق رؤيا جديدة تعيد صياغة العالم الخارجي وأشيائه من جديد، بما يتناسب مع الواقع المعيش.

ويتضح هذا كله من خلال تسليط الضوء على "أريحا"، لأنها الآن هي التي تكوّن رؤية الشاعر وهمه المعاصر، باعتبارها أحد الحلول السلمية المطروحة على الشعب الفلسطيني. لكن أريحا تنام، وهذا على عكس السيدة العذراء التي سهرت وعانت وندمت. ثم إن أريحا لم تجد أحداً يهز "سريرها"، أما العذراء فقد ناداها جبريل عليه السلام من تحتها قائلاً لها: "وهزي إليك بجذع النخلة"، وهذا يعني أن أريحا لا تجد من يخفف عنها مصابها فنامت وسكنت، بالرغم من أنها كالعذراء في حالة مخاض حالي، ولكن يظهر لي أنها لا تحس بالألم، أو الندم، فاستسلمت لنوم عميق.

وأخيرا إذا كانت نتيجة مخاض العذراء ميلاد نبي جديد، فهل هذا يعني أن أريحا ستلد نبياً هي الأخرى؟ أعتقد أن الإجابة في الوقت الراهن ستكون بالنفي، لأن أريحا ما تزال لا تعاني من ألم المخاض وتأنيب الضمير كما كانت العذراء.

من هذه التأويلات المحتملة، نلاحظ أن الشاعر لم يتناص مع القرآن الكريم وياته بطريقة سطحية، أو مباشرة، ولكنه يضيف إليها ويحذف منها ما يراه مناسباً ومعبِّـراً عن رؤيته الفنية، وعن طبيعة رؤيته للعالم ، ولهذا فإن "أنا الشاعر تبدأ باتخاذ سمت قدسي عندما تتناص مع الكلمات القرآنية، فيتجلى ما فيها من شعر، وما في الشعر من روح القرآن" (17).

أما عن النتاص الشعري الخاص بالأندلس، فهو يكثر بصورة واضحة وبارزة في الديوان، مما يعيد إلى الأذهان مأساة الأندلس وعلاقتها بمأساة فلسطين. وبذلك تصبح الأندلس بما تحتوي عليه من ماض مجيد وانكسار، معادلاً موضوعياً ينسحب على الواقع. لكن الشاعر لا يوظف هذه المأساة توظيفاً أحادي البعد، بل يفجِّر الطاقة الإبداعية للغة وللتراث على حد سواء، يفجرهما إلى شظايا، ثم يعيد تركيبهما من جديد وفق رؤيا فنية معاصرة، وصياغة جديدة لم يعرفها الشعر العربي القديم، أو الحديث، بمثل هذه العمق والإبداع، وهذا يوحي لنا بأن الشاعر قد استوعب هذا التراث، وأدركه إدراكا فنياً وفكرياً، يختلف إلى حد بعيد عن دراك الشاعر العربي القديم والحديث.

فالتراث في شعر محمود درويش بوجه خاص، وفي شعر الحداثة بوجه عام "لا يعيش فيه شكلاً وقوالب، كما كان الحال عند شعراء مدرسة الإحياء، ولا يعيش فيه نتيجة ترسيبات لا إرادية، كما كان الحال عند شعراء المدرسة الإبداعية، بل يعيش فيه كياناً بنائياً مقصوداً إليه قصداً، وله أبعاده الفكرية والإنسانية. وفي هذا يتحدد الفرق الجوهري بين أن نعيش "في" التراث، وأن نعيش "بـ" التراث"(18). وخير مثال على ذلك قول درويش:

أتطلع حولي لئلا يراني هنا أحد كان يعرفني

كان يعرف أني صقلت رخام الكلام لتعبر امرأتي

بقع الضوء حافية، لا أطل على الليل كي

لا أرى قمراً كان يشعل أسرار غرناطة كلها

جسداً جسداً. لا أطل على الظل كي لا أرى

أحد يحمل اسمي ويركض خلفي: خذ اسمك عني

                                    (الديوان ص15)

 

أو قوله:                    خمسمائة عام مضى وانقضى، والقطيعة لم تكتمل

بيننا، ههنا، والرسائل لم تنقطع بيننا، والحروب

لم تغير حدائق غرناطتي. ذات يوم امر باقمارها

واحك بليمونة رغبتي.... عانقيني لاولد ثانية.

                                             (الديوان ص17)

يلاحظ من الأبيات السابقة، أن الشاعر يسقط الماضي على الحاضر، لتعميق ماسأة الضياع والفناء، ويعيد إلى أذهاننا بطريقة غير مباشرة جمال غرناطة والحنين إليها باعتبارها الفردوس المفقود، ولكنها مع ذلك ليست الفردوس الأول والأخير الذي فقدناه أو سنفقده. ثم يصور الشاعر القطيعة والخصام بين الإخوة في الأندلس وإحساسه بالخجل لضياعها. على أن العرب الآن قد ورثوا هذه العادة السيئة، وما زالوا يتخاصمون ويقطعون أرحامهم، مما ينذر بأوخم العواقب، فإذا كانت حروب الأندلسيين قد انتهت، فإن حروب العرب لم تنته بعد.

يضاف إلى ذلك أن الشاعر قد ألصق ضمير المتكلم بغرناطة فقال "غرناطتي"، وهذا يعني أنه ما زال يحلم بها، وأنها مازالت تعيش في نفسه؛ لهذا يطلب منها أن تعانقه ليولد من جديد، ليعمل على تغيير العالم وفق رؤيا جديدة، وهذا يعني أن الشاعر يضيف إلى التراث من خلال توظيفه له.

يتضح مما سبق، أن شاعر الحداثة، يرى أن الموروث "لم يعد مقصوراً على وظائفه الاصطلاحية من حيث هو مادة للمعرفة، أو مصدر للاحتذاء، أو منبع للعظة، بل أصبح – كذلك – ضربـاً من الرؤيا الفنية يقوم فيه الحس التراثي مقام الرصد التاريخي،  ويتجلى فيه "ما كان" بمثابة "تأويل" إبداعي لما كان، بكل ما يترتب على هذا التأويل من خصوصية في الحذف والإضافة والتفسير" (19)؛ وبهذا يصبح التراث كائناً حياً يشكِّله الشاعر وفق رؤيته الخاصة المعبِّـرة عن عصره،  وما يموج فيه من أحداث.

 

الهـوامـش

 

  1. انظر رومان جاكبسون: قضايا الشعرية- ترجمة محمد الولي، دار توبقال – المغرب – ط2- 1988 – (ص28 وم بعدها).

  2. جبرا إبراهيم جبرا: ينابيع الرؤيا- المؤسسة العربية للدراسات والنشر-بيروت-ط-1979- (ص109).

  3. اعتمدت دراستي على الديوان الصادر عن دار الجديد-ط3- 1993.

  4. د. محمد فتوح أحمد: واقع القصيدة العربية- دار المعارف-مصر– ط1- 1984-(ص 156).

  5. روبرت ديبو غراند (وآخرون): مدخل إلى علم اللغة النص-مركز نابلس للكمبيوتر– ط1- 1992- (ص 13).

  6. د.محمد فتوح أحمد: الرمز والرمزية في الشعر المعاصر–دار المعارف- مصر– 1977- (ص 12).

  7. يستخدم الشاعر بعض الظواهر الأسلوبية الأخرى مثل: التصريع، والمجاورة. ولعل ضيق المقام منع من دراستهما أو الإشارة إليهما.

  8. د. محمد فتوح أحمد: الرمز و الرمزية (ص 366).

  9. هانز مير هوف: الزمن في الأدب– ترجمة د. أسعد رزوق- مؤسسة سجل العرب- مصر- 1972 م – (ص 28).

  10. ما سبق (ص 55).

  11. عبد القاهر الجرجاني-أسرار البلاغة-علَّق حواشيه السيد محمد رشيد رضا – دار المعرفة- بيروت – 1978 م. (ص5).

  12. ما سبق (ص 13).

  13. د. صفاء خلوصي: فن التقطيع الشعري والقافية- منشورات مكتبة المثنى – بغداد-ط5- 1977 م –(ص 410).

  14. ديبو غراند (ص 13).

  15. سورة يوسف آية 4.

  16. سورة مريم آية 22-25.

  17. د.صلاح فضل: شفرات النص – دار الفكر – مصر– ط1-1990 م – (ص 25).

  18. د.عز الدين اسماعيل: الشعر العربي المعاصر- دار الفكر العربي-مصر-ط3- د.ت- (ص 29).

  19. د. محمد فتوح أحمد: واقع القصيدة (ص 147-148).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 
 
 

 

 
 

ضيوف الموقـع

 

 
 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

معجم السيميائيـات متابعـات نقديــة ترجمــــات

دراســــات

 مؤلفــات بطاقة تعــريف الصفحة الرئيسيـة
للاتصـــال  مواقـــع   خزانات الموقـع صحف ومجـلات رسائل وأطروحـات وحدة تحليل الخطاب مجلـة عــلامات

موقع سعيد بنگراد - تاريخ الإنشاء: نونبر 2003