معجم السيميائيـات متابعـات نقديــة ترجمــــات

دراســــات

 مؤلفــات بطاقـة تعريـف الصفحة الرئيسيـة
للاتصـــال  مواقـــع  خزانات الموقـع  صحف ومجـلات رسائل وأطروحـات وحدة تحليل الخطاب مجلـة عــلامات

سعيد بنگــراد

والنجم إذا علا

استراتيجية التواصل وبناء الهوية

 

 

سنقدم فيما سيأتي تحليلا لوصلة إشهارية قدمتها التلفزة المغربية منذ مدة. يتعلق الأمر بحملة قام بها "المكتب الوطني للشاي والسكر" الغرض منها إيجاد وسيلة تمكنه من تمييز منتوجاته من خلال تنبيه المستهلك على الهوية الخاصة بهذه المؤسسة. ولقد اتخذت الحملة شكل مسابقة تتمثل في دعوة المستهلكين إلى إرسال "النجمة" المرسومة على غلاف علب الشاي إلى عنوان المؤسسة، والفائز في هذه المسابقة سيربح، بعد سحب القرعة، دراجة نارية ( موتور). ولقد دامت هذه الحملة أكثر من شهر وهو ما يبين الأهمية التي توليها هذه المؤسسة لعملية التميز والتمييز هذه.

إن الأمر، كما يبدو من خلال الوصلة، لا يتعلق بالحديث عن جودة الشاي، ولا عن أهمية استهلاكه ولا عن ذوقه ونكهته، بل هو إثارة الانتباه على وجود مؤسسة، أي "ماركة" تحمل هوية بصرية محددة هي " النجمة ". وفي هذه الحالة، فإن النجمة تشتغل باعتبارها مميزا تجاريا ( logo) يحيل على "المكتب الوطني للشاي والسكر". وهذه الهوية هي التي سنحاول دراستها وتحليل تجلياتها وأبعادها الإيحائية من خلال موقعها داخل الوصلة.

إن الهدف من هذه القراءة هو تحديد طبيعة الرابط الدلالي بين الهوية البصرية المنتقاة كشعار وكواجهة وكمميز، وبين العالم الثقافي الذي تحيل عليه الحالة الإنسانية التي يتم عرضها. ذلك أن انتقاء " موضوع " ما والتعامل معه كمميز، أي كبؤرة تنتظم حولها الوقائع التواصلية التي تجمع بين المؤسسة والمستهلك، ليس انتقاء محايدا. فالشيء لا يمكن أن يلج العالم الإنساني إلا محملا بدلالات هي ما يحدد له وضعه ضمن العالم الإنساني

وهكذا، فعلى الرغم من تركيز الوصلة على لحظة لها نكهتها وطابعها الخاصان في السلوك الاجتماعي المغربي، فإنها، كما أشرنا إلى ذلك، لا تعير كبير اهتمام للشاي في ذاته، بل تكتفي بإثارة الانتباه إلى "ماركة" تُصنف ضمنها أنواع متعددة من الشاي. وهي أنواع متداولة منذ مدة في السوق المغربية، وهي خمسة : "النسمة"و "السلاوي" و"القافلة" و"الشعرة" و "الصويري"، وهذا العدد يتناسب وعدد أضلاع النجمة. ولهذا يمكن القول إن "النجمة" ليست رمزا للشاي، بل هي رمز للمؤسسة التي تنتج وتوزع أنواع الشاي هاته. وكما يلاحظ ذلك المتفرج، فإن لهذه الوصلة طابعا خاصا، فهي على عكس الإرساليات الإشهارية، لا تجعل من الإرسالية اللفظية عنصرا مدعما لما يتم تمثيله في الصورة، بل على العكس من ذلك لاتصف الوضع ولا تشرحه، إنها تعلن فقط عن مسابقة سيحصل الفائز فيها على " موتور". ويمكن عرض هذه الوضعية من زاويتين :

- ما تقدمه الصورة : منزل مغربي متوسط، وعائلة صغيرة تتكون من رجل وامرأته. وكما هي عادة العائلات المغربية، فإن الوصلة تفتتح بلقطة تمثل للمرأة وهي تدخل إلى الغرفة حاملة صينية، وتضعها بين يدي الزوج الجالس القرفصاء على زربية.

- الإرسالية اللفظية التي تخيب كل انتظار، فالرجل لن يتحدث عن نسمة أو نكهة الشاي بل سيسألها، وهو يقلب العلبة، عن النجمة. فترد المرأة بأن " ابنه" نزعها من مكانها ليلعب بها، حينها يصرخ الرجل في وجهها : كيف تدعي الولد " يلعب بموتور" ؟ ويشرح لها بعد ذلك كيف أن تلك النجمة قد تصبح موتورا، فالمكتب الوطني أعلن عن مسابقة سيحصل الفائز فيها على موتور، ليصرخ من جديد في وجهها : اخرجي وانزعي النجمة من يد الطفل. لتنتهي الوصلة بلقطة يُشاهد فيها الرجل والمرأة بجانب الدراجة النارية.

وسنقوم في دراستنا هذه بإعادة تركيب للوصلة الإشهارية من خلال الفصل بين مستوييها اللفظي والصوري. فاللفظي له علاقة مباشرة بالمسابقة. فكل ما يحيل عليه هو النجمة المرتبطة بتحديد الهوية في حين تقدم لنا الصورة زوجا في حالة انتشاء بالشاي أو الإعداد لذلك. وسنفصل داخل الصورة بين التمثيل الكلي للوضعية وبين جزئيات الوجود الإنساني ممثلا في حركات وإيماءات بعينها.

الهوية البصرية وقواعد التعرف

استنادا إلى هذه التمفصلات، يمكن تحليل الصورة من زاوية إنتاجها لدلالات تتقاطع مع الهوية من جهة، وتشير إلى طبيعة هذه الهوية في علاقتها بالعالم الثقافي الذي يتحرك داخله المستهلك الذي تستهدفه الإرسالية من جهة ثانية. فالمميز ( logo) في جميع الحالات هو بلورة محسوسة لمجموعة من القيم المجردة التي تتم صياغتها وفق قواعد خاصة للتعرف. وهذه القواعد هي التي تمكن من استيعاب مضامينه الدلالية المتنوعة. فمحسوسية المميز ليست سوى "الممر السري" الذي يقود إلى إثارة عوالم متعددة تثمن المنتوج أو المؤسسة أو تثمن الأنماط المعيشية التي يحيل عليها المميز.

فالهوية باب للوجود، أو هي الوجود ذاته، فهي تحيل على الفرد باعتباره هو ذاته من خلال صفات لا تكون لغيره، بها يتحدد مساره داخل مجرى زمني يقوده من لحظة الولادة إلى لحظة الممات استنادا إلى عناصر ثابتة مرتبطة به. ولهذا، فإن التميز لا يستقيم إلا إذا استند إلى صفات أو أسماء أو رموز تقود إلى فصل هذه الذات عن تلك والنظر إليها في خصوصيتها وتفردها. فلا وجود لكائن يضع نفسه خارج أي تمييز، فلا يمكن للإنسان أن يتقدم في الحياة بلا شكل ولا تاريخ ولا اسم ولا صفة. وتظل أسماؤنا هي أول وأبسط مميزاتنا.

بل يمكن القول إن التميز هو إحدى الحالات التي وعاها الإنسان مبكرا وراح يحدد على أساسها علاقته بنفسه وبالآخرين وبالطبيعة ( وعي الذات بما هي كيان مفصول عما يحيط بها ). وهذا ما يدفعنا إلى تأكيد حقيقة مفادها أن الهوية ( سواء كانت اسما أو لقبا أو صورة ) هي إحدى حالات تجلي الماهية الرمزية للإنسان الأكثر مثارا للدهشة والانبهار. فالماهية الرمزية هي خروج من الوجود المادي المباشر للكائنات والأشياء إلى ما يشكل حالات وعي تستمد وجودها من الدلالات التي يمنحها الإنسان لأشياء عالمه وكائناته.

ولقد استطاع الإنسان من خلال الرمزية ( وعي بالزمان بما هو حاضر وماضي، وعي بالعالم بما هو حياة وموت، ووعي بالكون من خلال الاستعاضة عن الأشياء بأصوات تقوم مقامها) أن يتخلص من إكراهات الأشياء وذلك بإيداعها داخل مفاهيم تخبر عنها وتقوم مقامها، حينها اكتشف الأسماء والصفات والأفعال. ولقد كانت هذه الرمزية هي البوابة التي خرج من خلالها "الإنسان من المملكة الحيوانية ( ...) ليثبت نفسه كجنس متميز يبتكر تاريخه الخاص، مبتعدا عن الأجناس الأخرى التي خلفها وراءه بلا تاريخ مستسلمة لآلية الطبيعة " (1)

لقد ولد الولع بالهوية الذاتية وتميزها أشكالا لا تعد ولا تحصى من الرموز والأيقونات المتنوعة فاقت في عددها وتنوعها كل تصور. وتطورت هذه الرموز وتنوعت وتعددت أشكالها على مر العصور، وتعامل معها الإنسان استنادا إلى درجة وعيه وانسجاما مع ما كانت تسمح به المعرفة الخاصة بكل مرحلة تاريخية على حدة. ويكفي في هذه الحالة أن نشير إلى ما كانت تقوم به ( وربما مازالت) مجموعة كبيرة من القبائل الإفريقية لتمييز أفرادها والحفاظ على نقاء القبيلة وتميزها. فكل قبيلة كانت تعمد إلى إحداث نُدوب على وجه المنتمين إليها. فيكون الوضع بعد ذلك مشتملا على سلسلة من الهويات : الاسم دال على الفرد في ذاته، أما اللقب فتحديد للعائلة التي ينحدر منها، أما النَّدبة فهي تحديد لهويته القبلية. وهكذا يبدو المميز الثالث منصبا على الجسد، أي من طبيعة بصرية. فالجسد يُوسم ويُمس في جوهره، فالنُدوب ستظل تلاحق الفرد وتحد من انطلاقه والتحليق خارج القبيلة.

إلا أن الهوية ليست رموزا أو صورا فحسب، إنها أيضا صوت ونبرة وحضور في الفضاء وفي الزمان، وهي أيضا لباس وأكل ونوم. ذلك أنه على الرغم من أن الهوية تحيل على الفرد باعتباره هو ذاته من خلال صفات يجاهد أن تكون له هو وحده لا يشاركه فيها أحد، فإن هذا الفرد ذاته محكوم بالحس الاجتماعي، فهو يخشى من الانزياح الكلي عما يشكل فضاء ثقافته وتاريخه ودينه. لذا فإنه يضَمِّن هويته الخاصة غطاء مشتركا هو ما تمده به الثقافة والتاريخ. وهذا معناه أن لا وجود لهوية فردية مطلقة الوجود، فالهوية الفردية لكي تفهم وتدرك وتستوعب وتخلق تأثيرها الخاص يجب أن تندرج ضمن هوية أعم وأشمل من انشغالات الفرد المخصوصة، ويتعلق الأمر بالهوية الثقافية المتعلقة بمجموعة بشرية ما. بل يمكن المضي إلى أبعد من ذلك، فمن أجل إدراك أهمية الآخر وتميزه يجب تحديد معايير أولية لا تصدق إلا عليه. فالصورة العامة غير المؤطرة ضمن صياغة بعينها لا تؤسس هوية.

وعلى هذا الأساس، فإن كل التمثلات الرمزية التي تقودنا إلى إيداع الأشياء والكائنات مجموعة من المواقف المسكوكة تسير في اتجاه صياغة هوية جماعية نتعرف من خلالها على مواقف الأفراد، وهي ما يمكننا، من جهة أخرى، من فهم سلوكهم وتفسيره. فالرمز ( والمميز هو في نهاية الأمر رمز ) ليس استعاضة عن مجرد بمحسوس فحسب، بل هو أيضا تحديد للمواقع الدلالية الخاصة ببعض العناصر داخل الحياة الاجتماعية. وكما سنرى ذلك من خلال قراءتنا للوضعية الإنسانية التي تقدمها لنا الوصلة موضوع التحليل، فما هو رمزي ليس فقط النجمة بإحالاتها المتعددة، بل إن التسنين العرفي يطال كل العناصر التي تؤثث الصورة : فطريقة جلوس الرجل، وصوت المرأة وكذا مشيتها ولون لباسها وردود أفعالها، وحركات عينيها وشفتيها عناصر لا يمكن أن ندركها ونفهمها إلا من خلال قدرتنا على استيعاب المعطيات الثقافية التي تسمح لنا بتأويلها وتحديد موقعها داخل صرح ثقافي بعينه.

وهذا أمر بالغ الدلالة، فالهوية في المنطق الإشهاري لا تركز فقط على ما يثبت خصوصية المنتوج وتميزه، فالغاية الإشهارية تطمح إلى إدراج هذا المنتوج ضمن عالم ثقافي يؤكد مجموعة من القيم التي يزعم المنتوج الانتماء إلىها أو الدفاع عنها. ولا حاجة لنا إلى البرهنة على وجود التسنينات الأيقونية ودورها في نقل الدلالات وتداولها. فهي موجودة في كل شيء : إنها في المشي وفي نبرة الصوت وفي الإيماءات وإنتاج الدلالات عبر أعضاء الجسد.

ومع ذلك فإن التسنينات الأيقونية ليست من طبيعة واحدة ولايمكن أن تكون استنساخا بسيطا لبعض العناصر المكونة للتجربة الواقعية. إن التسنين الذي يطال الظواهر البصرية تسنين بالغ التنافر والتركيب. وربما هذا ما يبرر التمييز الذي يقيمه إمبيرتو إيكو بين تسنين أيقوني بسيط : الخطوط التي تمثل لفرس ويدركها المشاهد باعتبارها إحالة على الفرس لا على الفيل أو أي حيوان آخر. وبين ما يمكن أن يُطلق عليه الرمزية الإيقونوغرافية : صورة لنابليون بوضعته الشهيرة : القبعة على الرأس، يد على الصدر وأخرى في الظهر محاذية للخصر، وهي الصورة الشائعة عن نابليون والتي بها يعرف ويُميز.

وما بين التسنين الأول والتسنين الثاني بون شاسع. ذلك أن الثاني لا يستدعي فقط الشروط الأساسية والأولية لإدراك ترسيمة ذهنية وقد اختصرت في مواضعات طباعية ( مفهوم الفرس كما تسمح به خطوط الرسم)، بل يحتوي بالإضافة إلى ذلك، على علامات طباعية عرفية تمثل الشروط الأساسية لفهم الأبعاد الإيحائية للصورة .(2) إن حالة التسنين الثاني تقتضي معرفة أخرى غيرالخطوط الطباعية التي تحيل على ذات ما أو حيوان ما، وهذه المعرفة هي من طبيعة تاريخية وثقافية وإيديولوجية.

إن هذا التمييز ليس مجانيا وليس ترفا معرفيا بلا جدوى. فسنلاحظ لاحقا أن التمثيل للحالة الإنسانية التي يريدها الإشهاري أن تكون وسيطا بين تصوره للمميز والشاي وبين حالة الوعي الاجتماعي والحضاري المندرج ضمن استراتيجية المقاولة، هو تمثيل يستند في واقع الأمر إلى المعرفة التي يمتلكها الإشهاري عن الشريحة الاجتماعية التي يخاطبها وهي المقصودة بالمسابقة والربح وحجمه وطبيعته، وهي أيضا الشريحة التي يُنظر إليه بأنها أكثر الشرائح ارتباطا بالشاي وطقوسه.

فالاستهلاك لا يرتبط بمادية المنتوج ولا يمكن أن يكون مجرد تداول لمواد تشبع هذه الحاجة أو تلك، إنه قيمة أو هو قيم، وبدون هذه القيم لا يمكن للاستهلاك أن يكون مميزا. وهذا بالضبط ما تشدد عليه الإرساليات الإشهارية : " لا تستهلكوا مواد مجهولة فتصبحوا بعد ذلك بلا هوية ولا تاريخ ولا مميز استهلكوا قيما وتاريخا وقيمة ". وتلك هي غاية كل الإرساليات التي تقوم بالمقارنة بين منتوجين، فهناك من جهة المسحوق العادي وهناك من جهة ثانية المنتوج " س" الذي لا يشبهه أي منتوج. فصفة "العادي" لاتعود إلى مادة المنتوج فحسب، بل هي صفة ترتبط بالمنتوج كما يقدم إلى المستهلك محروما من أي اسم. إن الاسم ضرورة، فما يعرضه المستهلك - مزهوا - في الشارع أو المنتديات ليس ثوبا أو قميصا بل "ماركة "لها اسم وتاريخ و"سمعة".

فما المبرر إذن من إضافة مميز ثاني مادام المنتوج يعلن انتماءه بشكل صريح إلى "المكتب الوطني للشاي والسكر" الذي هو اسم المنتوج وعنوانه ومصدره ؟ ما هي الإضافة التي يمكن أن تأتي بها هوية من طبيعة بصرية مثلا؟

لقد رأينا في مقال سابق (3) كيف أن الهوية التي تقتصر على سند لغوي قد لا تنجح في تأدية كامل وظائفها. فـ"المكاتب الوطنية" كثيرة، و"مؤسسات التوزيع" منتشرة في كل مكان، والاسم لفظ، واللفظ يستدعي لتذكره مجهودا أكبر من ذاك الذي تتطلبه الصورة مثلا. إن للفظ ذاكرة هشة، والمستهلك عادة لا يجهد نفسه في تذكر ما لا يشكل عنده أهمية قصوى. في حين تقدم لنا الصورة نموذجا آخر للتواصل، فعبرها لا يحتاج المشاهد ( الرائي) إلى معرفة أخرى غير ما تقدمه الصورة ذاتها. فبإمكان أي كان أن يتعرف على المميز وتحديد إحالاته -المباشرة منها على الأقل - دون حاجة إلى معرفة خاصة بالكتابة والقراءة.

ولهذا السبب كان من الضروري إضافة عنصر آخر يتميز بالسهولة في التذكر والاستيعاب، أي ضرورة خلق مميز بصري يدعم الاسم ويعمل على انتشاره. فالهوية البصرية "تحيل ، شأنها في ذلك شأن كل الهويات، على قيمتين : الاختلاف من جهة والديمومة من جهة ثانية. فالاختلاف يعد ضمانة على ديمومة المقاولة وتعبيرا عن خصوصيتها. أما الديمومة فهي تعبير عن الاستمرارية اللانهائية للقيم الصناعية والاقتصادية والاجتماعية التي تدعو إليها هذه المقاولة أو تلك" (4) وكان اختيار النجمة إعلانا عن ميلاد هوية بصرية تختزن خصائص المؤسسة وموقعها داخل ثقافة الشعب الغذائية والترفيهية.

بل هناك ما هو أهم من الأمية والتذكر والاستيعاب، ويتعلق الأمر بتبليغ خصائص مجردة تحتاج إلى شيء آخر غير اللغة لكي يدركها المتلقي. فالهوية لحظة إبلاغ لمجموعة من الوقائع الموزعة على "نوعيات" أو "وقائع" أو "مفاهيم"، واللغة عاجزة، في أحيان كثيرة، على القيام بدور المميز الضامن للهوية في كامل أبعادها. فليس من السهل تبليغ "نوعية" ( qualité) أو قيمة تتميز بطبيعتها بالتجريد والعمومية. فالنوعيات علامات لا " يمكن أن تشتغل باعتبارها كذلك قبل أن تتجسد" (بورس). والتجسد حالة جديدة تقتضي الاتكاء على سند من أجل تحويل النوعية إلى خاصية مدركة عبرالعين أو الأذن، أو يتطلب الأمر صبها في سياق يجسد مفعولها. فلذة الجنس أو نكهة الشاي أو طعم الزيت "نوعيات" لاندركها من خلال ما تقوله الصورة، فالصورة مثير بصري يدعو العين إلى الانتقاء والتنظيم واستحضار ما تختزله هذه الصورة أو تشير إليه بشكل عرضي أو ضمني. لذا كان من الضروري أن نقوم بتجسيد هذه النوعيات في وقائع خاصة يمكن أن تشتغل كمثيرات بصرية تقود إلى تحيين كل العوالم الحسية التي تحيل عليها النوعية المودعة في المنتوج.

وكذلك الشأن مع "الجودة "و"النقاء" و" الصفاء" و" الطراوة"، فتلك نوعيات مرهون تحققها بمدى اقترابها من الحالة المثلى، أو بمدى تجسدها في سياق مطلق يجعل من هذا المنتوج تحققا أمثل للجودة، أو يصبح هو الجودة في ذاتها كقيمة إيجابية لا تحتاج إلى سياق يجسدها : قبل أن يكون هناك شيء "جيد" كانت الجودة نموذجا عبره تقاس كل الأشياء الجيدة.

وبناء عليه، " من أجل تبليغ نوعية بسيطة أو مركبة علينا أن نمثل لها من خلال نوعية أخرى موازية لها تكون قادرة على إنتاج النوعية المسندة إلى المنتوج. وفي جميع هذه الحالات، فإن الأمر يتعلق بإنتاج فينومينولوجيا لعمليات الاستبدال، أي استخراج ظاهرة من خلال ظاهرة أخرى باستعمالنا لروابط محددة تكون حاضرة في ذهن المؤول المحتمل". (5)

من هنا تأتي ضرورة اللجوء، من أجل استيعاب ما يمكن أن تحيل عليه النوعيات أو الوقائع أو المفاهيم المجردة، إلى ما توفره الحواس بإمكاناتها الكبيرة في التمثيل سواء كان هذا التمثيل بصريا أو سمعيا. فالمعطيات الحسية تأتينا، قبل أن تتحول إلى مفاهيم، عبرالحواس التي تقوم بتنظيمها في مفاهيم وحالات قابلة للإدراك المجرد. فأن تكون للشاي نسمة أو نكهة أو طعم خاص، فذلك معناه إمكانية تسريب هذه الخصائص من خلال حالات قد تحيل على النشوة في جميع سياقاتها، بما في ذلك النشوة الجنسية بطبيعة الحال( بل إن الإشهار يحجم في حالات كثيرة عن التمييز بين أنواع اللذات، من أجل خلق حالة من اللبس).

وهذا ما يصدق على حالة الشاي. فالشاي مادة استهلاكية لا قيمة غذائية لها، ولا يمكن القول إنها توفر طاقة بروتينية أو فيتامينية. إنها منبه يشبه في ذلك المنبهات الأخرى كالقهوة والخمر. ولذلك فإنه مرتبط بالنشوة والتلذذ والمتعة. فشرب الشاي ليس فعلا فرديا ولا يمكن أن نتصوره خارج لحظة طقوسية تحتاج إلى شروط خاصة (6). إنه، شأنه في ذلك شأن الخمر، لا يحلو إلا إذا كان مع " الندامى" في حالة انتشاء، وفي أوقات بعينها. ولذلك، وكما هي كل حالات المواد المنتجة للنشوة، فإنه يحيل على التسامي، أي الانفلات مما يشد إلى النفعي والمباشر من الحالات الإنسانية. وليس أفصح من النجمة في التعبير عن التسامي.

ولهذا فإن النجمة هي المدخل لتجسيد حالة الانتشاء هذه. فهي من خلال كل سياقاتها دالة على السمو والعزة والرقي والتعفف والجمال والانبهار. ولا تتعامل معها كل الخطابات ( وكل الثقافات) إلا باعتبارها بؤرة لتنظيم القيم التي تحيل على الرفعة والهدف البعيد، والمنشود المستحيل الممتع، والضوء الهادي البعيد. فبالنجمة نهتدي، وبالنجمة نعبر عن الغالي من الأماني.

إن المؤسسة في هذه الحالة لا تعين قيمة فحسب، ولا تحيل على مضمون ثقافي يفسر عبره تناول الشاي فحسب، إنها بالإضافة إلى ذلك تضع للتداول وقائع إبلاغية تجعل من الشاي والنجمة أقرب ما يكونا إلى لحظات تخرج عن المعتاد والمألوف من خلال إحالتهما على ما يعود إلى المتعة وليس مجرد تلبية حاجات غذائية ضرورية.

وكما كان الإيحاء" الوطني" في الهوية اللفظية أقرب الدلالات إلى المتلقي ( إحالة الاسم على الصفة " وطني")، فإن المستوى البصري لا يقدم شيئا آخر غير هذه الصفة. فالنجمة جزء من العلم الوطني، بل هي واسطته وعنصره المميز. ومع ذلك، فإن فكرة التصنيف أشد حضورا من الصفة الأولى وأقوى تأثيرا منها. فالنجمة ارتبطت في أذهان الناس ( يتعلق الأمر بدلالة كونية) بالمبدأ التصنيفي. ويكفي أن نشير إلى أن الجودة في الفنادق والأفرشة وحاجات أخرى لا أذكرها تقاس بعدد النجوم.

ومع ذلك، فإن هذا الحكم لا يصدق على كل الحالات. فقد لا يقبل سياقنا الحالي هذه الدلالات، وفي هذه الحالة فإن الأمور ستتبع اتجاها آخر ليصبح كل ما يحيل على الوحدانية، دالا على التفرد والتميز والتخصيص. وهو ما تشير إليه سياقات أخرى هي أيضا شائعة وكثيرة التداول. فالنجم في الرياضة والفن والسينما والتلفزيون وعرض الأزياء واحد وحيد أوحد متميز لا يشبهه أحد.

وتلك، فيما يبدو، غاية الإشهاري، فـ "المكتب الوطني" لا يشبه المكاتب الأخرى ولا يمكن أن نخلط بينه وبين موزعين آخرين للشاي. وإذا كانت هذه المؤسسة متميزة، فإن التميز يعود إلى المنتوجات ذاتها لا إلى أي شيء آخر، فالمؤسسة لا تبيع خدمات ولا تربطها بالمستهلك روابط مباشرة. إن منتوجات المكتب الوطني تختلف عن المنتوجات الأخرى في الجودة والنسمة والنكهة والقدرة على خلق حالة من الانتشاء لا يمكن أن يخلقها شاي آخر.

إلى هذا الحد نكون قد وقفنا على بعض القضايا التي تثيرها الهوية البصرية، وحاولنا تحديد الكون الدلالي الذي تحيل عليه النجمة باعتبارها مميزا، أي قيمة تغطي مساحات واسعة من الإنساني والاجتماعي. فلا وجود لأي مبرر آخر للتركيز على النجمة سوى بلورة هذه الدلالات، ولا غاية منها سوى خلق مميز يضمن للمؤسسة هويتها وشخصيتها.

ومع ذلك لا يمكننا، ونحن ندرس هذه الهوية، أن نتجاهل أن الأمر يتعلق بنص إشهاري متكامل فيه الصورة والصوت، بل هو مجموعة من الأحداث التي تحيل على قصة. والأمر يتعلق بالفعل بقصة تحكي وقائع أبطالها أفراد عائلة يشربون الشاي ويبحثون في النجمة عن موتور ( دراجة نارية ). ولهذا لا يمكن فصل النجمة عن مجموع النص الإشهاري، فما تحيل عليه الصورة من دلالات لا يعود إلى النجمة وحدها بل هو تأليف لمجموع عناصرها.

ومن هذه الزاوية يمكن القول إن هذا النص يضع للتداول مسارا توليديا يقود من أشد المستويات تجريدية إلى أكثرها تجسيدا عبر محطات يجدر بنا الكشف عنها وتحديد بنائها. فالنجمة بداية ومنطلق، أو هي تسمية حولها تنتظم عوالم ثقافية بالغة التنوع، ولا يمكن لهذه العوالم أن تكشف عن دلالاتها إلا من خلال تجسدها في قيم مخصوصة، وهذه القيم ذاتها لا يمكن أن تسلم مضامينها إلا من خلال حالات مشخصة. وهكذا يمكن أن نرصد هذا المسار من خلال المحطات التالية :

- مستوى تصويري : العائلة كما يتم تمثيلها ووصف حالتها والأعمال التي تقوم بها، وهي الوجه المشخص لقيم بعينها كما سنرى لاحقا.

- مستوى ثيمي : إن هذه الوضعية، من خلال كل جزئياتها، تقودنا في نهاية المطاف إلى استخراج ثيمة يمكن تحديدها في "البعد الشعبي".

- مستوى تجريدي : الهوية البصرية، النجمة باعتبارها مستودعا للقيم التي يمكن تحيينها من خلال المسارات المتعددة. وسيشكل هذا المسار الجزء الثاني من دراستنا.

الهوية والهزلي والمسبقات

لقد سبقت الإشارة إلى أن النص الإشهاري الذي نحاول قراءته يقدم لنا قصة تامة من حيث البناء ومن حيث قاعدة الفعل التي يقود إليها. فكما هي العادة تدخل المرأة حاملة صينية الشاي متوجهة إلى حيث يجلس الرجل مفترشا زربية ( وليس كرسيا، فالمقام لا يسمح بذلك) ويستقبلها هو بابتسامة عريضة سرعان ما تتحول إلى تقطيب مهدد، فقد اكتشف أن النجمة اختفت من العلبة، إلا أن المرأة تخبره بكل "عفوية" أن " ابنه" ( سنعود إلى هذه الصيغة ) يلعب بها خارج المنزل، فيرد الرجل بغضب مفتعل : كيف تتركينه يلعب بـ "موتور"، فتخرج المرأة لتعود بالنجمة، وتعود البسمة إلى الرجل الذي ربح " موتورا" ( دراجة نارية). وتنتهي الإرسالية بلقطة يعانق فيه الرجل الموتور، وهو يحرك رأسه ويضغط على بنزين الدراجة محركا حاجبيه دلالة على "النباهة" و"الفطنة".

إن مجمل الوقائع التي ترويها القصة موزعة على بعدين مركزيين : الأول خاص بلحظة الشاي والثاني مرتبط بالحديث عن المسابقة وعن إمكانية ربح دراجة نارية إذا ما تم الاحتفاظ بالنجمة الموجودة على علبة الشاي.

إن ما يتم تمثيله بشكل مباشر لا يحيل على أي شيء يخص الشاي عدا كون المقام هو لحظة احتساء الشاي، وهذه اللحظة ذاتها ليست بدون دلالة، فانطلاقا من هذا المقام المخصوص، بالإمكان توليد سلسلة من التداعيات التي تقود إلى استحضار كل ما يمكن أن تحيل عليه لحظة لها قدسيتها وطقوسها في الثقافة المحلية. فتماما كما تقتاد نساء الطبقات العليا رجالهن إلى المطاعم الفخمة والمتاجر الراقية، فإن الوسط الشعبي لا يرى في لحظة إعداد الشاي هذه مجرد احتساء لمشروب، بل هو لحظة تتحدد فيها التراتبيات والمواقع، فلا يتوسط جلسة الشاى أيا كان. فالجدة لها قدسيتها وللأم وقارها، وللأب والجد هيبتهما، وللزوج سلطته، وللزوجة أوالبنت إطاعة الأوامر وإعداد مجلس الشاي.

وعلى الرغم من أهمية القصة في تحديد حجم الدلالات، فإن ما يثير اهتمامنا حقا هو مجموع الإيماءات الصادرة عن الرجل والمرأة - خاصة تلك المتعلقة بالعين واليد والرأس والحاجب ( الوجه عموما). فهي وحدها ستكون مدخلنا للكشف عن الأبعاد الثقافية للتمثيل. وهي سبيلنا نحو الكشف عن الدلالات الإيحائية المبثوثة في هذه الإيماءات. فالملاحظ أن كل إرسالية لغوية لا تكتمل إلا إذا أضيفت إليها الإيماءة المرافقة لها. فكل إيماءة تكشف عن قيمة دلالية ستقود الإرسالية اللغوية إلى الانزياح عن مدلولها التقريري لكي تندرج ضمن معاني إيحائية لها وقعها وأبعادها الخاصة. وتشكل هذه الإيحاءات سننا مثواه المجتمع بسلوكه ونظامه وأحكامه المسبقة. لذلك فهو " ليس طبيعيا ولا اصطناعيا، بل هو تاريخي، أو إذا شئنا إنه ثقافي.. والعلامة داخله هي إيماءات ومواقف وتعابير وألوان وتأثيرات، وتكتسب هذه العلامات معانيها من استعمال المجتمع لها، والدلالات الناتجة عنها هي دلالات تاريخية". (7) وهذا بالضبط ما يشكل العمق الاستراتيجي للآليات التواصلية في المجتمع.

ولهذا لا تجب مساءلة الفعل الإيمائي من خلال أبعاده النفعية المباشرة، فذاك مستوى لا قيمة له إلا في حدود توفيره لعناصر إخبارية أولية. فلا وجود لذات تقف عند حدود ما يقدمه التمثيل الأول (إلا في حالات نادرة حيث يكون هناك قصور في التأويل مرتبط إما بالمستوى المعرفي للمشاهد وإما بالاختلاف في الانتماء الثقافي). فبمجرد ما يكون هناك تمثيل ( لفظي أو إيمائي)، فإن الدلالات تخرج عن طوع المتلفظ لكي تنشر شبكتها في كل الاتجاهات، حينها يكون على المؤول أن يروض هذه الدلالات وينظمها في مسارات تأويلية معينة.

ولهذا يمكن القول إن "العين الثانية"، تلك التي تصوغ الوضع وتؤطره وتلقي به للتداول، تقول شيئا آخر، فهي من حيث الصياغة البصرية ذاتها تحكم على الوضع كله، وتجعل من كل حركة بدءا من دخول المرأة وانتهاء بمعانقة الرجل للدراجة النارية سندا لحكم اجتماعي يخص وضعا بكامله : "الوضع الشعبي "بأحلامه الصغيرة التي لا تتجاوز " براد شاي وقطعة خبز وموتور في أحسن الحالات".

إن الأمر يتعلق بسجل إيقونوغرافي خاص منه تُستمد العناصر التي يتم من خلالها بناء الصورة، وإليه تستند القراءات من أجل إنتاج تأويلاتها. فالوضع الذي يتم تمثيله لا يقرأ في ذاته، بل هو كذلك في ارتباطه بالأحكام المسبقة التي نملكها عن الشعب وتصوراته، وهي تصورات تودع داخل قوالب جاهزة هو ما نعبر عنه بالتسنين الذي يطال لغتنا وفعلنا وسلوكنا وحركاتنا. فكل ما يعود إلى حركات اليد أو الرأس أو العين أو الحاجب، أو ما يعود إلى تموجات الجسد لا يمكن أن يدرك إلا من خلال التعرف على مجموع التسنينات التي يتم من خلالها إنجاز هذه الأفعال. فتلك التسنينات هي وحدها القادرة على تسليمنا معاني من طبيعة أخرى، إنها معاني نطلق عليها المعاني الثانية أو الإيحائية، وهو ما نقرؤه في لاوعي الصورة. والصورة، كما يقول بارث ليست دالة إلا في حدود وجود خزان من المواقف المسكوكة التي تشكل عناصر جاهزة للدلالة. (8)

ولقد نبهنا في مقال سابق ( 9) إلى أن اختلاف العوالم الثقافية ينتج عنه اختلاف في العوالم الحسية. فالذين ينتمون إلى عوالم ثقافية مختلفة لا يتكلمون لغات مختلفة فحسب، بل يستعملون أجسادهم وإيماءاتهم بطرق مختلفة أيضا. فلا يمكن الفصل بين اللسان الأصلي وبين جسد أصلي يناسبه، فكما أن هناك استعمالا اجتماعيا للسان هناك أيضا استعمال اجتماعي للجسد. وفي جميع الحالات، فإن الأمر يتعلق ببرمجة مسبقة تتحكم في ردود الأفعال البدنية وطرق إنتاج الملفوظات الإيمائية. وتلك، فيما يبدو، بديهيات في مجال دراسة اللغات غيراللفظية وعلاقتها بالتعبير اللساني عن السلوكات المتنوعة للإنسان. وهذا ما أشرنا إليه في الصفحات السابقة حين حددنا الهوية البصرية من خلال الرموز والأشياء والأسماء والصفات، وقلنا إن الهوية يمكن أن يكون مصدرها الجسد أيضا. فالهوية البصرية تتجلى بوضوح شديد في الاستعمالات الخاصة بالجسد وما ينتجه من إيماءات.

ولن نذيع سرا إذا قلنا إن الانتماءات الثقافية المختلفة للأشخاص تكشف عنها لغتهم ونبرة صوتهم ومشيتهم واستعمالهم لأيديهم. فليس غريبا أن يختلف البدوي عن الحضري في استعمال اليدين والصوت، وليس غريبا أيضا أن يختلف في ذلك الفلاح عن العامل، وتختلف نساء الأحياء "الراقية " عن نساء "الأحياء الشعبية". ومصادر هذه الاختلافات متعددة ومتنوعة، ولكننا نكتفي هنا بالإحالة على ما تختزنه اللغة الإيمائية من طاقات تعبيرية وقدرتها على تحديد الأبعاد الثقافية للإنسان.

ويمكن القول في هذا المجال إن "الإنسان، على خلاف الحيوانات الأخرى، يتميز بكونه استطاع أن يخلق ما يمكن تسميته بـ" الامتدادات العضوية". فلقد أدى تطور هذه الأعضاء إلى تطوير لوظائفها ومدها بالمزيد من التخصص ". (10) فلا يمكن للإنسان أن ينتشي داخل هذا الكون دون "الخروج" من ذاته وخلق حالات تواصل مع أشياء العالم. فنحن نلمس ونشم ونتحسس ونداعب، وفي كل ذلك فإننا نتخلص من ذاتنا لنحس بالآخر في ذواتنا.

إلا أن الأمر لا يقف عند هذه الحدود، فهو قد يتخذ أبعادا أخرى حين يصبح هذا الانتشاء دالا على حالات الانتماء الثقافي أو الطبقي. حينها تصبح الإيماءات مدخلا للتصنيف ومصدرا للأحكام المسبقة. وهناك في لغتنا - في تعابيرنا اليومية- ما يثبت ذلك. فنحن نتحدث عن " العروبي" و"البدوي" و"المديني" من خلال حركات تعود إلى هؤلاء : أيديهم ومشيتهم أو نطقهم، تماما كما نتحدث عن "الدلال" في المشي وفي النطق وفي تحريك الأيدي. وفي ذات الوقت نتحدث عن "الأرستقراطي" وعن "الشعبي"، وتلك كلها صفات تجد تجسيدها في كل مناحي الحياة، فهي في النطق والنبرة والمشي والإيماءات وأثاث البيت الخ.

وإلى هذا السجل الإيقنوغرافي استندت الإرسالية الإشهارية من أجل إنتاج دلالاتها أوالبعض منها على الأقل. فالإرسالية لا تخفي توجهها، ولا يمكن لها أن تفعل ذلك، فقد اختارت، منذ البداية، التوجه إلى شريحة اجتماعية بعينها لكي تبني استراتيجيتها التواصلية. ويتجلى ذلك على مستويات عدة. منها الشاي ذاته، فالشاي مشروب شعبي، بل هو في أحيان كثيرة وجبة غذائية رئيسة عند أوسع الفئات الاجتماعية، ويتجلى ثانيا في "الربحة" ونوعيتها وقيمتها، فالموتور أداة لتنقل شريحة واسعة من الشعب، وهو زيادة على ذلك لا يشكل قيمة كبيرة في عالم الملكية أو الثروة، كما لا يمنح صاحبه وضعا اجتماعيا متميزا.

ومع ذلك فليس هذا هو الأساس في النص الإشهاري. فهذا "الطابع الشعبي" الذي يعبر عنه الشاي والموتور وأثاث البيت، ليس سوى مدخل نحو الكشف عن صفات أخرى تخص " الشعبي" في ذاته، أي تخص عالمه وطريقة تفكيره، بل تخص في المقام الأول طريقته في استعمال جسده، كما سيتضح ذلك فيما سيأتي. وهواستعمال يكشف، من خلال التشديد على الحركات في ذاتها، على الرغبة في إعطاء صورة كاريكاتورية عن كل ما يعود إلى الشعب. فليس الصوت أو الحركة هو ما يتم تمثيله، إن الكاميرا تختار العضو في ذاته، فهو الذي يأتي إلى عين المشاهد من خلال تفخيم الحركات والمبالغة في إظهارها.

وهذا ما يعطي لهذا الاستعمال مضمونا خاصا. فسلسلة الحركات والوضعات والإيماءات لا تحدد لنا وضعا إنسانيا خاصا، ولا تصور لنا حالة مفردة محدودة في الزمان وفي المكان، إنها تروم استنساخ حالة اجتماعية هي تعبير عن طريقة في التفكير والعيش وفي الحلم تخص ما نطلق عليه في اللغة السياسية الشعب.

فعلى الرغم من الأهمية القصوى لهذه الوحدات التعبيرية التي تتشكل من الملفوظات الإيمائية فإن علاقتها بالمرجعية القريبة للصورة ليست مباشرة، وقد لا يتنبه إليها إلا المتفرج الحذق الراغب في تجاوز ما تقترحه الصورة في بعدها المباشر. فبالإمكان قراءة الإرسالية وتحديد المستويات الدلالية الممكنة داخلها دون الانتباه إليها وتحديد موقعها من الإرسالية ككل. فهي دلالات إيحائية مهربة في أثواب تقريرية عادية لا تثير حولها الشبهات. ومع ذلك لا يمكننا، ومن نفس الموقع أيضا، أن نتجاهل وجودها وظلالها وامتداداتها.

فإذا ما نحن غضضنا الطرف عما يعود إلى اللفظي وعما يشير إلى التمثيل الكلي للكائنات وركزنا على أجزاء بعينها في مناطق بعينها، فإننا سنكون في حضرة دلالة أخرى هي العمق وهي الأصل في كل تمثيل. فهذه العناصر تشكل في رأينا العوامل الحقيقية التي تقودنا إلى تعرية معنى يرفض أن يتجسد ولكنه، في الآن نفسه، يرفض أن يتوارى، إنه يجاهد على البقاء مستعصيا على الضبط متحركا لا يستقر على حال. فأحيانا تخفيه الكلمات وينساق المتفرج مع ما تقوله الشفاه دون الانتباه إلى الشفاه ذاتها، وأحيانا تغطي عليه حركة الشخصيات في الفضاء، ولا ينتبه المتفرج حينها إلى شيء آخر سوى التنقل ذاته، وأحيانا أخرى تخفيه الكاميرا حين تبتعد وتكتفي بلقطة عامة للفضاء والوجوه والجسد. ومع ذلك فإن هذه المعاني موجودة، إنها مبثوثة في عيون الرجل وابتسامته وحركات حاجبيه، وموجودة أيضا في شفاه المرأة ونظراتها وحركات رأسها ( انظر الصور المرفقة).

بل يمكن القول إن هناك حوارا ثانيا لا علاقة له بالإرسالية اللغوية، حوارا يتم من خلال الإيماءات. منتجا ملفوظاته الخاصة التي تشكل في تآلفها نصا جديدا يتجاوز النص الظاهر. فإذا ما نحن وقفنا عند سيل الصور وتتابعها الخطي أدركنا ذلك بسهولة كبيرة. فالمرأة تدخل " مزهوة" والزهو يبدو من خلال خطواتها الواثقة وصينية الشاي بين يديها مرفرعة إلى أعلى تكاد توازي الرأس. ترافقها موسيقى استعراضية تشير إلى وقوع حدث أو قرب وقوعه. ويقابلها الرجل بنظرة من أسفل إلى أعلى وابتسامة عريضة على شفتيه، توضع الصينية على الطاولة وتنقلب الابتسامة إلى تقطيب وتتحول النظرة المبتهجة المهللة إلى استغراب، حيث تركز الكاميرا على عينين فاغرتين تتحولان إلى تهديد وهما تتوجهان نحو المرأة التي تفتح فمها بشكل يحيل على البله وتمد شفتيها ثم تخرج لسانها من بين شفتيها.

وفي كل هذه الحالات تبدو المرأة في حركاتها وانتقالها من مكان إلى آخر شبيهة بالطفل الذي يلعب في الخارج بالنجمة. فهي مثله قاصر لا تقدر عواقب الأمور ولا تنتبه إلى الأشياء الضار منها والنافع. ولولا وجود الرجل الفطن بـ" بطبيعته" لضاعت على الأسرة فرصة ربح موتور. ويصل المشهد إلى قمته التعبيرية حين تجلس المرأة خلف زوجها وهو ينظر إليها نظرة جانبية موزعا نظراته بيننا وبينها محدثا إياها فيما يشبه التعنيف عن المسابقة والربح والإعلان عن الاسم في " التلفزيون".

والوصلة في كليتها تؤطرها نظرتان :

- الأولى عندما يخبر الرجل زوجته عن المسابقة لكي تتحول نظرته من نظرة جانبية تحاور إلى نظرة مواجهة يشهدنا فيها على غباء المرأة وعدم نباهتها ويشهدنا في نفس الوقت على فطنته هو.

-والثانية عند ما تركب المرأة " الموتور" ، وكما يفعل الأطفال فإنها، تضغط على البنزين مزهوة، في حين ينظر إلينا الرجل نفس النظرة مضيفا إليها هذه المرة حركة من حاجبيه تسفه المرأة من جديد وتقيس ذكاءه بذكائها.

وفي الحالتين معا فإن العين " الأخرى" التي تمثل وتصوغ النص بكامله تحكم على بلادة الإثنين وسذاجتهما، من حيث الإحالة على حالة إنسانية أقرب إلى التمثيل الكاريكاتوري منه إلى رسم معالم شريحة اجتماعية بعينها.

أين تتجلى الكاريكاتورية، وأين يتجلى الانزياح عن التصوير " المحايد" في هذه الصور ؟ لا شك أن الدفع بأي عضو من أعضاء الجسد خارج ما تقتضيه وظيفيته سينتج ملفوظات إيمائية يمكن أن تندرج ضمن السياق الهزلي المضحك الذي يستغل الميل الطبيعي عند الإنسان إلى هذا النوع من التمثيل التصويري. يصدق هذا على الأيدي والأرجل والعينين والحاجبين والصوت أيضا. وهي ثيمة تنبهت إليها الصناعة الإشهارية بالمغرب منذ فترة ليست بالقصيرة، وهي معروفة ومنتشرة بكثرة في البلدان التي اكتشفت الإشهار وقننته.

إلا أن الهزلي كتقنية من تقنيات صياغة الوصلات الإشهارية قد يؤدي إلى انزلاقات دلالية خطيرة حين يصبح " ثرثرة صوتية" هي أقرب إلى السخرية المزوخية من الذات، منها إلى فن نبيل يساعدنا على معرفة أنفسنا من خلال نحته لشخصيات هزلية تتميز بالعمق أو من خلال صياغته لمواقف تكثف داخلها الإنساني بأبعاده المتعددة.

وهذا ما حصل " للإشهار المغربي" حين بدأ يستعير شخصياته من مسرح رخيص بلا موضوع ولا مواقف يستجدي الضحك ولا يفجر طاقاته، مفضلا الصراخ والبهلوانية الجسدية على الإيقاع الإيمائي المؤسس على رؤية فكرية واضحة. والبهلوانية، في الصوت والإيماءة، سجل وصفي معروف ومتداول يستند، من أجل إنتاج " نصوصه" إلى المحاكاة الصوتية التي يقوم بها أشخاص يجسدون، عبر حركاتهم الممزوجة بصراخ دائم، " العروبي" و " المغفل" الذي يعتقد أنه يفهم وهو لا يفهم شيئا.

استناد إلى هذا يمكن فهم هذا السجل الهزلي الذي تُدرج الإرسالية نفسها ضمنه. فالتمثيل الصوري يتخذ طابعا كاريكاتوريا، من خلال "الضغط" على الأعضاء الأكثر تعبيرية في الجسد : الوجه واليدين والأرجل، لكي يصل إلى خلق هذا المعنى الذي نحاول الإمساك به والذي يمكن أن نطلق عليه (كما تريد ذلك الإرسالية ) "البساطة". وبالفعل قد تحيل البساطة على العمق والأصالة والإنسانية المفعمة بالعفوية والصدق، ولكنها تحيل أيضا، وربما في أحيان كثيرة، على السذاجة، بل قد تحيل على البله القريب من الاختلال الذهني. والمعنى الذي يقود إليه التمثيل في هذه الإرسالية أقرب إلى القيم الثانية منه إلى الأولى. وذلك بالضبط من خلال طريقة التصوير الساخر هذه. يبدو أن الوضع مسكوك، ومنه نشتم رائحة "الدوني" و"الضعيف" و"البسيط".

بالتأكيد لا يمكن الحديث عن إبلاغ لفظي محض، فالكلمات لا يمكنها أن تقول كل شيء، فهناك أشياء تقولها النظرة والأيدي وتقاسيم الوجه وانشراحه أوعبوسه. إلا أن التعبيرية لا علاقة لها بالتفخيم الكاريكاتوري الذي يراد منه تسفيه الإرسالية اللغوية وليس تدعيمها. فالطابع الإخباري يفرض على العين أن تبقي في حدود بعينها ويفرض على الشفاه أن تقوم بوظيفتها النطقية في حدود لا تجعل من الشفاه مصدرا للإدراك عوض الصوت. فلكي لا ننزاح عن هذا الطابع، على العين ألا تنفلت من إسار الوظيفة البصرية، وعلى الشفاه أن تبقى في حدود ما تصوغه الأحرف كما هي من خلال نموذجها العام دون تفخيم ولا تليين.

استنادا إلى هذا، فإن الصورة تعمل على مزج الملفوظ الإيمائي بالجملة اللفظية وجعل الثانية شاهدا على الأول وتجعل منا شهداء على وضع يراد له أن يكون "شعبيا" بالمفهوم القدحي والكاريكاتوري للكلمة. فكل ما في الملفوظ الإيمائي، من خلال تحققه هذا، يحيل على قيم السذاجة والتفاهة والأحلام الصغيرة والبله والبلادة، والتقسيم الرجالي المسكوك للأدوار. بل قد يصل الأمر إلى حد الاستنساخ المأساوي لأوضاع رديئة حين تقول المرأة وشفتاها في حالة استرخاء مشين : " يلعب بها ابنك". وهي الصيغة المتداولة عند أشد الفئات الشعبية تخلفا، فئات لازالت، بحكم قصور ثقافتها وتهميشها المستمر وتفشي الأمية والجهل، تجعل من الرجل الأب والسيد والمسؤول عن النسل والأصل.

ونجد أنفسنا من جديد أمام التمييز الذي أشرنا إليه سابقا(11) بين قيم استعمالية وأخرى أساسية. فداخل العالم الإنساني، يمكن أن نميز بين ما يعود إلى الفرد في أبعاده النفعية، أي على كل ما يساعده على الأكل والشرب والتنظيف، وبين ما يعود إليه في ذاته كشكل وجودي له هوية خاصة ينظر إليها في جمالها وقوتها ورشاقتها وجاذبيتها. ولقد أشرنا إلى هذه الفكرة في مقال سابق (12) حين أكدنا أن كل ما يحيل على الجوانب النفعية المباشرة في حياتنا تتكفل به نساء من " عندنا" بسلوك شعبي وعوالم شعبية ولباس شعبي. أما ما يعود إلى القيم الأساسية، تلك التي تمس الفرد في ذاته من حيث هو كيان متميز في اللباس والأكل فتتكفل به نساء من " هناك"، نساء جميلات رشيقات شقراوات لا يحضر جسدهن في الصورة إلا باعتباره موضوعا للمتعة.

وذاك هو التصور الذي يتحكم في جزء كبير من الإنتاج الإشهاري الموجه إلى الجمهور المغربي. وهذا ليس جديدا على المنطق الإشهاري، فالصورة الإشهارية تنتقي قراءها، فهي تبني استراتيجيتها وفق طبيعة المنتوج وطبيعة الجهة الموجه إليها. إلا أن الأمر قد يتجاوز الغايات التجارية المحض ليصبح "تقويما حضاريا" يستند إلى مسبقات تصنف المستهلكين حسب " ثقافتهم" ودرجة "تحضرهم" وانتماءاتهم الاجتماعية، لا حسب قدرتهم الشرائية. وهذا ما يقود إليه بناء الإرسالية الإشهارية التي نقوم بقراءتها في هذه الصفحات. فالراجح في قراءتنا أن "الموتور"، من خلال سلسلة من السلوكات البهلوانية المضحكة، يتحول إلى " رؤيا حلمية" تقض مضاجع الرجل والمرأة، فيخرجا عن طورهما ويتحولا إلى طفلين يلعبان بالحلم كما يلعب ابنهما خارج المنزل بالنجمة.

ويكفي لإدراك هذا التمييز أن نشير إلى وصلة سابقة كانت شركة " موتورولا "قد أعلنت فيها عن مسابقة قد يحصل فيها الفائز على سيارة من نوع B M W، وبثتها هي الأخرى التلفزة المغربية. وشركة "موتورولا" هاته هي شركة تروج لنوع خاص من الهواتف المحمولة التي يبدو أن لها من المزايا ما يجعل ثمنها باهظا أو هكذا يبدو الأمر. وكما حدث في وصلة الشاي والنجمة، فإن الإرسالية الخاصة بـ "موتورولا" تقدم لنا هي الأخرى وضعية إنسانية تتمثل في وجود عائلة أسعفها الحظ فربحت سيارة من نوع B M W. ودون أن ندخل في تفاصيل الإرسالية ودلالاتها المتعددة، فإننا نكتفي بعقد مقارنة بسيطة بين الوصلتين. فمن جهة هناك التقابل :

الشاي موتور (م) موترولا B M W

ومن جهة ثانية هناك التقابل : الزوج الشعبي (م) الزوج المتحضر

وهذا التقابل الثاني يحتاج إلى شيء من التوضيح. فبينما تقدم الإرسالية الأولى، كما سبق أن وضحنا ذلك، صورة كاريكاتورية عن زوج مغربي يحلم بموتور، فإن الوصلة الإشهارية الثانية، على النقيض من ذلك، تقدم لنا زوجا يبدو، من خلال اللفظ والوضعة والفضاء وطريقة الوقوف، على درجة كبيرة من "الرقي الحضاري". فكل شيء يحيل على التكافؤ والاحترام بين الزوج وزوجته. فالرجل يقف بجانب السيارة، على بعد متر يزيد أو ينقص قليلا، مما يدل على "الرزانة" والاعتدال، فالربح جميل شريطة ألا يفقد صاحبه اعتداله ووقاره. وإلى جانبه، في نفس المستوى وبنفس الوقار، تقف زوجته واضعة يدها في يد زوجها كما يليق بكل الأزواج "المتحضرين".

فما قلناه عن التمييز بين القيم الأساسية والقيم الاستعمالية يجد كامل تجليه في هذه المقارنة البسيطة بين وصلتين موجهتين إلى شريحتين اجتماعيتين مختلفتين. فالاستعمالي مرتبط بالحاجات النفعية الموجهة إلى تلبية رغبات لا علاقة لها بهوية الفرد، أما الأساسي فعلى النقيض من ذلك، مرتبط بالهوية الفردية، أي ما يعود إلى الوجود الفردي: الجاذبية والإغراء... إن الاستراتيجية الإشهارية تبني نفسها استنادا إلى هذا التقابل من أجل إنتاج دلالاتها ومن أجل الوصول إلى مستهلك بسيط تستهويه الصور الهزلية المصطنعة.

الهوامش

1- فراس السواح : لغز عشتار، الألوهة المؤنثة ، الطبعة السابعة ، دار علاء الدين ، دمشق 2000، ص 13

2- Umberto Eco : La structure absente, mercure de grance, 1972, p 187

3- انظر مقالنا" ولا يكف الحصان عن الصهيل"، علامات، العدد 7، 1997

4- - J FLOCH(Jean- Marie), Sémiotique , marketing et communication, éd P U F, Paris 1990, p. 45

5- - R marty : comment communiquer une qualité, un fait et un conceptt

6- انظر في هذا المجال الكتاب القيم الذي أصدره الأستاذان عبد الأحد السبتي وعبد الرحمان لخصاصي : "من الشاي إلى أتاي، العادة والتاريخ"، منشورات كلية الاداب، الرباط.

7 -- R Barthes : L'obvie et l'obtus, éd Seuil ,1982, p. 20

8- نفسه ص20

9- نساؤهم ونساؤنا، علامات عدد 12 1999

10 -- Edward T . Hall : La dimension cachée, éd Seuil , 1971 , p 16

11- انظر : الإرسالية الإشهارية : الجمالية والمدلول الإيديولوجي، الفكرالعربي المعاصر، عدد 112 – 113- 2000

12- نساؤهم ونساؤنا

 

 
 
 
معجم السيميائيـات متابعـات نقديــة ترجمــــات

دراســــات

 مؤلفــات بطاقـة تعريـف الصفحة الرئيسيـة
للاتصـــال  مواقـــع  خزانات الموقـع  صحف ومجـلات رسائل وأطروحـات وحدة تحليل الخطاب مجلـة عــلامات

موقع سعيد بنگراد - تاريخ الإنشاء: نونبر 2003